أزمة المودعين اللبنانيين: اقتراح إنشاء وزارة متخصصة لمتابعة الحقوق
صدى وادي التيم – إقتصاد /
تتصدر قضية أموال المودعين في لبنان جدول اهتمامات المجتمع في ظل تشكيل حكومة جديدة يرأسها القاضي نواف سلام، ووسط أزمة مالية غير مسبوقة، حيث يعيش نحو مليوني مودع حالة من الضياع نتيجة تعثر المصارف عن إعادة ودائعهم، هذه الأزمة لم تقتصر على الجانب المالي فقط، بل تركت آثارًا عميقة على الثقة بالقطاع المصرفي وعلى الاقتصاد اللبناني بأكمله.
منذ بداية الأزمة، برزت دعوات تطالب بحلول جذرية لهذه المشكلة خاصة بعد انتخاب رئيس الجمهورية وتعيين رئيس حكومة، والتي تمس شريحة كبيرة من اللبنانيين، والتي باتت تعكس فشلاً سياسياً واقتصادياً مستمراً منذ أكثر من خمس سنوات.
في ظل غياب أي حلول واضحة أو خطط شاملة من الجهات الحكومية، برزت فكرة إنشاء وزارة متخصصة بشؤون المودعين في إجراء غير مألوف، يُنظر إليه وسيلةً لتحمل المسؤولية المباشرة تجاه ملف المودعين، والعمل على إعادة حقوقهم عبر خطة زمنية مدروسة.
ومن المقرر أن تعمل الوزارة المقترحة على توحيد الجهود المتفرقة والدفاع عن حقوق المودعين ضمن مظلة واحدة. وبين مؤيد لهذه الخطوة ومنتقد لها، تتسع دائرة النقاش حول جدوى هذا الطرح، ومدى إمكانية تحقيقه ضمن الظرف السياسي والاقتصادي الراهن.
مودع للوزارة
وقال رئيس جمعية المودعين، حسن مغنية، لـ”العربي الجديد”، أنه بعد اجتماع بين المودعين، تم الاتفاق على طرح اسم معين لتولي منصب وزير لشؤون المودعين، وأضاف أنه تم اقتراح اسم إبراهيم عبد الله، وهو أحد المودعين الذين خسروا أموالهم في المصارف، بالإضافة إلى تدمير منزله في الجنوب، مما يجعله مدركًا لمعنى الخسارة الفعلية. كما أشار إلى وجود جهة تُعرف بـ”لقاء جمعيات المودعين”، بدأت بطرح أسماء لتولي هذه المسؤولية، مؤكداً أن ترشيح إبراهيم عبد الله يهدف إلى قطع الطريق أمام أي شخص قد يحاول استغلال قضية المودعين لتحقيق مكاسب شخصية. وأوضح أن الهدف من هذا الطرح هو الضغط على الجهات السياسية المعنية لمتابعة هذا الملف بجدية.
وأشار مغنية إلى أن الجمعية لم تطالب بأن تكون هذه الوزارة مستدامة، بل شددت على أن تكون لمرة واحدة فقط، بهدف وضع خطة واضحة، وأن لا تُستخدم لإطالة أمد الأزمة، وأكد أنهم يريدون وجود ممثل عن المودعين لمتابعة هذه القضية عن قرب، مشددًا على ضرورة الحذر من تكرار ما حدث في الحكومة السابقة عندما مُررت مشاريع قوانين في مجلس النواب لشطب الودائع.
وأضاف أن الجمعية تقدمت ببيان إلى الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة، نواف سلام، يتضمن مطالب المودعين. وأعرب عن توقعه بأن يتم تجاهل هذا الملف، مشيرًا إلى أن مطلبهم الأساسي هو أن تتنازل القوى السياسية عن هذا الملف، على أن يكون الوزير ممثلاً للمودعين ومن خارج الكتل السياسية.
وأوضح أن عدد المودعين في لبنان يُقدر بحوالي مليوني شخص، مشددًا على أن هذا العدد الكبير يخولهم الحصول على تمثيل وزاري، وقال: “طالما أن الرئيس المكلف يجتمع مع الكتل النيابية ويصرّح بأن كل خمسة نواب يحق لهم بوزير، فهل لا يحق لمليوني مودع بوزير يمثلهم؟” وأضاف: “نحن كتلة شعبية كبيرة جداً، ويجب أن يعلم الجميع مطالبنا، وأن لا يأتي شخص من خارج هذا الإطار ليستخدم قضيتنا لمصالحه الخاصة. لا يمكن لأحد أن يرشح نفسه لهذا المنصب، بل يجب على المودعين أنفسهم اختيار الشخص المناسب”.
