أواخر 2019.. نموذج مروري نوعي في الضاحية للتخلص من زحمة السير.. الخطة انطلقت!
في عملية حسابية بسيطة يتبيّن لنا كمية الوقت المُستنزف يومياً نتيجة زحمة السير. معظمنا قد يقضي أوقاتاً لا معقولة داخل سيارته، نتيجة الازدحام مراقباً عقارب الساعة. حرقٌ للوقت يصاحبه حرقٌ للأعصاب، وما بينهما مواعيد قد تصبح في حكم الملغاة نتيجة التأخر اللامقبول. قد يكون من الأفضل في الكثير من الأحيان ركن السيارة جانباً وإكمال الطريق سيراً على الأقدام. وللأسف، فإنّ “زحمة السير” في لبنان باتت أزمة حقيقية وواقعاً لا مفر منه. نصيب الضاحية الجنوبية لبيروت من هذه الأزمة لا يقل عن نصيب مختلف المناطق اللبنانية. تُعاني هذه المنطقة ما تعانيه من اكتظاظ كثيف قد يضطر الفرد معه الى الاستيقاظ باكراً لتفادي الإرباك. أو قد يضطر الى ضبط برنامج يومياته على إيقاع زحمة السير، فيحدّد توقيت خروجه من المنزل في أوقات يخف فيها الازدحام.
انطلاقاً من هذا الواقع، كان العمل الحثيث من قبل اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية لبيروت لإنجاز خطة تُنظّم السير في هذه المنطقة. خطة نموذجية طويلة الأمد لا تعمل بمبدأ “المسكّنات” بل تعالج الأزمة من جذورها. فكان أن تعاقد الاتحاد مع شركة “خطيب وعلمي”، وهي شركة هندسية عالمية تعمل في مجال الاستشارات والتصميمات الهندسية وادارة المشروعات. بدأت الشركة أولى خطواتها في إعداد الخطة في نيسان/ابريل 2017، فسارعت الى تجميع المعطيات عن خريطة الضاحية، لتنطلق بعدها الى ميدان البحث والدراسة، وللعلم فإنّ خطة السير هي محور من خطة “ضاحيتي” الاستراتيجية التي تضم الى ملف تنظيم السير، التجميل والإنارة والنظافة، إزالة التعديات عن الأملاك العامة، وقمع مخالفات الدراجات النارية والحافلات.
وبعد مضي حوالى السنة والنصف على تعهد شركة “خطيب وعلمي” إعداد خطة سير متكاملة في الضاحية الجنوبية لبيروت، تكثر الأسئلة عن تاريخ انطلاقة هذه الخطة، خصوصاً على أبواب فصل الشتاء، والذي تكثر فيه نسبة الاكتظاظ والازدحام المروري. فأين أصبحت الخطة؟، ومتى ستنطلق؟.
ضرغام..التطبيق لا يتم في “كبسة زر”
لا يُخفي رئيس اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية لبيروت المهندس محمد ضرغام أنّ تطبيق الخطة لا يتم في “كبسة زر”. لهذا الملف تحضيراته الشاملة، ما يجعل انطلاقة الخطة بكافة أجزائها لا يتم إلا في الفصل الأخير من عام 2019. وفق ضرغام، لا يمكننا أن نطلق خطة شاملة مطابقة لمختلف المواصفات والمعايير لجهة التقاطعات والاشارات الضوئية واتجاهات السير، لا يمكننا اطلاقها بين ليلة وضحاها. المسألة ليست بهذه البساطة، القضية تحتاج أيضاً الى حملة إعلامية شاملة يتم فيها تقديم الخطة للناس لتوعيتهم ووضعهم في أجواء الطرقات والاشارات والتقاطعات. إطلاق الخطة أيضاً يحتاج الى أعمال مدنية على الأرض، كما يتطلّب فريق من المتطوعين لإدارة عملية خطة السير وتثبيتها. يُشدد المتحدّث على أن جميع المواطنين شركاء في تطبيق الخطة التي سيتسلمها الاتحاد من شركة “خطيب وعلمي” بشكلها النهائي آخر شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2018، وهي خطة تقوم على تطوير النقل الحضري، وستتضمن بناء جسور وأنفاق. وهنا يُشير ضرغام الى أنّ الخطة تنطوي على شقين من الأعمال: جانب يقع على عاتق اتحاد البلديات وضمن إمكانياته المالية، وجانب يقع على عاتق الدولة سيتابعه الاتحاد حتى تنفيذه.
