البنك الدولي: من الصعب تأسيس أعمال في لبنان
يسجل لبنان المزيد من التراجع في المؤشرات الاقتصادية كافة، في وقت لم تتقدم فيه المشاورات الرامية لتشكيل حكومة “العهد”، ما يزيد الضغوط على الاقتصاد المحلي، وعلى النظرة المستقبلية للاقتصاد. كما يهدد التأخر في تشكيل الحكومة، ترجمة النتائج المحققة في مؤتمر “سيدر”.
أدنى المراتب
الواقع الاقتصادي والسياسي اللبناني يؤثر سلباً على جملة من الأمور، التي تحتاجها البلاد لتحقيق النمو وتطوير واقعها الاقتصادي. ومن أهم ما تؤثر عليه الأوضاع الحالية، هو مدى صعوبة (أو سهولة) تأسيس الأعمال، وهو أمر معقّد في لبنان، وبشهادة البنك الدولي، الذي سجّل في تقريره حول سهولة ممارسة الأعمال في العام 2019، تراجع لبنان إلى المرتبة 142 عالمياً بعدما كان في المرتبة 133 العام الماضي. وأشار التقرير إلى أنه من أصل 190 دولة، إحتفظت نيوزيلندا بالمرتبة الأولى، كما إحتفظت الصومال بالمرتبة الأخيرة.
ودرس التقرير حوالى 11 مؤشراً من المؤشرات المرتبطة بشكل مباشر بممارسة الأعمال، ومنها سهولة تأسيس الأعمال والقوانين المنظمة لسوق العمل، إضافة إلى استخراج تراخيص البناء، والحصول على الكهرباء، وتسجيل العقارات والممتلكات، فضلاً عن الحصول على القروض المصرفية، وحماية صغار المستثمرين، وأيضاً التجارة بين الحدود، ودفع الضرائب، وحلول الإفلاس، وفرض العقود.
وحسب البنك الدولي، فقد سجّل لبنان المرتبة 146 في مؤشر سهولة بدء الأعمال مقارنة بالمرتبة 143 في تقرير العام الماضي، و139 في مطلع العام 2017. أما عدد الأيام التي تتطلبها عملية تأسيس عمل جديد، فتصل إلى 15 يوماً، بكلفة تصل إلى 30 في المئة من متوسط الدخل الفردي السنوي. وفي ما يتعلق بالحصول على تراخيص البناء، فقد سجل لبنان المرتبة 170 بعدد أيام يصل إلى 277 يوماً، متراجعاً بذلك من المرتبة 142 في بداية العام الماضي، إلى 135 في نهايته. وفي مؤشر الحصول على الكهرباء، احتل لبنان المرتبة 124 متأخراً مرتبة واحدة عن تقرير العام الماضي، ومرتبتان عن العام 2016، في حين وصلت كلفة الحصول على الكهرباء 119.4 في المئة من متوسط الدخل الفردي السنوي.
أرقام كارثية
وتراجع لبنان أيضاً في مؤشر الحصول على القروض من المرتبة 122 في التقرير الماضي إلى المرتبة 124 في التقرير الأخير. وفي مؤشر حماية صغار المستثمرين، احتل لبنان المرتبة 140 متراجعاً من المرتبة 138 في التقرير السابق، ومن المرتبة 145 في العام 2017. وحافظ لبنان على المرتبة 113 في مؤشر دفع الضرائب في التقرير الحالي، بعد أن كان قد سجل المرتبة 67 في تقرير عام 2017، في حين تراجع في التجارة بين الحدود إلى المرتبة 150 من المرتبة 140 في التقرير الماضي، و134 في العام 2017. وتراجع أيضاً في مؤشرات تنفيذ العقود وحلول الإفلاس من المرتبة 134 و147 في التقرير الماضي، ليسجل حالياً المرتبة 135 و151 على التوالي.
