صراع “المية ومية”.. عودة إلى زمن الحرب والمسيحيون في خطر!

محمد الجنون

بعيدَ منتصف ليل أمس الجمعة – اليوم السبت، هدأت بنادق المتقاتلين في مخيم المية ومية – صيدا، بعد جولة اشتباكٍ جديدة استمرّت لأكثر من 6 ساعات. اليوم، يعيش المخيّم هدوءً حذراً بعد أيام على الإشتباكات، إذ تيّقنت المرجعيات المتقاتلة أنّ أي تمادٍ في الصراع لن يعود بالخير، لا على المخيم ولا على صيدا.

أمس الجمعة، شكّل الإجتماع الذي عقد في مقر “حزب الله” في الضاحية الجنوبية بحضور ممثلين عن الفصائل المتصارعة (حركتي “فتح” و”أنصار الله”) والفصائل الفلسطينية، إنطلاقة جدية لوضع الجميع أمام مسؤولياتهم. قبيل اللقاء، تكثفت الإتصالات بين الجهة الراعية للقاء (“حزب الله”) مع “فتح” و “أنصار الله”، وكان التأكيد على ما يلي: حذارِ التمادي في الإقتتال ولا غطاء لأحد، والمخيمات لا يجب أن تشكل تهديداً للأمن. تقول مصادر اللقاء لـ”لبنان24” أنّ “الأمور وصلت إلى حدّها بشأن هذه المسألة، وما زاد الطينة بلّة هو عودة الإقتتال مباشرة في المخيم بعد الإجتماع”.

في الظاهر، فإنّ حركة “فتح” أكّدت فعلاً على إنقسامها. خارج المخيم، تأييد كامل لوقف إطلاق النار. أمّا في الداخل، فقرارُ الحسم العسكري ما زال وارداً. ميدانياً، كانت حركة “فتح” المبادر الأول بإطلاق النار على تحصينات حركة “أنصار الله”، وهذا ما حصل فعلاً أمس الجمعة. خلال جولة الإقتتال الأخيرة، عادت الإتصالات من جديد، وحملت هذه المرة رسالة أقوى باتجاه “فتح” و”أنصار الله” على حد سواء: “سلاحكم داخل المخيم بات يلعبُ دوراً عبثياً، وما يحصل قد يفتح الباب أمام معالجة جذرية لسلاح المخيمات”.

هذه الرسالة التي حملها أكثر من طرف في صيدا، اقترنت برسالة أخرى أخطر: “المسيحيون في صيدا بخطر، وبلدة المية ومية لن تكون ضحية صراع المخيمات”. فحوى هذا التحذير تلقفته “فتح” جدياً هذه المرّة، بعدما ركّزت الإتصالات الأخيرة على مسألة سلاحها. بحسب المصادر “الفتحاوية”، جاءَ الرّد سريعاً: “حركة “فتح” حريصة على أمن المخيمات، ولن نقبل بأي تهديدٍ يطال المسيحيين في صيدا”. لكنها أضافت قائلةً: “في الوقت نفسه، لن نسمح لأي جهة بالتمادي داخل المخيم، ولكننا سنلتزم ما أبلغتنا إياه المراجع اللبنانية بضرورة وقف إطلاق النار”.

واقعياً، فإن وجود الجيش في محيط المخيم يشكل الرادع الأول لأي مغامرة غير محسوبة. ومع ذلك، فإنّ التزام قيادة الجيش بعدم الدخول إلى نقطة متقدمة داخل المخيم كان واضحاً. وفي هذا الصدد، يقول مصدرٌ أمني لـ”لبنان24″: “الجيش لن يدخل مخيم المية ومية أبداً، والوحدات المنتشرة ستبقى في مكانها وتحديداً عند حاجز الكفاح المسلّح”، ويضيف: “الجيش سيبقى بعيداً عن الصراع، ولكن أي محاولة عبثية من أي جهة كانت، سيتم ملاقاتها بردّ قوي، والأمن خط أحمر”.

المسيحيون في خطر

ما شهده المخيم، سلّط المخاوف على وجود المسيحيين في قرى شرق صيدا، الذين كانت لهم تجربة مريرة مع التهجير. وهنا كان الإستنفار. بحسب المصادر المتابعة، فإنّ “مسؤولين في “التيار الوطني الحر” تمنوا على مرجعيات في “حزب الله” التدخل لمعالجة الأمر في المخيم مع الجهات المتقاتلة، وذلك لإبعاد فكرة الخطر عن المسيحيين المتواجدين هناك”. المضمون نفسه عبّر عنه حزب “الكتائب اللبنانية” عبر النائب نديم الجميل الذي غرّد بالأمس قائلاً: “أحداث مخيم المية ومية تذكرنا للأسف بأيام الحرب السوداء بسبب السلاح غير الشرعي بيد الفلسطينيين”.

ولذلك، فقد أدركت حركة “فتح” أنّ ما حصل في المخيم انقلب ضدّها. كانت تسعى خلال الفترة الماضية لبسط سلطتها على المخيم تحت مسمى “صراع النفوذ”. فمخيم المية ومية ليس مخيم عين الحلوة، ومحيط المخيم الاول لا يشبه محيط المخيم الثاني.

على مدى الأعوام السابقة، كان مخيم عين الحلوة يشهد اقتتالاً دائماً، لكنّ الإستنفار بشأن وقف الصراع داخله لم يكن بالحد الذي تركّز من أجل المية ومية. تقول مصادر سياسية صيداوية لـ”لبنان24″: “المشاكل في المخيمات هي نفسها بسبب السلاح المتفلت. لكن الصراع في المية ومية اتخذ طابعاً آخر، وارتبط به وجود المسيحيين في محيطه”. وتضيف: “في هذه الحالة، أعادتنا الأحداث إلى أيام الحرب، حيث اعتبر المسيحيون حينها أن السلاح الفلسطيني خطرٌ عليهم ويجب التعامل معه بحزم وقوة. وعلى الأثر وكي يتم تجنيب المسيحيين تداعيات الصراع أقله من الناحية السياسية، تمّ إسناد مهمة المعالجة لـ”حزب الله” وحركة “أمل”، اللذين يمونان على الفصائل الفلسطينية الأساسية بحكم التنسيق”.

وختمت: “القرار بشأن المخيمات ليس سهلاً. حركة “فتح” لن تتنازل عن سلاحها بسهولة، وهي تعتبرُ لبنان أرضاً خصبة لوجودها. ما حصل في المية ومية جعلها في موقف صعب ومحرج، وما بدا واضحاً أن المسؤولين داخل المخيم من فتح لم يدركوا تداعيات الصراع على الواقع السياسي والطائفي في المنطقة المحيطة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!