هكذا حاولوا انتزاع “قلب” محمد الدهيبي بسبب “الكفر”
رغم كل محاولات “إفشال” القضاء بالوصول الى الحقيقة في قضية مقتل محمد الدهيبي في بلدة برج اليهودية بشهر آب من العام الجاري، تمكنت قاضية التحقيق الاول في الشمال من إصدار قرارها الظني، مطالبة بالاعدام للمتهمين خليل وعبد الله وعمر عبد القادر الدهيبي.
أكد القرار الظنّي أنه تم “اعتبار فعل المدعى عليهم “خليل وعبد الله وعمر عبد القادر الدهيبي” من نوع جناية المادة 549 فقرتيها الأولى والرابعة من قانون العقوبات معطوفة على المادة 213 منه وجنحة المادة 73 من قانون الأسلحة والذخائر، وإيجاب محاكمتهم أمام محكمة الجنايات في لبنان الشمالي واتباع الجنحة بالجناية للتلازم، وتدريكهم نفقات المحاكمة كافة، وإعادة الأوراق إلى النيابة العامة الإستئنافية في لبنان الشمالي لإيداعها المرجع المختص”.
حاول كثيرون بحسب ما علمت “النشرة” الدخول في هذا الملف، سياسيون ورجال دين وأمن، أغلبهم لم يكن يريد أن يخرج المتّهمون أبرياء، ولكنهم تبنّوا رواية المجرمين التي تقول بأن ما فعلوه كان دفاعا عن النفس. كان الهدف بحسب ما علمت “النشرة” ألاّ تأخذ القضية بُعدا دينيا، علما أن الوقائع المثبّتة والتي سننشرها في هذا التقرير، تؤكّد ان ما فعله الجناة كان بسبب “الكفر”، وان الشيخ المتهم هو من أفتى بقتل محمد الدهيبي.
في ليل الـ25 من شهر آب الماضي، توجّه محمد الدهيبي في سيارته من نوع “كيا” سوداء الى محل تاجر الجملة “زيد عويك” لشراء علبة “تنبك معسل”، وكان يحمل بيده سندويشا من الفلافل. بحسب شهود عيان، كانت حالة محمد غريبة بعض الشيء. في المحل بدأ محمد يمازح العويك ويشتمه بشكل غير جدّي كونه يعرفه واعتاد الشراء من محله.
في نفس الوقت الذي كان به محمد في المحل، كان الشيخ خليل الدهيبي يتبضع لمحله التجاري الذي يملكه، فسمع السُباب الموجّه من الضحيّة الى صاحب المحل، فانزعج رغم علمه بأن المغدور يمازح زياد عويك. لم يتحمّل الشيخ ما يجري، فأراد التدخل، الأمر الذي تسبّب بجدال بينه وبين محمد الدهيبي الذي “توجه” للشيخ بعبارات اعتبرها الأخير “كفرا”، مثل عبارة “حلّ عن ربي”، و”شتم ربه”. هنا تحوّل الشيخ الى “قاض إلهي”، ورأى أنه لا بدّ من معاقبة الكافر، وسُمع من قبل الشهود يقول “الرجل شتم الله ورسوله ويجب قتله شرعا”.
بعد سماع صوت الإشكال، تجمّع الجيران قرب محلّ زياد عويك، واحد هؤلاء الجيران هو “عمر عويك” الذي دخل المحلّ واخرج محمّد منه، فبقي الشيخ بالداخل، فحمل هاتفه واتصل بأخويه عبد الله وعمر الدهيبي، وطلب منهما الحضور. في هذه الأثناء غادر محمد الدهيبي بسيارته المكان قبل وصول الشقيقين.
بعد رحيل محمد الدهيبي وصلت سيارة من نوع “رابيد” الى المكان. ترجّل منها شقيقا الشيخ خليل، وسألا عن تفاصيل ما حصل. في هذه الأثناء مرّ قرب المكان محمد الدهيبي مجددا، فقرّر الأخوة اللحاق به لمعاقبته على فعلته. ركب الشقيقان سيارة “الرابيد”، واستقل الشيخ سيارته “المرسيدس” وانطلقوا مسرعين، مسلّحين بحسب وقائع القضيّة بسلاح أبيض.
“قطعوا على محمد الطريق وعاجلوه بضربة سكين داخل سيارته، لم يستطع هو الخروج لمواجهتهم، بل سحبوه هم من داخلها وانقضّوا عليه بالسكاكين ممارسين عليه أقصى انواع التعذيب، فأشبعوه طعنًا ومزّقوا صدره محاولين استخراج قلبه، ولما لم يتمكنوا راحوا يحاولون طعن القلب طعنات عدة، كذلك حاولوا قطع أوصاله بآلة حادة وتركوه ينزف أرضا”.
بعد ارتكاب الجريمة، قرّر المتهمون تأليف رواية يواجهون بها القوى الأمنيّة، ولأجل اكتمال المشهد، أقدموا على طعن أنفسهم طعنات سطحيّة وخفيفة بـ”المِديَة” التي استعملت في قتل محمد. هذه الرواية التي تقوم على محاولتهم الدفاع عن أنفسهم، لم تقنع القضاء ولا الطبيب الشرعي الذي أكد أنّ المتهمين استعملوا أكثر من سكّين في عمليّة القتل، ولكنها حازت على رضى بعض الأمنيين الذين حاولوا تحريف الحقيقة.
قًتل محمد الدهيبي بعد صدور “الحكم الشرعي” من مواطن يحمل “صفة” شيخ. هذا الواقع الذي تطوّر بعد بروز الأفكار المشتددة في سوريا بحاجة الى تدارك سريع، لأن تركه يعني تحوّل بعض المجتمعات اللبنانية من “حاضنة” لهذه الأفكار، الى “عاملة” بها.