“بيوت الزمن الجميل” تتحول إلى مطاعم تراثية
“بيوت الزمن الجميل” تتحول إلى مطاعم تراثية
هبة دنش – شبكة حياة اجتماعية
بيوت حميمة، لها باب خشبي كبير، مشرّعة على السماء، وحجارتها مصقولة ومنحوتة على أكتاف القناطر والشرفات، في الداخل ألوان هادئة ومنسجمة، غلايات قهوة في “النمليّة”، تلفزيون وراديو قديم، خوابي زيت، وفي باحة الدار جرن كبة مستقليا تحت “العريشة”، أصيص ورد، وشتلة من “المردكوش” و”الحبق” و”القرنفل” على حافة البركة، تتوضأ أوراقها برذاذِ مائها العذب، ياسمينة متسلقة على الشبابيك وهواء لطيف.. هي بيوت من الزمن الجميل التي تهوي حجرا حجرا إلى غير رجعة، بعد غياب ساكنيها وورثتها. ليحل محلها مراكز تجارية من الأسمنت المتراكم. تباع فيما بعد حجارتها التراثية، بعدما أمعن معلمو “تقصيب” الحجارة تربيعاً ونحتاً فيها.
في مدينة النبطية (جنوب لبنان)، تحوّل منزل حسن حمدان، أول رئيس بلدية في النبطية، الذي يعود تاريخه إلى العام 1928 ويشرف مباشرة على المدينة، إلى مطعم تراثي على الطراز القديم ومركز ثقافي لحفظ الذاكرة الجنوبية، يحتوي على كل الأثاث والمقتنيات القديمة التي تعود للبيت القديم، بجدران مزخرفة وأسقف خشبية. وفي الفناء الخارجي تصطف عدة الفلاح و”الكندرجي”. كما يعرض على جدرانه وثائق عثمانية قديمة وصور إعلام النبطية الذين رسموا هوية المدينة وتراثها وثقافتهاز
يقول المسؤول عن “بيت الزمن الجميل” مهدي صادق “كان الهدف من ترميم المنزل، الذي موّله بعض أهل المدينة الطيبين، وساهموا في شراء العقار القائم عليه هذا المشروع؛ المساهمة في إحياء التراث اللبناني عبر ترميم هذا البيت الجنوبي، وحمايته من سياسة الهدم، التي كرت سبحتها في المدينة وخارجها، ثم وضعه حيّز الخدمة التراثية والثقافية من جديد، ليتحول اليوم إلى مشروع سياحي ثقافي جاذب أسوة بمقاهي بيروت، مع المحافظة على الخصوصية المعمارية للبيت التراثي، يذهب ريعه إلى أمور إنسانية واجتماعية تخص أبناء المدينة الفقراء”.
كان البيت القديم أو البيوت التي سكنتها شخصيات مهمة ولا تزال، محط اهتمام الكثير من المعماريين والفنانين التشكيليين والضوئيين المحليين والعالميين، حفظاً للتراث والتاريخ. إلا أن هذه القيمة المعمارية والهندسية والتراثية، لم تحم أهم القصور في مدينة النبطية (جنوب لبنان) وتضعها على لائحة الجرد العام للمباني التاريخية، إذ تم هدم قصر آل الفضل عام 1992، وسبقه هدم السرايا العثمانية القديمة عام 1972، لتكر السبحة.
على سدر دائري من النحاس، يقدم “مطعم الزمن الجميل”، فطوره الصباحي لزوار البيت، تضم لائحة الطعام التراثي “ترويقة الفلاح”، وهي عبارة عن جبنة ولبنة بلدية، بيض بالفخار، المكدوس والزيتون والمربى، صحن من القريشة والكنافة بالجبن، مناقيش على الصاج، و”استكانتي شاي”.
مع غياب سياسة التطوير التراثي، تختفي مظاهر البيت القديم. وفي “منزل الزمن الجميل”، يستعيد الزائر أمسيات المصطبة، مرتع الصبا، لكل العادات والقيم التي تشاطرها جار مع جاره، تقول هيام “لم أكن أتوقع، أن أجد كل هذا الجمال، في بيت قديم، كنت أعتقد أن الحداثة والتكنولوجيا ووسائل الراحة التي ننعم بها أجمل، لكنني اليوم بزيارتي لهذا المطعم التراثي، ومشاهدة كل مقتنياته وجدرانه وسقف المنزل الخشبي المزخرف، القناطر وعقد الحجر المبنية بشكل معماري فريد، فهمت معنى الهجمة على الزخف الأسمنتي الذي يملأ المدن، وشعرت بحس وطني ومسؤولية كما الشاب مهدي صادق ومن يهتم من الشباب مثله في ضرورة الحفاظ على ما تبقى من تراث في هذا البلد، عكس العمارات الحديثة الشاهقة”.
ظهرت مجموعة من الفيلات الجميلة على أطراف المدينة بتصاميمها الرائعة وبزخرفتها، على حساب منازل النبطية التراثية، ويعتبر الكاتب علي مزرعاني في كتابه “أن النبطية دمرت تراثها وهربت منه، وأزيلت معظم البيوت التي تحمل قيمة تراثية وأدبية وتاريخية لأعلامها الكبار ولعائلاتها التاريخية، كمنازل العلماء والأدباء المشايخ سليمان ظاهر، وأحمد رضا، وعبد الحسين صادق، والمخترع حسن كامل الصباح، ودارة آل الفضل التاريخية، والسرايا الحكومية العثمانية، ودارة أم رمزي حريبي في حي البياض، التي أزيلت عام 2007”.