رهاب المثليّة: صدم الأعضاء التناسلية بالكهرباء
لسنا أمام فيلم من وحي الخيال العلمي، يصوّر تجارب علمية على أدوية حديثة لتغيير طبيعة البشر. ولا أمام فيلم يحاكي التجارب العلمية في ألمانيا النازيّة على أكثر من 70 الف شخص معوّق ومثليّ، وسواهم من الأشخاص المغايرين لـ”الطبيعة البشرية” و”المتخيّلة” للعرق الآري. ولا أمام موجة جديدة من “ملاحقة السحرة” التي عمّت أوروبا بين القرنين الخامس والثامن عشر. نحن أمام ظاهرة تجمع كل ما سبق، عمادها الأساسي “رهاب المثلية” وفحواها العملي ملاحقة مجتمع “الميم”، المريض، هرمونيا وكهربائياً، لإعادته إلى الطريق القويم، أي الطبيعة البشرية “المتخيّلة” دينياً واجتماعياً. هي نوع من “ملاحقة السحرة” بالمعنى الحديث للمصطلح، أي الاقتصاص من الآخر المختلف عن السائد.
ولكون “المثلي” مختلف عن “الأعراف” السائدة، فالعلاج الإصلاحي كفيل بجعله “إمتثالياً” (conformist) وطيّعاً للعادات والتقاليد الموروثة، حتى لو عبر صعق أعضائه الجنسية بالكهرباء.
الحقن بالهرمونات
لا ينفرد لبنان عالمياً في إتباع ممارسات “طبيّة” تقتحم جسد الإنسان، في محاولة لتغيير ميوله الجنسية-المثلية. لكن أطباءه النفسيين ينفردون في ممارسة التدخلات الطبّية هرمونياً وكهربائياً، لردّ الشخص المثلي إلى “الصراط المستقيم”، حتى لو أن “المثلية” لم تعد عالمياً مرضاً تحتاج علاجاً، والممارسات الطبية “التدخلية” لتغيير الميول محظورة في بعض الدول أو حتى أنه يُنظر إلى الطبيب المعالج كشخص جاهل علمياً.
فحسب “دراسة حالة” أجرتها “الجمعية الطبية اللبنانية للصحة الجنسية”، بالتعاون مع جمعية “حلم”، تبيّن أن العديد من الأطباء النفسيين اللبنانيين ما زالوا يمعنون في ممارسة ما يُسمى العلاجات الإصلاحية للأشخاص المثليين. أي بمعنى آخر محاولات لتغيير الميول الجنسية لدى المثليين كي يصبحوا “أصحاء” عبر حقن “المريض” بهرمونات كي يعود إلى حالته الجنسية “الطبيعية”. أو، وهذا الأخطر في الموضوع، توثيق تصريح لأحد الأطباء الذي أعلن عبر إحدى المحطات أنه يستخدم “طرق علاج” عبر الصدمات الكهربائية للأعضاء التناسلية. بعكس المرضى النفسيين الذين يعالجون أحيانا بالصدمات الكهربائية تقوم فكرة العلاج على جعل “المريض بالمثلية” يشاهد أفلاماً إباحية، ويقوم الطبيب في أثنائها بصدم أعضاء التناسلية بالتيّار الكهربائي.
ورغم أن لبنان انفرد عربياً في كون “جمعية الطب النفسي” و”الجمعية اللبنانية لعلم النفس”، المرجعيتان العلميتان اللبنانيتان في الطب النفسي، أوضحت في بيان رسمي في العام 2013 أن “المثلية ليس مرضاً”، وبالتالي لا تحتاج لعلاج طبّي، ما زال المجتمع اللبناني يمعن في لعن “مجتمع الميم”. فحسب دراسة لـ”المؤسسة العربية للحريات والمساواة”، حول كيفية تعاطي اللبنانيين مع المثلية، تبيّن أن 72 بالمئة من اللبنانيين يعتقدون أنها عبارة عن مرض نفسي وأن 79 بالمئة يعتقدون أن المثلية خلل هرموني، ويجب أن تُعالج بواسطة الهرمونات والعلاج النفسي.
الأمن العام “الممتثل”!
هذه الممارسات “الطبّية”، المدانة من قبل المرجعيات العلمية اللبنانية في الطبّ النفسي، وأعداد اللبنانيين المصابين “برهاب المثلية”، كشفت عنها الجمعية الطبية اللبنانية للصحة الجنسية التي أعلنت في مؤتمرها الصحافي في 8 تشرين الثاني عن حملتها الإعلامية التوعوية تحت عنوان “المثلية مش مرض”.
لكن الأمن العام “الممتثل” للسلطة السياسية، أي عملياً الطوائف والمرجعيات الدينية، تدخّل رقابياً لمنع الحملة من الإنتشار. وحسب رئيس الجمعية، شادي ابراهيم، لم توضّح الرقابة في الأمن العام سبب منع الجمعية من تعليق اللافتات على الطرقات، وإطلاق الفيديوهات على شاشات التلفزة، رغم كونها توعوية لمخاطر “التدخل الطبّي” في تغيير سلوك المثلي، وليس فيها أي مقاصد ترويجية تحثّ على المثلية.
رغم الرقابة
وما بين “التدخّل الرقابي” لمنع تغيير سلوك اللبنانيين “الرهابي” للمثلية، و”التدخل الطبّي” المصرّ على تغيير سلوك المثليين، لجعلهم “أصحاء عقلياً”، فقدت الحملة الإعلامية منبراً عمومياً، كان القيّمون على “الجمعية” يأملون من خلاله الوصول إلى الكمّ الأكبر من اللبنانيين، في محاولة منهم لتغيير سلوك التعاطي مع المثليين. فقد أراد القيّمون على الحملة إلقاء الضوء على الممارسات التي تحصل بحق المثليين، الذين لا يصنّفون حسب المعايير الدولية، مرضى نفسيين.. والتحذير من مخاطر هذه الممارسات كمحاولات تغيير الجنس عبر تدخل الأطباء، لما لها من تداعيات خطيرة على الأشخاص المعنيين، تبدأ بالاضطراب النفسي وقد تؤدي إلى الانتحار أيضاً، كما قال المتخصّصون في مؤتمرهم الصحافي.
“المثلية مش مرض”. “المثلية شي طبيعي”. “محاولات تغيير الميول الجنسيّة ما بتنفع، بالعكس بتضرّ”. رسائل عادية وبسيطة، لم تستسغ الرقابة مشاهدتها على الطرقات. ولم تشفع أهداف الجمعية في مقاربة موضوع المثلية من الناحيتين العلمية والطبّية وغير الترويجية، كما يصّر إبراهيم، في تخطّي مقصّ الرقابة.
ولكون الجمعية ترى أن هناك ضرورة لإيصال رسالتهم إلى جميع الناس، لا سيما أنه لا يوجد في لبنان أي دعم للأهل الذين لديهم أولاد مثليين، ويجهلون كيفية التعاطي مع أبنائهم، على اعتبار أن المثلية مرض ويجب علاجها.. ستعمل “الجمعية” بما تبقّى لها من وسائل لنشر الرسالة، أي وسائل التواصل الاجتماعي، وخصصت خطاً ساخناً (7108576) لتلقي الشكاوى واستفسارات الأهل.