50 عاماً: تنذكر وما تنعاد!
صدى وادي التيم – لبنانيات /
كتب عمر حرفوش في نداء الوطن :
غداً، يمر العام الخمسون على ذكرى اندلاع الحرب الأهلية التي مزّقت حياتنا وطفولتنا ومراهقتنا وشوّهت علاقتنا بلبنان وببعضنا البعض.
خمسون عاماً إذاً وسط تقلبات شديدة عاش فيها لبنان الأسوأ والأفضل وانتصارات جزئية لفكرة قيام الدولة العادلة. وخلال هذه الأعوام كان التغاضي عن جراحنا وما مررنا به والإصرار على التمسك بالحاضر والمستقبل عاملاً مشتركاً بين غالبية الّلبنانيين على اختلاف انتماءاتهم.
لعنةُ الحربِ هذه، تُرافقنا من جيل إلى جيل عبر ترسّبات لا نلاحظها.
غادرتُ لبنان وأنا في الـ 17 سنة ولم أرجع لأستقر فيه، تركتُ لبنان ولم أكن أريد ذلك لكنّ فوزي بجائزة الاتحاد السوفياتي لذكرى الفنان رضوان الشهال فتح لي الباب فصار الطموح أكبر من كل شيء. فتركت لبنان وطرابس والحرب ولعنتها وهول مشاهد الدماء وسهولة القتل واستباحة كرامة الإنسان. وسعيد أنني لطالما رفضتُ نظرات التفحص والتمحيص حتى أعرف ديانة الإنسان الذي يقف أمامي عبر ترقّب مرعب يُعرّي الإنسان من إنسانيته ومن حقه في الاختلاف.
اليوم، انتهت الحرب وأزيلت الحواجز على الأرض وباتت المناطق مفتوحة. لكنني لا أعرف من لبنان إلّا طرابلس والشمال، وأنا أحبها لكنني لم أكتشف بلدي بعد ولا أعرف كلّ مناطقه. قد يشفع لي أنني مغترب لكنّ الواقع أنّ كثراً مثلي. رُفعت الحواجز وسقطت كلّ خطوط التماس لكنّ الانفتاح على الآخر ما زال محدوداً واكتشاف اللبنانيين لبلدهم الرائع ما زال محدوداً أيضاً حيث كلّ يعد منطقته لبنانه فصار لكلّ فئة لبنانها.
انتهت الحرب والبعض يُجبر نفسه على تذكر طفولة جميلة في إنكار لواقع صعب كرد فعل على كارثة حقيقية سلبت منّا الحق بالبراءة والأمان والأمل، الحق بطفولة طبيعية لا أكثر! لم تلتئم الجراح بعد ولم نتصالح مع ماضينا فكيف لنا أن نبني مستقبلًا؟ لم يُكشف مصير المفقودين بعد وفي منازل كثيرة رغبة فقط بمعرفة مكان دفن حبيب أو حبيبة.
طوى لبنان صفحة الحرب الأهلية واليوم يطوي صفحة الخروج عن الشرعية ومحاربتها، لكنّ طيَّ الصفحات لا يكفي. لا بدّ من قراءة الوقائع التي أوصلتنا إلى هذه الحال والتعلم منها لأنّ من لا يفهم أخطاءه يكررها ولا وقت للتكرار بعد اليوم لأنّ لبنان يحتاج مستقبلًا يليق بتاريخه. لذلك لا بد من إعادة دراسة ما حصل والتصالح والتصارح حتى نتخطى هذه المرحلة تماماً كما نجحت بلاد أخرى في ذلك.