من انقلب فجأة على الولادة الحكومية ؟
كتبت “النهار” تقول:ما الذي فرمل الاندفاع الكبير نحو انجاز تأليف الحكومة الجديدة واعلان ولادتها واصدار مراسيم تشكيلها في موعد كان متوقعا اليوم السبت أو غداً على أبعد تقدير؟ وهل هي فقط تعقيدات طارئة مفاجئة متصلة بالعقد القديمة كمسألة حقائب “القوات اللبنانية” التي تعتبر مفصلية بالنسبة الى توازنات الحكومة، أم بعقدة جديدة هي عقدة تمثيل سنّة 8 آذار التي كانت نائمة وشبه مغيبة فاذا بها تستيقظ فجأة وتتخذ زخمها الاقوى على لسان الامين العام لـ”حزب الله ” السيد حسن نصرالله ؟ وما الذي قصده السيد نصرالله حين تعمد معاكسة الاجواء السائدة والنصح بعدم تحديد مهل زمنية لولادة الحكومة والتلميح الى امكان ان يأخذ الامر مزيدا من الوقت؟
الواقع ان المشهد السياسي والحكومي شهد منذ ما بعد ظهر أمس ما يشبه انقلاباً على العد العكسي للولادة الحكومية التي كانت متوقعة اليوم أو غداً، فاذا بموجات الفرملة وتبريد التفاؤل وتبديد عامل العجلة تتعاقب بوتيرة سريعة ومفاجئة، خصوصاً بعدما بدأت تتضح طبيعة اللقاءات المتلاحقة التي شهدها “بيت الوسط” بين الرئيس المكلف سعد الحريري وممثلي الافرقاء المعنيين بمفاوضات اللحظة الاخيرة التي كان يفترض انها مفاوضات التوزيع النهائي للحقائب والشروع في ابلاغ الافرقاء اسماء وزرائهم الى الرئيس الحريري ليصار الى اسقاط الاسماء على الحقائب ومن ثم اقتران التشكيلة بتوافق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس الحريري في لقاء اليوم في قصر بعبدا ودعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري الى القصر لاطلاعه على التشكيلة ومن ثم اصدار مراسيم التشكيل.
ويمكن اختصار التعقيدات الطارئة والمفاجئة بثلاث استناداً الى المعلومات المتوافرة عن لقاءات “بيت الوسط” والحركة السياسية التي حصلت في الساعات الاخيرة. العقدة الاولى تمثلت في ما نقله وزير الخارجية رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الى الرئيس الحريري من ان الرئيس عون يرفض اعطاء “القوات اللبنانية” حقيبة العدل وان هذه الحقيبة اساسية ضمن الحصة الوزارية للرئيس عون لانها ترتبط بضرورة عدم انتسابها الى أي حزب وان الرئيس عون يعتبرها حقيبة اساسية في موضوع مكافحة الفساد. واذ بات معروفاً ان حقيبة العدل كانت تشكل العمود الفقري في التسوية المفترضة لانهاء تثبيت حصة “القوات” من أربع حقائب وهي صيغة طرحها عليها الرئيس الحريري كانت “القوات” تتجه الى قبولها، بدا واضحا ان ثمة نكسة اصيبت بها جهود الرئيس المكلف في هذه النقطة المفصلية. لكن مصادر “التيار الوطني الحر” قالت لـ”النهار” إن جو لقاء الحريري وباسيل بعد ظهر أمس كان ايجابياً على غرار الاجتماعات المطولة السابقة بينهما، وان “التيار قدم كل ما عنده من تسهيلات وتنازلات من اجل ولادة حكومة وطنية يتمثل فيها الجميع “. وأضافت: “اما ما تبقى فليس عند التيار بل عند من يخترع الحجج ويستبطنها من اجل العرقلة “.
“نصيحة ” السيد نصرالله
العقدة الثانية المفاجئة برزت مع كلام السيد نصرالله مساء في مناخ أثار الكثير من التساؤلات عن ملامح متغيرات طرأت على موقفه الذي اتسم في خطب ومحطات سابقة بسقوف اقل انخراطا في رفع المطالب التفصيلية لكنه ذهب أمس الى النصح بعدم التزام مهل لولادة الحكومة ولوح للمرة الاولى بانخراط الحزب في شرط توزير نواب السنة في فريق 8 آذار. وقال السيد نصرالله: “ايران لا تتدخل في الشأن الحكومي اللبناني لا من قريب ولا من بعيد. ومما قيل أيضا ان الوصاية الايرانية أذنت بتشكيل الحكومة بدليل أنني جلست مع الوزير باسيل وبلغت ضرورة تشكيل الحكومة وتقديم تنازلات قبل بدء العقوبات الاميركية على ايران. هذا اللقاء لم يحصل ولا هذا الكلام ولا نحن من نملي على التيار ولا على رئيس الحكومة المكلف”.
