اعرف ما في قبرص لتعرف ماذا ينتظر لبنان والمنطقة…

 

صدى وادي التيم – متفرقات /

على ما يقول المثل المعروف: «اعرف أسرارهم من صغارهم»، يمكن ببساطة مع شيء من المتابعة والتدقيق، الوقوف على جانب مهمّ ممّا يُعَدّ للبنان والمنطقة من خطط ومشاريع، عبر النظر مليّاً في ما تشهده قبرص من تطوّرات وتحوّلات غير منظورة في قسم كبير منها، تجعل من الجزيرة موقعاً بالغ الخطورة، ليس للحلف الأطلسي فحسب، بل للولايات المتحدة الأميركية، التي يبدو أنها تعتبر لبنان خطاً أوّل لنفوذها الذي يستند إلى تعزيز وجودها الاستطلاعي والاستخباري والعسكري والأمني في قبرص المجاورة.

ومن هنا، يمكن فهم تحويل السفارة الأميركية في عوكر إلى مقرّ ضخم ومتعدّد وجهات الاستعمال، في وقت يبدو أن الحضور العسكري البريطاني التاريخي في قبرص في طريقه إلى انحسار نسبيّ وليس إلى غياب كامل لمصلحة وجود عسكري أميركي بدأ يترسّخ منذ فترة، بالتنسيق مع السلطات القبرصية التي تشعر بأنها تحت الحماية الغربية أكثر، وبأن الوجود الأميركي يمثل ضمانة لها أهم من الضمانة البريطانية، وهي ضمانة لم يكن لها أي أثر في حماية قبرص من الغزو التركي أو ردع تركيا عن هذه الخطوة منذ نحو نصف قرن.

وتشير معلومات إلى أن قبرص تتجه لأن تصبح صلة الوصل بين أوروبا والشرق الأوسط ولا سيّما في شقّها الآسيوي، من خلال لبنان الذي يمثل الشرفة المطلّة على شرق المتوسط وعلى الداخل العربي وصولاً إلى إيران.

وعندما هدّد السيد حسن نصراللّه قبرص في حزيران الماضي بقوله «إن فتح المطارات والقواعد القبرصية للعدو الإسرائيلي لاستهداف لبنان، يعني أن الحكومة القبرصية جزء من الحرب وستتعاطى معها المقاومة على هذا الأساس»، فإن قبرص كانت قد احتاطت مسبقاً لمثل هذا التهديد، فشدّدت الرقابة على اللبنانيين من المقيمين فيها ومن الزوّار، لا سيّما من الطائفة الشيعية ولكن بشكل غير ظاهر، مع العلم أن «حزب اللّه» يدرك جيداً أن أنصاره غير مرحّب بهم في الجزيرة، ولذلك فإن أعداد من يقصدها منهم قليلة، لكنّ الرقابة شملت وتشمل السوريين من لاجئين وعاملين، يمكن تجنيدهم لغايات أمنية، مع الإشارة إلى أن أعدادهم تراجعت بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة.

واليوم، ما زال الوصول إلى مطار لارنكا ينحصر للمغادرين والواصلين، بمدخل واحد هو الخاص بالمغادرة، مع استمرار إقفال مدخل الوصول، وذلك بهدف حصر المحاذير الأمنية، مع تسجيل حضور عسكري للجيش القبرصي داخل المطار وحصر السماح بوصول سيارات تاكسي محددة من دون سواها إلى المطار، وذلك كلّه تحسّباً لأي تسلل أو محاولة تنفيذ عمليات إرهابية قد تستهدف الوجود الغربي والوفود الإسرائيلية من رسمية وأمنية وسياحية.

وترجّح المعلومات أن يكون تمّ أخيراً ضبط اتصالات هاتفية من خطوط معيّنة في لبنان كانت وراء التحذير من عملية محتملة تستهدف إسرائيليين في قبرص، لا سيّما بعد تطوير سلطات الجزيرة إمكاناتها للرصد والتنصّت بالتعاون مع الأميركيين والإنكليز والإسرائيليين الذين فصلوا ضباطاً لتدريب الأجهزة القبرصية الأمنية إلى جانب ضبّاط وخبراء أميركيين.

وتشير المعلومات إلى أن أيّ وفد إسرائيلي يصل إلى قبرص، يتمّ نقله في سيارات أو باصات خاصة وبمواكبة الشرطة، وصولاً إلى إمكان إقفال الطريق التي يسلكها الموكب.

وبحسب المعلومات، فإنّ ثمّة مؤشرات على إمكان توسيع مطار لارنكا لوضع جانب منه في تصرّف الرحلات العسكرية، علماً أن قاعدة أكروتيري البريطانية في غرب الجزيرة تضمّ وحدات أميركية إلى جانب البريطانية، فيما تمّ تطوير مواقع رصد ضخمة في جبال ترودوس لمراقبة شرق المتوسط والبلدان المحيطة وفي مقدمها لبنان، إلى سوريا وإسرائيل وصولاً إلى تركيا.

وبناء على ما تقدّم، يُفهم الحرص الأميركي على الإشراف المباشر على حلّ مستدام بين لبنان وإسرائيل، وعلى تفكيك البنية العسكرية لـ «حزب اللّه» لمصلحة الدولة اللبنانية والجيش اللبناني، تأكيداً على أن لبنان بات عملياً في دائرة الرعاية الأميركية ولا بدّ من توفير أسباب استقراره.

ويلاقي هذا التوجّه اهتماماً خاصاً من المملكة العربية السعودية بعودة لبنان إلى وضعه الطبيعي عبر تعزيز القرار السيادي للدولة، وضبط النوازع الأمنية فيه، سواء تلك المرتبطة بمحور الممانعة أو ببعض الحركات الأصولية التكفيرية.

وتحرص المملكة بتوجيه من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على الحفاظ على الصيغة اللبنانية وفق اتفاق الطائف، وما تعنيه من مناصفة وتوازن بمعزل عن الأرقام والأعداد، باعتبار أن الوجود المسيحي في لبنان قيمة مضافة وأن تجربة العيش المشترك فيه تشكل نموذجاً وعامل دفع لتطوير الانفتاح الذي تقوده المملكة ويشارك في بعض جوانبه لبنانيون على صعد عدّة.

جومانا زغيب – نداء الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!