قبرص تخشى الأسوأ من لبنان
“إنه بلد يريد الكثيرون الهروب منه”. هكذا شرح مسؤول قبرصي لصحافي أوروبي المخاوف من تدفق اللاجئين باتجاه هذه الجزيرة القريبة منّا جغرافياً. ذاك أن الوضع الاقتصادي الرديء في لبنان، والأزمات السياسية المتلاحقة وأيضاً الضغط على اللاجئين للعودة الى سوريا، يدفع الكثيرين إلى المخاطرة بحراً للوصول إلى قبرص.
والمعلومات القادمة من قبرص تتحدث عن أكثر من طريق يسلكه اللاجئون اليها. أولاً، عبر البحر من السواحل اللبنانية والى قبرص اليونانية. وهذه رحلة تزداد وتيرتها، لكن رادارات الشرطة اليونانية ترصد القوارب، ما يُمكن من اصطحاب خفر السواحل هؤلاء اللاجئين إلى الشواطئ ومنها إلى مراكز احتجاز موقتة. المركب الذي وصل إلى كايب غريكو في قبرص اليونانية قبل 20 يوماً كان يحمل على متنه 29 سورياً بينهم 14 رجلاً و6 نساء و9 أطفال، اصطُحبوا جميعاً الى مرفأ نيكولاوس، ثم الى مركز احتجاز موقت. هؤلاء الركاب اعترفوا جميعاً بأنهم جاؤوا من السواحل اللبنانية. وهذه الرحلات ما زالت محدودة ولا يتجاوز العدد الإجمالي لركابها المئات. لكن سعر الرحلة هو الأقل، بما أن تذكرة الركوب لا تتجاوز الألف وخمسمئة دولار أميركي، وباتت هناك نجاحات متكررة تُشجع اللاجئين على المخاطرة.
الطريق الثاني هو من سواحل لبنان وسوريا وتركيا إلى شواطئ قبرص التركية شمال الجزيرة، ومنها عبر الحدود البرية إلى الشطر اليوناني من الجزيرة. هذه المراكب قادرة على تجاوز عقبة البحرية القبرصية وخفر السواحل، والوصول إلى الجانب اليوناني لتقديم اللجوء السياسي.
الطريق الثالث عبر الجو الى تركيا ومن ثم قبرص التركية، ومنها براً الى الشطر اليوناني. وهذه أكثر كلفة من الرحلة البحرية، نظراً لوجود تذكرتي طائرة وتكاليف الإقامة.
وقبرص تدق ناقوس الخطر منذ فترة بعدما سجلت أعلى نسبة لجوء سياسي على صعيد أوروبا، مقارنة بعدد سكانها الضئيل. وزير الداخلية القبرصي كونستانتينوس بيتريديس طالب أخيراً بتوزيع هؤلاء اللاجئين بشكل متساو بين الدول الأوروبية، تماماً كما حصل مع دولتي مالطا واليونان، لأن “هذه الدول غير قادرة على ادارة هذه الموجات وحدها”، ولا يُمكن لأسواق عملها استيعاب هذه الأعداد.
جهاز الإحصاءات الأوروبي كشف تضاعف عدد طلبات اللجوء السياسي في قبرص خلال الشهور الثمانية الأولى من هذا العام، إذ بات هناك 15 ألف لاجئ معترف بهم اليوم على الأراضي القبرصية. القبارصة قلقون حيال هذا الارتفاع، لكنهم أكثر قلقاً من احتمالات حدوث موجة واسعة النطاق على الطريقة التركية. وفي ظل توالي صعود اليمين الأوروبي على امتداد القارة، لن يكون توزيع العبء على الدول الأعضاء في الاتحاد سهلاً، إن لم يُصبح مستحيلاً نتيجة رفض الحكومات اليمينية استقبال اللاجئين. وهناك قناعة راسخة بأن أي اهتزاز اقتصادي أو أمني في لبنان كفيل بإطلاق موجة من اللجوء تتجاوز قدرة قبرص على التحمل.
لكن حدوث مثل هذه الموجة من هجرة اللاجئين، لا يرتبط عضوياً بانهيار مالي أو أمني، بل بنية رسمية لبنانية تقضي بغض النظر عن القوارب. فإذا كانت أوروبا تخفض مساعداتها للحكومة اللبنانية وللاجئين، وإن تدريجياً، فيما ترتبط استثمارات سيدر بإصلاحات جذرية تمس جيوب السياسيين وأزلامهم ومصالحهم، لماذا على لبنان الرسمي المتذمر من اللاجئين بذل جهود كبيرة لكبح هجرتهم غير الشرعية؟
بحسب الأرقام المتوافرة، تتباطئ العودة الى سوريا بعد انكشاف الصعوبات أمام العائدين، ومنها التضييق الأمني. بعد إغلاق هذا الباب، قد تُفتح بوابات البحر على مصراعيها.