جنبلاط يترقب وواثق بـ«حليفه الأول»
بشكلٍ مفاجِئ وبعدما رفع السقفَ عالياً جداً، نفّذ النائب السابق وليد جنبلاط إنسحاباً هادئاً من حلبة المتهمين بـ«كربجة» ولادة الحكومة وصدور مراسيمها، وجلس على مقاعد الجمهور منتظراً حكومة يقول إنه سيدعمها بـ«الأفكار» لكي تكون «أساس عملها المقبل»!
من ضمن العقد الثلاث «الكلاسيكية» التي أخّرت ولادة الحكومة تكفّل زعيم المختارة قبل أسابيع بـ«ترييح» رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلّف سعد الحريري من العقدة الدرزية، تماماً كما حين يرمي تغريدة ملغومة على «تويتر» ثم يقرّر حذفها.
رسا القرار الاخير، وفق المعلومات، على اختيار رئيس الجمهورية إسماً غير إستفزازي لجنبلاط من الأسماء الخمسة التي أرسلها النائب طلال إرسلان الى بعبدا، بعدما بدت اللائحتان المقدّمتان من «البيك» و«المير» كخطين لا يلتقيان إلّا بـ«أعجوبة» الإسم المشترك.
لم يُقدِم جنبلاط على هذه الخطوة التراجعية إلّا بعد أن ضَمن بقاء حقيبة التربية بيده في وقت كان القريبون منه ينقلون «إستياء «البيك» من الحريري الذي لم يكن يقرن الأقوال بالافعال بدعمنا في «معركة» توزيع الحقائب».
العلاقة التي يمكن وصفها بـ«العداقة» التي تربط جنبلاط بالنائب جميل السيد أدخلت، وفق مطّلعين، «اللواء» وسيطاً على خط حلّ العقدة الدرزية من خلال تقريب المسافات بين عون وجنبلاط وذلك إثر «تغريدة» لجنبلاط أشار فيها الى «ضرورة التسوية» فتلقّفها السيد بـ«تغريدة أخرى» ثم مسعى قاد الى حلّ مبدئي باختيار رئيس الجمهورية إسماً من ثلاثة أسماء من لائحة إرسلان السداسية لا يشكّل أصحابها إستفزازاً لرئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي».
في المحصّلة، الإسم الدرزي الثالث سيكون حكماً من حصة رئيس الجمهورية ومحسوباً عليه، وفق مصادر بعبدا، وليس «بين بين». أما الجزء الخفيّ من التسوية فهو تسليم عون بالإسم الذي طرحه جنبلاط لرئاسة الأركان في الجيش وهو مدير التعليم العميد أمين العرم، فيما مرسوم تعيينه ينتظر ولادة الحكومة.
وفي سياق يبدو أنه ليس بعيداً من ملف تأليف الحكومة، والاستدعاءات المتتالية لقيادات لبنانية الى العاصمة الروسية، غادر النائبان وائل أبو فاعور وتيمور جنبلاط مساء أمس الى موسكو يرافقهما الدكتور حليم بو فخرالدين للقاء نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف. وقد سبق لبوفخرالدين أن دخل على خط تسوية العلاقة بين جنبلاط والمسؤولين الروس إثر مجزرة السويداء في تموز الماضي ومواقف الزعيم الدرزي التي فُسّرت يومها بمثابة هجوم على موسكو «التي لم يعد يجمعنا معها سوى شعرة معاوية»، كما قال آنذاك!
وهو المسعى الذي أفضى الى زيارة تيمور وأبو فاعور لموسكو في آب الماضي حيث شكّل موقف جنبلاط من الحكومة ومحاولات محاصرته جزءاً أساساً من النقاش مع الروس.
هدأت العاصفة الدرزية، وإستتبعها قرارُ معراب بسحب فتيل العقدة المسيحية بالإعلان عن قبول «العرض الأخير» وتسليم أسماء وزراء «القوات اللبنانية» الأربعة الى الرئيس المكلّف سعد الحريري.
مع ذلك، تفيد المعطيات أنّ الأمر لم ينتهِ تماماً. إذ إنّ إختيار سمير جعجع لريشار قيومجيان وزيراً مع حقيبة أدى الى «مشكلة أرمنية» ستؤدي الى حرمان حزب «الطاشناق» في هذه الحال من حقيبة يُفترض أن تذهب الى وزيره إستناداً الى معيار حجم التمثيل النيابي!
ما الذي دفع جنبلاط الى سحب «مطلبه» من التداول بعدما أوحى أن لا حكومة إلّا والوزراء الدروز الثلاثة في «جيبة» المختارة مع حقيبتين وازنتين «إحتراماً لإرادة أهل الجبل»؟ إنه وليد جنبلاط ونقطة على السطر.
