“مادة كيميائيّة مهرّبة من الصين تتحوّل حليباً”؟ما صحة هذا الخبر
المصدر: “النهار”
في التّحذير المُتناقَل ما يُقلق جداً، في ما لو صحّ. “#مادة_كيميائية “مستوردة من #الصين تصبح #حليبا” بمجرد إضافة القليل من الماء إليها. “وقد أصبحت في الأسواق حاليا، وتُباع لبناً”. والدليل، وفقا للزعم، مقطع فيديو يُصوِّر هذه المادة وهي تتحوّل “حليباً” بإضافة الماء اليها. “فاحذروا”. ما حقيقة هذه المادة؟ وما صحة هذا الفيديو؟ هل التحذير في محله ام مجرد خدعة لجمع اللايكات والمشاهدات؟
الوقائع: منذ الأحد 21 تشرين الاول 2018، بدأ مقطع فيديو بالانتشار على وسائل التواصل الاجتماعي. المدة 48 ثانية، وتظهر فيه يدان وهما تسكبان مادة ما في قدح معدني، على ما يبدو، قبل إضافة الماء اليها، ليتحوّل لونها أبيض. ويعمد الشخص، من دون ان يظهر وجهه، إلى خلط المزيج جيدا عبر سكبه واعادة سكبه مراراً في قدحين معدنيين.
وقد أُرفق المقطع المصوّر بالتعليق الآتي: “مادة كيميائية تُستَورد عن طريق التهريب من الصين. عندما يتمّ خلطها بالماء، تتحوّل لتصبح حليباً. وهي الآن في الاسواق، وتُخلط وتُباع لبناً، وفيها نكهة اللبن. لذا نحتاج بالتأكيد الي توخي مزيد من الحذر لدى شراء الألبان. احذروا، احذروا، احذروا”.
التّدقيق:
-ملاحظة اولى حول المقطع المصوّر: الفيديو يركّز على اليدين فقط، من دون ان يظهر وجه الشخص، ومن دون أي كلام، بما يجعل اي محاولة للتعرّف الى وجه الشخص، او تحديد هويته او لهجته او جنسيته، مسألة مستحيلة.
-أمكن ايجاد هذا الفيديو في صفحات مصريّة في “الفايسبوك”، في الوقت نفسه الذي بدأ نشره في صفحات لبنانيّة. وقد اعتمدت الصفحات المصريّة التعليق نفسه الذي نشرته الصفحات اللبنانية، بما يجعل الزعم ان “هذه “المادة الكميائية موجودة الآن في الاسواق”، يشمل اي سوق، في اي بلد، اكان في مصر ام لبنان ام غيره…
-ملاحظة ثالثة: يُسمَع بوضوح في الخلفية صوت مطرقة، 7 مرات، كأن الموقع ورشة عمال. كذلك، بدا الوعاء الذي يُسكب منه الماء على المادة الكيميائية، متّسخا، الى جانب تقديم العرض على ما يشبه البرميل، وكل هذا يعزّز احتمال تصوير المشهد في ورشة ما.
-ماذا عن التحذير من ان هذه “المادة الكيميائية المستوردة من الصين التي تتحوّل حليبا ولبناً” باتت في الأسواق؟
*ردا على سؤال “النهار”، يقول مدير الثروة الحيوانية في #وزارة_الزراعة الدكتور #الياس_ابراهيم، بعد اطلاعه على الفيديو: “أولا، لا يمكن ان نؤكد ان هذا الفيديو صُوِّر في لبنان. ثانياً، خلط الرجل مادة بالماء ليصبح لونها ابيض. الديمول ايضا إذا خلطناه بالماء يصبح لونه أبيض. يجب ان نتنبه الى ان ما نراه في الفيديو مادة لا نستطيع ان نلمسها او نشمها. ما الذي يؤكد انها ليست مادة كيميائية سامة؟ حتى العرق، اذا مزجناه بالماء، يصبح لونه ابيض، كالحليب”.