يُنوّه رئيس اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية لبيروت بالخطة التي تبلغ تكلفة إنجازها ثلاثة ملايين دولار إذا ما استثنينا تكلفة بناء الجسور والانفاق، لكنّه يمتنع عن الذهاب بعيداً في التفاؤل أو إطلاق وعود وأحلام وردية، فالأمر رهن تجاوب المواطنين وتفهمهم ومساهمتهم في إنجاح الخطة التي بلا شك ستعمل على تسهيل حياة المواطنين وتخفيف مدة الانتظار في السيارات.
أيوب..الهدف تقليل زمن الانتظار
ما يتحدّث عنه ضرغام لجهة شمولية الخطة ورؤيتها بعيدة المدى، يؤكّده المنسق العام لمشروع الخطة المرورية الشاملة للضاحية الجنوبية في شركة “خطيب وعلمي” المهندس علي أيوب الذي يؤكّد أنّ الخطة العتيدة من شأنها إحداث نقلة نوعية للضاحية الجنوبية لمواكبة التطور ورفع مستوى الحياة. يوضح أيوب أنه وللمرة الأولى يتم وضع خطة استراتيجية للضاحية الجنوبية على أسس سليمة لناحية التخطيط المروري. الهدف منها تحسين الأداء على التقاطعات وتقليل زمن الانتظار. وهنا يتوافق أيوب مع ضرغام لجهة ما ذكره حول أهمية تعاون المواطنين لتحقيق الأهداف، فالقضية ليست فقط اجراءات هندسية بل تعاون مع عناصر الشرطة وابتعاد عن المخالفة.
يتطرّق أيوب -وهو مخطط نقل ومرور- الى تفاصيل الخطة، فيوضح أولاً أنها تقوم على أحدث البرمجيات المعتمدة عالمياً، وتستخدم برامج الكمبيوتر المتبعة في أوروبا وأميركا. فللمرة الأولى تمتلك الضاحية نموذجاً مروريا واستراتيجية تعمل بمبدأ المحاكاة للحركة المرورية. أما فيما يتعلّق بحدود الخطة، فيشير أيوب الى أننا أمام خطة استراتيجية تشمل أربع بلديات (الحارة-المريجة- الغبيري-برج البراجنة)، تتمدّد خريطة الخطة لتأخذ جزءاً من الشويفات، الحدت، الشياح، وذلك نتيجة التداخل السكاني، ما يعني أن الخطة تبدأ شرقاً من طريق صيدا القديمة-الحدت وصولاً الى البحر. جنوباً من خلدة، وشمالاً من المدينة الرياضية. تُغطي الخطة مساحة 22 (كم²)، و850 الف نسمة بين لبنانيين وأجانب، كما تتضمن استحداث ثلاثة انفاق وثلاثة جسور جدد. نفق على المشرفية، وآخر عند ميدان شهداء المقاومة. جسر ونفق عند الكفاءات. جسران عند جادة الامام الخميني (قدس).
لا شك أن الأشغال الملازمة لتنفيذ الخطة قد بدأت منذ أشهر، لكنّ الواقع يستحيل فتح ورشة كبيرة دفعة واحدة، وفق ما يؤكد أيوب، الذي يشير الى أنّ العمل وفقاً للخطة المرسومة يحتّم علينا الكثير من التغييرات، على رأسها إجراء تعديل بهندسة التقاطعات. لدينا 36 تقاطع سيطرأ عليهم تعديلات أبرزها وضع اشارة ضوئية عند كل تقاطع، لذلك فإنّ العمل بالخطة التي سيتسلّمها الاتحاد بشكلها النهائي أواخر شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، سيتم على مراحل، كانت قد بدأت مع التغييرات التي شهدها دوار الكفاءات. وهنا يعد أيوب المواطنين بتغييرات في حال الطرقات تعمل لمصلحتهم، كأن يكون لدينا انسيابية مرورية، بمعنى أنّ بعض التقاطعات سيطول فيها الضوء الأخضر من جهة معينة حسب كثافة المرور. يعود أيوب ليؤكّد أنّ الخطة تُشكّل نقلة نوعية في الحركة المرورية، لكنّ نجاحها رهن تجاوب المواطنين وتفهمهم للتغييرات الطارئة.
فاطمة سلامة – العهد