اصلاحات الحكومة لم تهدء الشارع… مجلس الوزراء مربك وباسيل “الصامت الأبرز”
على قاعدة “ولّى زمن الترقيع” أتى جواب المتظاهرين على ورقة الحكومة الإصلاحية، من الشارع، حيث ان مسار الاحتجاجات مستمر، مع الغموض الذي بدأ يحوم حول مصير هذه التحركات، التي وعلى الرغم من انها اربكت السلطة، الا ان المخاطر بدأت تتهددها ان على الصعيد الأمني، وما شهدته بيروت أمس من تحرك لشبان على دراجات نارية، وما رافق ذلك، أو على الصعيد السياسي لناحية وجوب العمل على ورقة واحدة للحراك تلخص جميع المطالب تكون بداية لحوار مع السلطة للوصول الى الأهداف المنشودة.
وفي هذا الاطار تشير الاوساط المعنية بمواكبة هذه التطورات لـ”النهار” الى ان الانتفاضة باتت تتطلب برمجة وتأطيراً وتحديداً لاهدافها في اسرع وقت وان رفضها الخطة الاصلاحية التي اعلنتها الحكومة لا يعني اسقاط الحاجة الى قناة حوارية مباشرة أو غير مباشرة بين الفريقين، خصوصاً في ظل الحرص اللافت الذي اظهره الرئيس الحريري على تبني الكثير من توجهات واهداف هذه الحركة بلوغاً الى اعلانه بجرأة تبنيه مطلب الانتخابات النيابية المبكرة وسواه من اهداف المحتجين.
وحذرت الاوساط من ظواهر خطيرة بدأت تلوح في افق التحرك وردود الفعل عليه من خلال ما يمكن ان يكون تحريكاً لشارع آخر في مواجهة الحراك الاحتجاجي وهو ما برز مساء أمس في مسيرات لدراجات نارية رفع سائقوها اعلاماً لحركة “أمل” و”حزب الله” جابت أحياء في الضاحية الجنوبية ثم توجهت نحو ساحة الشهداء في بيروت حيث قامت بجولات عدة ثم عادت ادراجها بعدما منعها الجيش من الاحتكاك بالمعتصمين وتولى ملاحقة افراد منهم وصادر دراجاتهم وردعهم بحزم. واثارت هذه البادرة مخاوف من حصول احتكاكات تهدف الى تحجيم التحرك الاحتجاجي وضربه تحت بذريعة الخوف من التسبب باضطرابات امنية. وواكبت هذه التطورات معلومات عن تعرض عناصر من الثنائي الشيعي لافراد مشاركين في الاحتجاجات والاعتداء عليهم في بعض البلدات الجنوبية.
الطبقة السياسية امام المأزق الكبير
على ان غياب الثقة، وفقا لمصادر دبلوماسية متابعة للحدث الكبير الذي يلف لبنان، أبلغت “اللواء” ان سنوات طويلة من انعدام الثقة لا يُمكن كسبها بـ72 ساعة، أو أكثر، موضحة ان الطبقة السياسية امام المأزق الكبير، وانه لا يُمكن تجاهل حجم المشاركين في التظاهرات، ودورهم في أية خطة سياسية جديدة للإنقاذ، على الرغم من التلويح بالعصيان المدني أو إعلان حالة الطوارئ.
اصلاحات الحكومة
على المقلب الآخر، وفي قراءة أهل الاختصاص لورقة الحكومة الإصلاحية الخلاصة التالية بحسب “نداء الوطن”: إسمع رئيس مجلس الوزراء تفرح، وأصغ إلى الأمين العام لمجلس الوزراء تحزن. يُقال إن الشيطان يكمن في التفاصيل، والحق أنّ شياطين “الكهرباء” تكمن في تفاصيل الورقة التي تلاها القاضي محمود مكية. إذ قررت الحكومة أو بالأحرى أجّلت تعيين الهيئة الناظمة للكهرباء لما بعد تعديل القانون 462 في مجلس الوزراء ومن ثم في المجلس النيابي، فيما مشاريع الكهرباء وبسحر ساحر اندرجت ضمن جدول زمني للتنفيذ ولن يكون لهذه الهيئة فيها أي دور أو صلاحية، لأنها لن تكون قد شُكّلت بعد وهكذا تكون السلطة قد حققت المحاصصة قبل أن تنجز الإصلاحات. أما في مسار المناقصة لتلك المشاريع فالوضع يبقى كما عهدناه أي تحت السلطة المطلقة للوزير وأحاديته، في إعداد دفاتر الشروط من دون حسيب ولا رقيب ومن دون أن يكون هناك دور لأي هيئة رقابية فعالة في عملية تدقيق مسار المناقصة لتكون بحسب المعايير الدولية، لا سيما لجهة فتح المجال أمام مشاركة أكبر عدد ممكن من الشركات وبالتالي فتح الباب أمام منافسة حقيقية تنعش القطاع والاقتصاد.