ويعبّر عن شكّه العميق في كلّ ما يزعمه التعليق، لا سيما قوله ان هذه المادة مستوردة من الصين عبر التهريب. ويؤكد ان “لبنان لا يستورد زيوتا مماثلة (تتحوّل حليبا). حتى حليب البودرة لا نستورده من الصين، بل بمعايير عالية فقط، ومن دول اوروبية وذات مرجعية”. ويتدارك: “أشكّ كثيرا في صحة ما يزعمه التعليق المرفق بالفيديو”.
*من جهته، يقول رئيس #جمعية_المستهلك الدكتور #زهير_برو لـ”النهار” ان الفيديو والتعليق المرفق به “تفنيصة”، و”كذب ع الناس”، و”يللي عاملو عم يتسلى فِيُن”. “لا توجد مادة كيميائية تتحوّل حليبا بعد خلطها بالماء، كما يزعم البوست”. ويرجّح ان تكون “المادة التي نراها في الفيديو زيتاً يستخدمه “المخرطجي” في عمله، ويتحوّل لونه أبيض بإضافة الماء اليه. وبالتالي لا علاقة له إطلاقا بالاستهلاك البشري”.
ويلاحظ أنّ “ثمة تركيزاً دائما على موضوع الاستيراد من الصين، بهدف التجريح بالبضائع الصينيّة لغايات تجاريّة بحت. وهذا هو المقصود على الارجح من التعليق، خصوصاً انه يذكر الصين تحديدا”.
-بحثاً عن أجوبة، قصدت “النّهار” “مخرطة” في المنطقة الصناعيّة في سدّ البوشرية للسؤال عن هذه المادة التي يتحوّل لونها أبيض بمجرد خلطها بالماء. اسمها “زيت تبريد”، او “زيت صابون” بلغة “المخطرجية”، على ما يفيد أفرام، وهو صاحب محل يبيع مثل هذا النوع من الزيوت.
يشاهد، مع زميله الميكانيكي أمير، الفيديو المتناقل على وسائل التواصل الاجتماعي. ولا يستبعد ان تكون المادة الظاهرة فيه “زيت تبريد”. ينزل من على الرّف عبوة منه. ونطلب منه أن يمزج القليل منه بالماء… كي نرى. والعرض في الفيديو ادناه.
ويشرح أمير ان “المخرطجي يستخدم، لدى قطعه المواد الحديدية، منشارا كبيرا. وبسبب الحرارة التي يستبب بها الاحتكاك، يتم سكب هذا الزيت بعد خلطه بالماء على المنشار، في شكل نقاط، لتبريد نصلة المنشار”. ويضيف افرام: “أيّ عمل يتمّ على المخرطة يستوجب استخدام زيت التبريد هذا بعد خلطه بالماء، من اجل تبريد الحديد ومنعا لذوبانه”.
النتيجة: اولاً، لا شيء يؤكد ما يزعمه البوست ان هذه المادة الكيميائية مستوردة من الصين عن طريق التهريب، وذلك لعدم تقديمه ادلة تثبت هذا الأمر. ثانياً، لا شيء يؤكد ما يزعمه البوست ان هذه المادة تتحوّل “حليبا بعد مزجها بالماء، وتباع لبناً”، وذلك لعدم تقديمه دليلا يثبت ذلك. اذا مجرد مزاعم غير مثبتة، وبالتالي تستوجب التشكيك جديا. حتى الشخص في الفيديو لم يجروء على تذوّقها او تناولها لتأكيد انها صالحة للاستهلاك البشري، او أنّها حليب!
بعد البحث والسؤال، يرجح ان تكون المادة المستخدمة في الفيديو “زيت تبريد”، او “زيت صابون”، يستخدمه تحديدا “المخرطجي” في عمله. وبالتالي فان ما يزعمه البوست كاذب، فبركة، “تسلية بعقول الناس