بعد السائح الأوروبي.. هل تنجح خطة لبنان في جذب الروس والصينيين؟
هتاف دهام
يسعى لبنان للعودة إلى الساحة السياحية بعدما كان شهد نكبة سياحية وتجارية في السنوات الماضية نتيجة التطورات الاقليمية وما خلفته من ارتدادات سلبية على لبنان، لا سيما خلال الأعوام 2012 -2013 – 2014- 2015-2016.
انكب الوزير افيديس كيدانيان منذ توليه حقيبة السياحة على وضع دراسات ومشاريع من شأنها أن تعيد مرتبة لبنان كوجهة سياحية أولى في الشرق الأوسط. حقق نقلة نوعية على الصعيد السياحي بالتعاون مع النقابات وأصحاب المؤسسات السياحية خارج المفهوم المتعارف عليه.
بثقة يؤكد كيدانيان لـ”لبنان24″، أنه راض عن نمط العمل الذي تبناه بالتعاون مع القطاع السياحي الخاص، والذي أثمر إنجازات كبيرة بحسب اعترافات النقابيين.
لا تراجع عند كيدانيان. يحضر كل يوم إلى مكتبة في الوزارة. يواظب على العمل السياحي في ظل حكومة تصريف الاعمال، بمتابعته تحضيرات المؤتمرات المرتقبة خلال الأشهر الأربعة المقبلة لا سيما أن هذه المؤتمرات تأتي في خانة سياحة المؤتمرات التي استحدثها الوزير الأرمني إلى جانب السياحة الترفيهية، وستلقى صدى إيجابياً، لأنها ستفعل الحركة السياحية في فصل الشتاء، ما سيؤمن حركة نشطة طوال السنة، لا موسمية.
وبناء على ما تقدم، يستضيف لبنان مؤتمراً لأطباء الحساسية في العالم (800 – 1000 شخص) على أن يستضيف في نهاية تشرين الثاني مؤتمراً لأصحاب اليخوت في العالم ومؤتمراً آخر لاصحاب الأسواق الحرة في الشرق الاوسط وافريقيا، حيث سيحضر نحو 500 شخصية من 35 دولة؛ مع إشارة كيدانيان إلى أن 50 شركة أوروبية معنية بتنظيم المؤتمرات حضرت إلى لبنان، وقامت بكشف دقيق وخلصت إلى أن هذا البلد مؤهل لاستضافة المؤتمرات لما يتمتع به من بنى تحتية، في إشارة إلى الصلات التي تتسع إلى أكثر من 1500 شخص، والمحاطة بالفنادق وأماكن الترفيه والتسلية.
وتأتي هذه المؤتمرات نتيجة الاستراتيجية السياحية الجديدة للتنمية السياحية، التي عمل عليها كيدانيان كما يقول، منذ العام 2017 انطلاقا من الأسواق الأوروبية والعالمية، من أجل جذب السائح الأوروبي ومن مختلف دول العالم، بالتوازي مع إنشاء وزارة السياحة مكتبا للتعريف بالأنشطة السياحية في لبنان، وتحديداً لسياحة الأعمال والمؤتمرات، والتعاقد مع شركة visitLebanon (مكتبها في باريس) بهدف تفعيل الشراكة مع مؤسسات سياحيّة أجنبيّة، وتعزيز وجهة لبنان وتسويقه لدى منظمي الرحلات السياحية الأجنبية، وجعل لبنان مركزاً للمؤتمرات بالتعاون مع الشركات السياحية الاقليمية والدولية، والدفع بالمغتربين اللبنانيين إلى زيارة لبنان بتقديم الحوافز لهم، وبالتوازي أيضاً مع إنشاء موقع إلكتروني يجمع كل المعلومات عن المؤسسات السياحية في لبنان(CRM) والذي بات في متناول القطاع الخاص السياحي في لبنان، وشركات السياحة والسفر ومنظمي الرحلات التي تضم حوالي 50 ألف شركة عالمية.
وبمعزل عن السياحة الدينية التي ركزت الوزارة على تعزيزها نظراً لغنى لبنانبالمواقع الدينية، كان بارزا، بحسب كيدانيان، أننا تخطينا فكرة أن لبنان هو مكان للسياحة الترفيهية ل دول الخليج، بمعزل عن أن القطاع السياحي يعاني من مشكلة، لأن اللبناني اعتاد على مجيء السياح العرب والخليجيين خلال أشهر الصيف من دون أية حركة في الأشهر الثمانية الأخرى، فغياب هؤلاء السياح منذ العام 2011 سبب أزمة ل لبنان، الأمر الذي دفع بوزارة السياحة، وفق كيدانيان، إلى الاهتمام بالسياح الأوروبيين الذين باتوا يبدون رغبة واندفاعا لزيارة لبنان، حيث تخطت نسبة السياح الأوروبيين الـ37 في المئة مع قدوم أعداد كبيرة بالدرجة الأولى من فرنسا وألمانيا وبريطانيا وتجاوزت نسبة السياح العرب التي بلغت 33 في المئة والسياح الاميركيين 22 في المئة. فزادت نسبة السياح الأوروبيين في الأشهر الثمانية الاولى من هذه السنة عن العام 2010، 28.5 في المئة، والسياح الأميركيين 45 في المئة في حين ان نسبة السياح العرب تراجعت 40 في المئة، ورغم هذا التراجع، فإن التقدم الأوروبي والأميركي ساهم في تقليص الفارق إلى 10 في المئة مقارنة مع العام 2010 الذي شهد خلال الأشهر الثمانية الأولى دخول نحو مليون و490 ألف سائح، في حين أن مليون و340 ألفاً جاؤوا إلى لبنانخلال الاشهر الثمانية من العام 2018.