تغييب دور هيئة إدارة المناقصات عن إعداد دفاتر الشروط، إنما يحصر دورها ليصبح تقنياً بحتاً وتكون بذلك عاجزة عن تأدية دورها في تصحيح مسار المناقصة وفرض اعتمادها معايير الشفافية المطلوبة. وبعدما أُخضعت في الورقة كل خطوات الخصخصة إلى سلطة المجلس الأعلى للخصخصة، يبقى السؤال لماذا استثناء قطاع الكهرباء من هذه المعادلة؟ هل هناك أبناء “ست” وأبناء “جارية” بين القطاعات؟
أما التسوية الكبيرة التي تظهرها هذه الورقة والتي يراد منها إنقاذ مكانة المتحاصصين السياسية، فهي تمويل الإصلاحات عبر المصارف اللبنانية بعدما عجزت السلطة عن تمويلها عبر “سيدر” وقنواتها وأدوات البنك الدولي، والطرفان متمسكان بالاصلاحات الهيكلية.
هذا ما جرى في الجلسة
وفي الجلسة التي انعقدت في قصر بعبدا وأقرت فيها موازنة المالية العامة لعام 2020، كان وزير الخارجية جبران باسيل “الصامت الأبرز” بحسب ما قالت مصادر وزارية لـ”الشرق الأوسط”، وغاب عنها وزراء حزب “القوات اللبنانية” الأربعة الذين تقدموا باستقالاتهم الخطية ليل أول من أمس.
وفيما اتسمت مداخلات أحد وزراء “حزب الل”» الوزير محمد فنيش، بالتهدئة ومحاولات خفض منسوب التوتر، قالت المصادر الوزارية إن الوزير سليم جريصاتي تطرق إلى الاحتجاجات، معتبراً أنه من حق الناس أن تعبر عن رأيها “لكن حملات التجني لا تجوز”، في إشارة إلى اتهامات موجهة إلى فريق التيار الوطني الحر بالمشاركة بالفساد. وقال: “إننا نتعرض لحملات وهناك مضبطة اتهامات جاهزة وتطلق الاتهامات عشوائياً”، متحدثاً عن وقوف جهات، لم يسمها، وراء تلك الحملات.
ولعل الأبرز، كانت المداخلات التي قام بها وزيرا “الاشتراكي”. وقالت مصادر وزارية لـ”الشرق الأوسط”، إن الوزيرين تحفظا على عدم الأخذ بورقة “الاشتراكي” الإصلاحية التي قدمت للحريري، أول من أمس، بالكامل. وإذ لفتت إلى أنهما وافقا على مشروع الموازنة بما فيها ملف الكهرباء الذي تراجعت مساهمة الحكومة فيه من 1800 مليار ليرة (1.2 مليار دولار) إلى 1500 مليار (مليار دولار)، تصاعدت المناقشات مع وزراء في التيار الوطني الحر، لكنها بقيت تحت سقف السيطرة، ولم تصل إلى مستوى الاشتباك. وأشارت المصادر إلى أنه من بين الملاحظات، أنهما سألا عما إذا كانت هناك استنسابية وانتقائية بملف دمج وإغلاق المجالس والصناديق وإلغاء وزارة الإعلام؟ فقال الحريري إن إلغاء وزارة الإعلام لا يحتاج إلى قانون لأنه وارد في البيان الوزاري. ولفتت إلى أن الاشتراكي لا يعارض إقفال المجالس والصناديق، لكنه يعتبر أن إلغاءها ودمجها يحتاج إلى دراسة أكثر.
في ملف الكهرباء، توقف الوزيران عند دفاتر الشروط، وأشارا إلى الرؤية التي قدمت في الورقة الإصلاحية حول تلزيم معامل الإنتاج، ولم يطلعا على شروط إدارة المناقصات، فردت الوزيرة البستاني بأنها موجودة في الدراسة التي قدمتها وزارة الطاقة.
وشددت المصادر على أن الاشتراكي يدفع باتجاه تشكيل الهيئات الناظمة للكهرباء والاتصالات والطيران المدني فوراً، وأن يؤخذ بالتعديلات بعد تعديل القانون، ويعارض تأجيل تشكيلها لأن مجلس النواب سيدخل مرحلة مناقشة الموازنة مما سيؤخر تشكيلها.
كما تطرق وزيرا “الاشتراكي” إلى ملف خفض عدد السفارات والقنصليات والملحقين العسكريين فيها، وبأنه لا يجوز “الانفلاش”، لأن تخفيضها سيكون جزءاً من خفض العجز، وإبقاء الضروري منها، والاحتفاظ بالملحقين العسكريين في السفارات التي تتعاون مع الجيش اللبناني في قضية المساعدات، وهو ما دفع الحريري للتأكيد أنه كلف وزارة الخارجية بإجراء دراسة حول الملف.
وفيما لم يعترض أحد على موضوع المصارف، اعترض وزيرا الاشتراكي على ملف الأملاك البحرية، استناداً إلى ورقتهما الاقتصادية التي تقترح رفع قيمة التخمينات ووقف التعديات فوراً.