أطلق التحذيرات المتتالية من خطورة تعثر تأليف الحكومة، متمسّكاً في الوقت عينه بأحقية حصوله على الحصة الدرزية الثلاثية كاملة، ثم كان أوّل مَن التزم بنزع الألغام الجدّية من أمام الحكومة، ممهّداً للحديث عن تسوية ستدفعه للتراجع الى الوراء.
في كل ما يفعله جنبلاط يحاذر بمقدار كبير فتح جبهة مع أيّ طرف. رصد وترقب وبلع للموسى مع الجميع باستثناء الاطمئنان الكامل والثقة العارمة بـ«حليفه» الأوّل والثابت رئيس مجلس النواب نبيه بري الشريك في صوغ «إتفاق الطائف»!
بالتأكيد، أدّت جولات النقاش مع المختارة الى توتر مع الرئيس المكلّف، خصوصاً بعد أن أدخل الحريري حقيبة وزارة التربية، التي إعتبرها جنبلاط تحصيلاً حاصلاً وباقية في عهدته، بازار التفاوض مع معراب. خرج «البيك» أخيراً بحقيبتي التربية والصناعة رافضاً كلياً الدخول في نزاع مع بري في شأن حقيبة وزارة الزراعة، و«حزب الله» حول حقيبة وزارة الصحة.
«مشغول» جنبلاط هذه الأيام بـ«همّ الدين العام» الى درجة إستحضاره «سفينة نوح» هرباً منه إذا إقتضى الأمر. يدعو بنحو متكرّر الى تسريع ولادة الحكومة ومن ثم إعتمادها إجراءات تقشّف قاسية مع علمه أنّ الالتزام بمقرّرات مؤتمر «سيدر» سيفرض الإمعان في الاستدانة، معبّراً عن هواجس حقيقية من «خسائر» على المستوى الوطني والاقتصادي قد يصعب تعويضُها.
أخيراً تحصّن رئيس «اللقاء الديموقراطي» بالصمت التام حيال مجريات تأليف الحكومة، تاركاً لتغريداته فقط أن تعبّر عن جزء من هواجسه. لا يزال العالم الافتراضي الفضاء الرحب لتعليقاته االمختصرة والمعبّرة. لا يريد أن يُجرّ الى أيِّ موقف صدامي قد يخلق نفوراً بينه وبين القوى المعنية بالتأليف، و«حزب الله» تحديداً.
العارفون يجزمون بأنّ ما عانى منه جنبلاط من محاولات لتحجيمه وإستهدافه وتكريس ثنائية غير متكافئة في الجبل يعاني منه الحريري تماماً في بيئته السنّية بسبب موقف «حزب الله». الفارق فقط أنّ رئيس الجمهورية وقف أساساً الى جانب إرسلان في معركة وضع اليد على الوزير الدرزي الثالث، لا بل إقتحم «البيت الدرزي»، فيما دَعَم عون الرئيس المكلّف في مطلبه عدم توزير نائب من سنّة المعارضة!
في المناسبة، جنبلاط لا يعترف أساساً بما يُسمّى «النواب السُنّة المستقلّون»، بإستثناء النائب أسامة سعد. وقد لوحظ غداة إعلان جعجع الإنضمام الى الحكومة، إشارة جنبلاط الى «الوقت الضائع المكلف والعبثي في آخر وقت في مسألة تأليف الحكومة» قاصداً العقدة السنّية. لكن بالتأكيد الحكومة وملفات الداخل والإقليم ليست وحدها التي تقلق «البيك» في هذه المرحلة.
لمَن لا يعرف جنبلاط، أكثر ما يؤلمه هذه الأيام «صحة» كلبه «أوسكار»، رفيقه وصديقه منذ خمسة عشر عاماً. أخيراً لم يعد «أوسكار» يرافق «البيك» الى كليمنصو حيث يبقى في المختارة بالنظر الى وضعه الصحي الذي إستدعى قبل يومين نقله الى المستشفى.
ولمَن يهمّه الأمر، وحده جنبلاط، وتدليلاً على إحترامه وحبه لكلبه الوفي، يخصّصه ببريد إلكتروني بإسمه يرسل «البيك» من خلاله الرسائل. وجنبلاط فقط مَن يصدر ردّاً مباشراً على صحيفة قبل أعوام عدّة خصصّت مقالاً للهجوم عليه، ويصدف أنها ذكرت إسم «أوسكار» بنحو خاطئ، فما كان من الزعيم الدرزي إلّا أن أرسل توضيحاً الى الصحيفة المعنية متجاهلاً كلياً مضمون المقال الهجومي ضده، ومكتفياً بذكر الإسم الصحيح «إسم كلبي هو أوسكار. فاقتضى التوضيح»!