وأضاف: “نحن لا ننصح أن يضع أحد مهلاً زمنية، يقول مثلاً: من الآن إلى 48 ساعة ومن الآن إلى ثلاثة أيام، ومن الآن إلى أسبوع، ومن الآن إلى عشرة أيام، حتى من الآن إلى شهر، هذا خطأ لأنه أحياناً تستجد مسائل أو تستجد عقد لم تكن في الحسبان منذ البداية، أو تكن مأخوذة بالجدية المطلوبة منذ البداية، أنه يمكن بعض الناس أن يتصوروا أنه توجد بعض المواقف أو بعض المطالبات أنه هذه فقط لرفع العتب ولم تكن مطالبات جدية، وعندما نصل إلى ربع الساعة الأخير من تشكيل الحكومة يتم التخلي عن هذه المطالبات. هذا كان خطأ بالتقدير عند الفريق الذي كان يشتغل بشكل أساسي في تشكيل الحكومة، أنا أعتقد اليوم أنه يوجد تقدم مهم وكبير، لكن لا تزال هناك مجموعة من المسائل لها علاقة خصوصاً بالحقائب، وخصوصاً بتوزير بعض الجهات، هذه ما زالت عالقة، والجميع ينتظرون فيها أجوبة. أنا لا أريد أن أتكلم الآن في هذا التفصيل، ونحن معنيون بهذا الجزء الأخير، يعني حزب الله وحركة أمل بشكل أساسي هذا الثنائي الآن معني جداً بهذا الجزء الأخير”.
وانتقد “رفع نسبة التفاؤل والقول إنه خلال 48 ساعة سوف تشكل الحكومة، وعندما تقطع 48 ساعة ولم تشكل الحكومة، فإن هذا سوف يعمل إحباطا وله إنعكاسات على الوضع الإقتصادي والمالي وهذا خطأ. لنكن واقعيين ونقول نعم توجد إيجابيات كبيرة، لكن ما زالت توجد عقد أساسية، يجب أن تعالج ويُعمل بجدية عالية على معالجتها. نحن نعتقد أنه توجد عقدة أساسية حصلت،هي عقدة أنه منذ البداية لم يكن يوجد إتفاق على إعتماد معايير واحدة”.
واكدت مصادر في 8 آذار ان موقف السيد نصرالله يشير الى صعوبة ولادة الحكومة من دون تمثيل النواب السنة الذين هم خارج “تيار المستقبل”، علما ان مصادر أخرى تحدثت عن احتمال ان يعمد الرئيس عون الى توزير فيصل كرامي ضمن الحصة الرئاسية كممثل لسنّة 8 آذار.
رد “القوات”
وبرز التعقيد الثالث ليلاً مع تداعيات ما اعتبرته بعض الجهات السياسية انقلاباً على الولادة الحكومية. وقالت مصادر “القوات اللبنانية ” لـ”النهار”: “دخلنا في تصعيد كبير على خلفية التراجع غير المبرر عن اعطاء حقيبة العدل للقوات وواضح ان الهدف من ذلك انما رمي مسؤولية تأخير التشكيل على القوات في حال القبول بذلك وعدم المطالبة بوزارة وازنة أو احراجها الى اخراجها من الحكومة”. واضافت انه “لا يجوز ان تتمثل الكتل كلها بطريقة وازنة ومقبولة الا القوات يعطى لها الفتات وهذا الامر مرفوض بشكل قاطع والقوات باقية في الحكومة ولن تتشكل من دون القوات والحريري حريص على ذلك ولن يقدم اي تشكيلة بغيابها ويتحمل مسؤولية ذلك الفريق الذي يصر على شروطه ولا يقدم أي تنازل لتأليف الحكومة باسرع وقت ممكن”. وجاء هذا الموقف عقب لقاء الحريري والوزير ملحم الرياشي مساء في “بيت الوسط” علما ان اتصالاً جرى بين الحريري ورئيس حزب”القوات” سمير جعجع بعد اللقاء وعقد بعد الاتصال لقاء آخر بين الحريري والرياشي الذي صرح لدى خروجه من “بيت الوسط”: “ان البعض يعمل على الاساءة الى جهد الرئيس سعد الحريري والانقلاب على التسوية خصوصاً بعد تزايد نقاط الالتقاء في التشكيل الى حدود حسمها… علينا اعتماد معايير واحدة بأن نعتمد العيارات المتلائمة”، مؤكداً ان اتصالاً حصل بين الرئيس المكلف و جعجع لتنسيق المواقف.