في حين يواجه السياسيون اللبنانيون أرقام البنك الدولي بإنكار الأزمة واعتبار أن المؤسسات الدولية تضخّم الواقع، يرى خبراء الاقتصاد أن هذه الأرقام إنعكاس للواقع اللبناني. إذ يصوّر رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق باتريك مارديني بأن هذه الأرقام هي “كارثة”، وتعني أن لبنان “لا يشجع على قدوم الشركات والاستثمارات إليه، لأن مناخ الأعمال فيه سيء جداً”.
وفي حديث إلى “المدن”، يشير مارديني إلى أن “البلد في تراجع مستمر، فتصنيفنا في موضوع سهولة الأعمال كان 101 عالمياً في العام 2008، ثم في العام 2013 بات ترتيبنا 113، ثم 122 في العام 2015″. ويأتي هذا التراجع في ظل إستقطاب بلدان المنطقة للإستثمارات، إذ أن كلفة تأسيس شركة في الإمارات العربية هي 22 في المئة من الدخل الفردي السنوي. كما أن وضع مصر وجيبوتي والمغرب والأردن وغيرهم من الدول العربية، أفضل بكثير من لبنان”. علماً أن كلفة تأسيس شركة في سلوفينيا هي صفر.
ويشترط مارديني لتشجيع الشركات على الاستثمار في لبنان “أن يكون هناك تجارة حرة حقيقية، وليس التضييق عليها عبر إجراءات مثل فرض ضرائب على استيراد الألمنيوم من الصين والإمارات، والتي تؤثر سلباً على جذب الشركات والاستثمارات، خصوصاً وأن الألمنيوم يدخل في تصنيع العديد من السلع. وهذا مثال بسيط على كيفية التضييق على الاستثمارات في لبنان، والذي أدى إلى تصنيفنا في المرتبة 150 عالمياً في سهولة القيام بالتجارة”.
إحباط الشباب
ويستعرض مارديني صعوبة إغلاق الشركات في لبنان، حيث “لا يوجد قانون يسمح للشركة بالإفلاس”. أما إذا تعرضت شركة لعملية نصب وإحتيال، فـ”تحتاج إلى 721 يوماً لحل المشكلة في القضاء، فأي شركة ستفتح عملاً في بلد تعرف أنها تحتاج إلى كل هذا الوقت والكلفة لحل مشكلتها قانونياً؟”.
هذا الواقع، حسب مارديني، تتحمله “الطبقة الفقيرة، والشباب الذين يريدون تأسيس أعمال صغيرة. فالتعقيدات تمنع هؤلاء من النمو وتحسين أوضاعهم، لأن الغني والنافذ يمكنه إنجاز معاملاته وحل مشاكله بطريقة أسرع من خلال الواسطة”.
في ظل تناغم تقرير البنك الدولي مع توصيف الخبراء اللبنانيين للواقع، استمر البنك الدولي بتحذير لبنان من أن إطار المخاطر الخاصة به يرتفع بشكل حاد، معتبراً أن “فائدة بعض الأدوات التي يستخدمها المصرف المركزي، تُستنفَد بعد سنوات من التطبيق”. ويرى البنك أن المركزي كانت استجاب “من خلال تعزيز مخزونه من احتياطات النقد الأجنبي، وإطالة آجال استحقاق الودائع والحدّ من السيولة المتاحة”.
وتوقع البنك الدولي “استمرار ارتفاع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، في مسار غير مستدام، لتقترب من 155 في المئة بحلول نهاية السنة”، راصداً “ارتفاع إطار الأخطار الخاص بلبنان في شكل حاد، في ظل تجمع عدد من العوامل المحلية والعالمية السلبية، بما في ذلك الظروف النقدية العالمية”، وكشف عن تعديل توقعاته لنمو الناتج الحقيقي خلال السنة، وخفضها من إثنين إلى واحد في المئة”، موضحاً أن “وقف الإقراض المدعوم من المصرف المركزي، أدى إلى تأثر الاقتصاد الحقيقي في شكل كبير”.
حسن يحيى – المدن