الضريبة على المحروقات… معالجة الداء بالداء بقلم: سليم مهنا

صدى وادي التيم – إقتصاد /

إن إقدام الحكومة اللبنانية على فرض ضريبة مباشرة على المحروقات، في إطار سعيها إلى تأمين إيرادات إضافية تُمكّنها من رفع رواتب العسكريين والمتقاعدين في القطاع العام، يمثّل خطوة تثير القلق من جهة تكرار سياسات الحكومات السابقة، التي اعتادت استسهال اللجوء إلى الضرائب المباشرة على السلع الاستهلاكية، وما لذلك من تداعيات خطيرة على معيشة المواطنين وكلفة الإنتاج في مختلف القطاعات.

فالضريبة على المحروقات تؤدي إلى ارتفاع مباشر في أسعار النقل، وتكاليف التوزيع، وأسعار الكهرباء والسلع الأساسية، مما يزيد الأعباء على المواطنين، لا سيما ذوي الدخل المحدود. كما تنعكس سلباً على القطاعات الإنتاجية، خصوصاً الصناعات المحلية والزراعة، حيث ترتفع كلفة التشغيل، ما يضعف تنافسية المنتجات المحلية في السوقين الداخلية والخارجية.

وفي مقابل هذا الخيار المؤلم اجتماعياً واقتصادياً، يبرز تساؤل مشروع: لماذا لم تعمد الحكومة إلى تخفيض سعر صرف الدولار الرسمي بنسبة مماثلة لقيمة الزيادة على الرواتب، بدلاً من فرض ضرائب جديدة؟ وهي قادرة على ذلك بسهولة، نظراً لصِغَر حجم الكتلة النقدية بالليرة مقارنة بحجم الاحتياطي بالعملة الأجنبية في مصرف لبنان. هذا الإجراء يُتيح تحقيق الهدف المرجو من تحسين الرواتب، مع الحفاظ على استقرار الأسعار، وتفادي المزيد من الانكماش في الدورة الاقتصادية، ومن دون تحميل الاقتصاد كلفة تضخمية إضافية.

ما يُؤسف له، هو لجوء الحكومة مجدداً إلى الخيار الأسهل والأسرع في الجباية، عبر فرض ضرائب مباشرة تطال الفئات الأضعف من الشعب، في حين تغضّ الطرف عن مصادر دخل حقيقية وغنية، مثل الأملاك البحرية والنهرية التي تُستغل من دون وجه قانوني، وعشرات المرافق العامة التي يمكن أن تدرّ مداخيل كبيرة لو أُديرت بشفافية وكفاءة. كما لا تُبذل أي جهود جدية في مكافحة التهرّب الضريبي، الذي يحرم الخزينة من مليارات الليرات سنوياً.

إن سياسة تحميل المواطنين كلفة عجز الدولة، بدل السعي إلى إصلاح بنيوي حقيقي ومكافحة الهدر والفساد، ليست سوى تكرار لمنهجية عقيمة تدفع البلاد نحو مزيد من الفقر واللاعدالة الاجتماعية. فمعالجة الداء بداءٍ آخر، لا يمكن أن تكون بديلاً عن الدواء.

سليم مهنا
باحث اقتصادي
30 أيار 2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!