بيد أن ما ينطبق على العدد لا ينطبق على السوق. فالخليجي، بحسب كيدانيان، كان يمضي أكثر من شهر تقريباً في لبنان. يحجز أكثر من 5 غرف في الفندق، في حين أن الأوروبي يحجز اسبوعاً واحداً وغرفة واحدة، الأمر الذي أدى إلى تدني المداخيل في القطاع السياحي إلى 4 مليار ونصف، بعدما بلغ في العام 2010 نحو 8 مليار دولار أي بنسبة 50 في المئة.
وبانتظار أن تحل ازمات لبنان مع دول الخليج وحل الأزمة السورية، فان الحركة الخليجية والعربية تجاه لبنان ستبقى محدودة. فمن جراء إقفال معبر نصيب، انخفض عدد السياح الأردنيين الذين زاروا لبنان براً من 188 ألفا في أول 8 أشهر من العام 2010 إلى 63 ألفا، وبالتالي فان إعادة فتح هذا المعبر سيعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل 2011. فيما انخفض عدد السياح الكويتيين مراعاة للقرار الخليجي وتخوفا من الوضع في لبنان، من 75 ألفا في أول 8 أشهر من العام 2010 إلى 26 ألفا في العام 2018 . في حين أن عدد السياح العراقيين نجح في سد الفراغ، فهو ارتفع من 80 ألفا في العام 2010 إلى 140 ألفا في العام 2018، غير ان هذا السائح العراقي لا ينفق الأموال لأن أوضاعه المالية متوسطة. أما على خط السائح السعودي، فالتراجع كان سيد الموقف من 132 الفاً في أول 8 أشهر من العام 2010 إلى 39 ألفا في العام 2018 بعد قرار الحذر من المملكة، مع توقع كيدانيان أن تتحسن الامور عليه، خاصة وأن السفير السعودي وليد البخاري أعلن أن الابواب ستفتح أمام السياح السعوديين للمجيء إلى لبنان بعد تأليف الحكومة. في حين أن نسبة التراجع كانت الأبرز عند الامارات، اذ انخفض عدد السياح من 35 ألفا في أول 8 أشهر من العام 2010 إلى ألف في العام 2018 من جراء منع السلطات الاماراتية ابناءها من زيارة لبنان للسياحة.
إن التراجع في عدد السياح الخليجيين، يستدعي، من القطاع السياحي التأقلم مع الحركة الجديدة من السياح الأوروبيين والأميركيين من الولايات المتحدة وكندا وأميركا اللاتينية. علما أن الوزير الارمني في جعبته خطة سيعرضها على الحكومة العتيدة فور تشكيلها، في حال عودته إلى هذه الوزارة، من أجل جذب واستقطاب السائح الروسي والصيني والهندي، لا سيما أن الروسي لا يعرف شيئا عن لبنان، وهناك نحو 800 ألف مواطن روسي ياتون إلى قبرص للسياحة، في حين أن لبنانيتمتع بخصوصيات ليست متوفرة في قبرص باعتراف القبارصة أنفسهم.
يتوقف كيدانيان عند الذي تبلغه من وزير السياحة القبرص من استثمار قبرصي في روسيا ترافق مع تعاون مع شركات كبرى لتنظيم الرحلات من أجل الترويج للسياحة القبرصية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وصولا إلى تقديم الحوافز وصولا إلى تقديم قبرص للشركة عند هبوط كل طائرة في مطارها، مبلغا يتم احتسابه وفق قاعدة 40 إلى 50 دولارا عن كل راكب.
وعليه، يتجه كيدانيان إلى تشكيل هيئة تنشيط السياحة (تتالف من وزارة السياحة والقطاع السياحي الخاص) التي تُدخل الأموال إلى صندوق خارج الخزينة ويتم الصرف منه، مع إضافة رسم على غرف الفنادق، 5 دولار على سبيل المثال على غرف 5 نجوم كل ليلة، وهذا لا يشعر به “الزبون”. ويؤدي إلى مدخول في السنة بمعدل 10 مليون دولار. فإذا صرفوا بمنطق الخمسين دولارا على الشخص الواحد فإنهم يؤمنون ل لبنان 200 ألف سائح إضافي سيوفرون نحو 100 مليون دولار. ولأن هناك TVA قيمتها11 في المئة، فإن 10 مليون دولار ستدخل إلى الخزينة، مع إشارة كيدانيان إلى أن الفكرة طرحها على الرئيس المكلف سعد الحريري ووزير المال علي حسن خليل.
وسط هذا المشهد، يستغرب كيدانيان استهداف الموسم السياحي مع كل بداية صيف، ويعتبر أن ما حصل يصب في خانة الحملة المبرمجة الممولة من قبل أصحاب الشائعات لضرب هذا القطاع السياحي. فجاء استغلال هؤلاء أزمة النفايات لإثارة الرعب في نفوس المواطنين والتحذير من تلوث البحر نتيجة ما تخلفه النفايات من مواد سامة، علما أن هذه الشائعات ناقضها المركز الوطني لعلوم البحار في تقرير أعده، وجاء فيه أن 16 من أصل 25 نقطة بحرية من العريضة حتى الناقورة آمنة وصالحة للسباحة والنشاطات المائية وتصنيفها جيد، بينما صنف التقرير 4 مناطق بدرجة مقبول و5 مناطق سيئة وملوثة جداً ولا يمكن استخدامها للسباحة وهي: المنطقة المحاذية لمصب نهر انطلياس، الشاطئ الشعبي على الرملة البيضاء، المنارة الجديدة في بيروت، الشاطئ الشعبي في طرابلس، سلعاتا إلى جانب معمل الكيماويات.