«شورى الدولة» يلغي مناقصة الميكانيك
من خارج سياق الأحداث، وفي ظل ضغوط متزايدة تمارسها السلطة السياسية على إدارة المناقصات للحد من دورها، خرج قرار مجلس شورى الدولة المتعلق بمناقصة الميكانيك إلى النور، بعد طول انتظار، معلناً إبطال المناقصة
صحيح أن مناقصة الميكانيك كانت قد دُفنت منذ نحو سنتين، إلا أن قرار مجلس شورى الدولة الصادر في 9 تموز الجاري، بدا أقرب إلى شهادة وفاة رسمية للمناقصة التي شابتها الكثير من الشوائب والشبهات وأدت في حينها إلى إصدار «الشورى» قراراً أولياً قضى بوقف تنفيذها، في ضوء المراجعة المقدمة من قبل وكيل شركة «أبلوس» عصام إسماعيل (رئيس مجلس إدارة الشركة هو الوزير يعقوب الصراف)، التي تطالب بإبطال قرار مجلس إدارة هيئة إدارة السير الصادر في 4 آب 2016 والمتضمن الموافقة على نتيجة المناقصة التي أعلن بموجبها فوز العارض «أس جي أس».
قرار مجلس الشورى، قبل يومين، اعتبر أن المراجعة «ترتكز على أسباب جدية مهمة»، وأهميته أنه يعيد التذكير بأن السلطة التنفيذية ليست مطلقة اليدين في تلزيم أو وهب قطاعات أساسية في الدولة للقطاع الخاص، مؤكداً أنه لا يمكن تخطي المادة 89 من الدستور، التي تنص على أنه «لا يجوز منح أي التزام أو امتياز لاستغلال مورد من موارد البلاد الطبيعية أو مصلحة ذات منفعة عامة أو أي احتكار إلا بموجب قانون وإلى زمن محدود». ومجلس شورى الدولة إذ وضع مناقصة الميكانيك في خانة المصلحة ذات المنفعة العامة، فإن ذلك كان واحداً من أسباب إبطالها. إذ إن من أقر المناقصة هو مجلس الوزراء ومن صادق على دفتر شروطها هو مجلس الوزراء، قبل أن تُنفّذ في إدارة المناقصات، التي كانت لها ملاحظات عدة عليها، حيث أحصت في كتابها الموجه إلى وزارة الداخلية 43 خطأ أو مخالفة، إضافة إلى 20 ملاحظة تتعلق بعناصر المفاضلة التي تسمح بالاستنساب.
«الشورى»: هيئة إدارة السير هي الجهة الصالحة لإعداد المناقصة
وكان لافتاً للنظر في قرار «الشورى» تأكيده أن المناقصة، بعد إقرارها بقانون وتحديد ضوابطها، يجب أن تنفذ في هيئة إدارة السير، لا في إدارة المناقصات، انطلاقاً من أن الهيئة هي المؤسسة العامة التي تتولى المرفق العام المتعلق بالسير وتسجيل السيارات ومعاينتها..، وهي تمارس مهامها وفقاً لأحكام النظام العام للمؤسسات العامة ووفقاً لنظامها المالي. وهي بالتالي السلطة الإدارية صاحبة الصلاحية لإجراء المناقصة العمومية لتلزيم إجراء المعاينة الميكانيكية من إقرار دفتر شروطها إلى إقرار نتيجتها وتوقيع العقد. كما أكد «الشورى» أن قيام وزارة الداخلية في عام 2002 بتلزيم المعاينة، لا يشكل سنداً قانونياً سليماً للقول بعدم صلاحية الهيئة لإجراء المناقصة، خصوصاً أنه عند تلزيم المعاينة في حينه لم تكن قد صدرت أنظمتها ولا مرسوم تعيين مهامها (أنشئت الهيئة عام 2000).
وللتذكير، فإن مجلس الوزراء كان قد أقر في 9 تشرين الأول 2014، مناقصة الميكانيك، التي مرت بالكثير من المطبات منذ ذلك الحين. فبعد المصادقة على دفتر شروطها ثم فض العروض وإخضاعها للتقييم الفني، في آلية احتاجت إلى نحو سنتين من الوقت، أبلغت إدارة المناقصات في 4 آب 2016 هيئة إدارة السير المحضر الأساسي للجنة التلزيم والمتضمن إرساء التلزيم على شركة «أس جي أس» وشركائها. وحينها كان لافتاً اجتماع مجلس إدارة الهيئة، في اليوم نفسه، للموافقة على نتيجة المناقصة، قبل أن تصدّق وزارة الداخلية المحضر في 6 آب، ويتم تبليغ الملتزم، أي شركة «أس جي أس»، أمر مباشرة العمل في 8 آب.
حينذاك، لم تكتف الشركات الخاسرة بالاعتراض، إنما تداعى ناشطون في حملة «بدنا نحاسب»، للاعتصام أمام التفتيش المركزي، لأن الملف «يشكل فضيحة موصوفة والملاحظات حوله كثيرة بدءاً من دفتر الشروط إلى طريقة فض العروض إلى السعر الذي رست عليه المناقصة». فالمنافسة كانت انحصرت بين سعرين (44.2 مليون دولار و 44.6 مليون دولار)، فكانت النتيجة فوز السعر الأدنى (أس جي أس)وبفارق بسيط عن سعر «ضومط ـ vivauto» (تردد حينها أن الشركة الثانية أدخلت بعد تعديل في التقييم، كي لا يبقى عارض وحيد فتلغى المناقصة.
لكن خلف هذه الواقعة، تتبدى مجموعة من الحقائق، التي أظهرت أن ثمة عروضاً تصل إلى نصف السعر. هكذا أعلنت «فال» (الشركة الحالية)أنها تقدمت بعرض بقيمة 22 مليون دولار، فيما ألمحت شركة «أبلوس» إلى تقديمها عرضاً أقل حتى من 22 مليون دولار، بما يعني أن المواطنين كانوا سيدفعون 22 مليون دولار إضافية في العام، بدل الخدمة نفسها، إذ ستزيد قيمة المعاينة للسيارة السياحية من 22 دولاراً إلى 33 دولاراً.