4 بيئات طائفية تتنازع للإمساك بقرار الحكومة.. من يفوز بالفيتو؟
تحت عنوان “لمَن سيكون “الفيتو الطائفي” في الحكومة؟” كتب طوني عيسى في صحيفة “الجمهورية”: “لا يمكن أحدٌ أن يتجاهل الواقع: في التأليف الحكومي هناك أقوياء قادرون على فرض القرار في الحكومة المنتظرة، وضعفاء يحاولون أن يكون لهم الحدّ الأدنى من الشراكة في القرار. وفي عبارة أكثر دقّة، يحاول الضعفاء تعويض عجزهم عن فرض القرار بأن يكون لهم حقّ “الفيتو”، أي القدرة على التعطيل.
هناك 4 بيئات طائفية ومذهبية تتنازع للإمساك بالقرار أو للتعويض بتعطيل القرار أو تعطيل الحكومة بأسرها.
1 – الثنائي الشيعي الذي يمتلك كل مقومات القوة والضغط. فهو قادرعلى فرض القرار من خلال امتلاكه الغالبية سياسياً، هو والحلفاء. وهو قادر على ممارسة “الفيتو” التعطيلي السياسي من خلال امتلاكه “الثلث المعطّل” مع الحلفاء. وهو قادر على ممارسة “الفيتو التعطيلي المذهبي” من خلال سيطرته على كل التمثيل الشيعي في الحكومة، من دون خرق.
فإذا انسحب الوزراء الشيعة جميعاً من الحكومة ستصبح حكومة غير ميثاقية، من زاوية العِرف، وتالياً ستصبح في حُكم المعطَّلة. ولذلك، يشعر «الثنائي» بأنه يمتلك في آن معاً القدرة على: فرض القرار الذي يريده وتعطيل القرار الذي يرفضه وتعطيل الحكومة.
2 – الرئيس سعد الحريري لا يطمح إلى أن تكون له غالبية سياسية في مجلس الوزراء. لكنّ وزراءه، مع وزراء “التيار الوطني الحرّ” والرئيس ميشال عون، أي “وزراء تسوية 2016” يصبحون أكثر من “الثلث المعطّل”.
ومن الناحية النظرية، يمكن لهؤلاء معاً أن يعطّلوا الحكومة بتطيير ثلثها زائداً واحداً، إذا شاءت الظروف ذلك. لكن هذا الأمر يبدو صعباً من الناحية السياسية، إذ ليس للحريري أن يُسقِط حكومة يريدها لاستمرار زعامته، وليس لعون والوزير جبران باسيل أن يُسقِطا الحكومة إذا كان “حزب الله” يتمسّك بها في اعتبارها حاجة استراتيجية له”.
لكنّ الحريري يستطيع أن يخلق «فيتو مذهبياً سنّياً» على غرار «الفيتو» الشيعي إذا سمّى وحده وزراء الطائفة جميعاً، بحيث يمون عليهم بالانسحاب من الحكومة وتعطيلها عند الحاجة، تحت عنوان «فقدانها الميثاقية».
ولذلك، هو يحاول بكل ما أوتي من قوة أن يتجنّب حصول خرقٍ في تسمية الوزراء السنّة.
3 – «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية» كانا سيستطيعان خلق «فيتو» طائفياً مسيحياً، لو استطاعا تطبيق ما نصّت عليه «وثيقة معراب» (تقاسم الوزراء المسيحيين مناصفة). كما أنّ ذلك كان سيمنحهما أكثر من «الثلث المعطّل».
وفي ضوء الخلافات الحادة بين الطرفين، لا يبدو أنهما مستعدان أساساً للتلاقي حول غالبية الملفات الساخنة داخل مجلس الوزراء. كما أنهما لا يضمنان (ولو مع عون) تسمية الوزراء المسيحيين جميعاً (15 وزيراً) لضمان امتلاكهما «الفيتو الطائفي» إذا تلاقت المصالح بينهما حول ملفات معيّنة.
ولذلك، «القوات» و»التيار» وعون يمتلكون غالبية الثلث الطائفي المعطّل، ولكن افتراضياً. وربما يمتلكون القدرة على ممارسة الفيتو الطائفي إذا تمكّنوا من فرض احتكارهم للوزراء المسيحيين جميعاً… ولكن هل يتوافقون على الملفات ذات المنحى السياسي أو الطائفي؟
4 – النائب السابق وليد جنبلاط لا يمتلك أيَّ غالبية سياسية في داخل مجلس الوزراء، وهو يحاول التعويض بالوقوف في منتصف المسافة بين المتنازعين جميعاً، مذهبياً وطائفياً وسياسياً، بحيث يصبح جزءاً من الغالبية في ملفًّ معيّن وجزءاً من غالبية أخرى في ملف آخر.
لكنّ جنبلاط يعمل بقوة لامتلاك القدرة على ممارسة «الفيتو» المذهبي من خلال تسميته الوزراء الدروز الثلاثة. ولذلك، بالنسبة إليه، لا يبدو بسيطاً أن يقوم النائب طلال إرسلان بتسمية أحد هؤلاء، بالتحالف مع عون. فذلك سيؤدّي إلى خرق «السيادة الجنبلاطية» على التمثيل الدرزي في الحكومة، وسيمنع الطائفة من ممارسة الحق في «الفيتو»، أي إمكان انسحاب الوزراء الدروز جميعاً من الحكومة بهدف تعطيلها، اعتراضاً من جنبلاط على قرارات معيّنة.
إذاً، نزاع السيطرة على قرار الحكومة المنتظرة يدور بين هذه البيئات السياسية والطائفية والمذهبية الأربع. وباستثناء البيئة الشيعية التي وحَّدت تماماً خياراتها في المجلس النيابي والحكومة، تدور نزاعات شرسة داخل كل من البيئات المسيحية والسنّية والدرزية، ويستفيد منها الثنائي الشيعي لتقوية مواقعه سياسياً.
وفي معنى آخر، «الثنائي» قويٌّ بقوته الطائفية أولاً، كما أنه ينتزع قوته من داخل الطوائف الأخرى المتنازعة ثانياً. ولذلك، هو يتفرّج هادئاً على المنازعات الإنتر- طوائفية والإنتر- مذهبية في عملية تأليف الحكومة، ويترك لملائكته في الطوائف والمذاهب الأخرى أن تتكفّل بخوض المعارك بالوكالة عنه.
فالفريق الشيعي مرتاح في آن معاً إلى قدرته على امتلاك القرار واستخدام «الفيتو» الطائفي للتعطيل. واليوم، تُواجِهُ الجميع الاتهامات بالوقوف حجارة عثرة أمام تأليف الحكومة… إلّا «الثنائي».
وعلى العكس، هو بدأ يعبِّر عن استيائه من مماطلة الآخرين وحساباتهم ويلوِّح بخيارات معيّنة، من داخل المجلس النيابي، إذا استمرّ التعثّر. وواضح أنه هو الذي سيكسب الرهان في النهاية.