في السياق، صرّح إبراهيم عبد الله في حديث خاص مع “العربي الجديد”، بأنه يعارض إنشاء وزارة للمودعين حتى لا تتحول القضية إلى مسألة “مهجرية” أخرى، مشددًا على أن الموضوع يتطلب حلولًا جذرية وليس مجرد “ترقيع”. ومع ذلك، وبالنظر إلى أن القضية لا تزال دون أي حل من قبل الجهات الحكومية والوزراء السابقين، يرى ضرورة وجود وزير لتمثيل المودعين، مع الإشارة إلى أن هذه القضية يجب أن تكون على جدول أعمال مجلس الوزراء مجتمعًا.
وأوضح أن الحل يستدعي إعادة الحقوق إلى أصحابها واستعادة الثقة في القطاع المصرفي، مشيرًا إلى أن بناء الاقتصاد لا يمكن أن يتم دون إعادة الودائع إلى أصحابها. وأضاف أنه، وبعد مرور خمس سنوات من المماطلة وعدم الوصول إلى حل أو وضع خطة واضحة، فإن تعيين وزير يتولى هذه القضية قد يكون خطوة ضرورية، على أن يتم ذلك لمرة واحدة فقط، ويُكلف بوضع خطة وتنفيذها حتى إعادة الودائع.
وأكد عبد الله أنه من الضروري أن يكون الوزير نفسه مودعًا، ومستعدًا للكشف عن حساباته، مع التزامه بعدم استعادة أي أموال من وديعته الخاصة إلى حين استرداد كامل أموال المودعين. كما شدد على أن الوزير لن يتقاضى راتبًا من الدولة (راتب وزير). ويقترح أن تُنظَّم كافة الجمعيات المعنية بالدفاع عن حقوق المودعين تحت مظلة وزارة واحدة، تُلزم بخطة زمنية واضحة وجدول سداد محدد، مع الاستفادة من الخطط المُعدة سابقًا لوضع القضية على المسار الصحيح.
خطة لاستعادة أموال المودعين
من جانبه، أفاد رئيس جمعية “أموالنا”، فراس طنوس، في حديث خاص مع “العربي الجديد”، بأن جمعية المودعين وجمعية “أموالنا” كانتا أول من طالب بإنشاء وزارة لشؤون المودعين، مؤكداً أن الجمعية وضعت خطة متكاملة لهذه الوزارة، بما في ذلك التمويل الخاص بها، مما يعني أنها لن تُكلف الدولة أي أعباء مالية. وأضاف طنوس أن كل ما تحتاجه الوزارة هو مكتب لإدارة شؤونها، مشيرًا إلى أن التمويل سيكون من “جيوب” المودعين أنفسهم، قائلاً: “كما نغطي تكاليف جمعيتنا، يمكننا تغطية تكاليف الوزارة في حال تم تفعيلها”.
وأوضح طنوس أن الجمعية طالبت بإنشاء هذه الوزارة منذ عام 2022، بعد زيارة رئيس الجمهورية السابق ميشال عون. ونفى أن يكون الهدف من المطالبة بالوزارة الشهرة أو الحصول على المناصب، وقال: “نحن رجال أعمال خسرنا أموالنا في المصارف اللبنانية ونسعى لاستعادتها”.
وبيّن أن السبب الرئيسي وراء هذا الطلب هو أن حقوق المودعين معلّقة بين أيدي النواب والوزراء، الذين أثبتوا، بحسب تعبيره، أنهم “حاضرون غائبون”. ولفت إلى أن قضايا المودعين لا تُناقش داخل مجلس الوزراء، بحجة أن كل وزير يركز على وزارته فقط، في حين أن وجود وزير لشؤون المودعين سيضمن تمثيل قضيتهم في قرارات مجلس الوزراء ومناقشات اللجان المختصة.
وأكد طنوس أن اختيار الوزير لهذه المهمة يتطلب شروطًا دقيقة، أهمها الكشف عن حساباته المصرفية منذ عام 2019 حتى اليوم. كما شدد على أن الوزير المختص يجب أن يكون متابعًا لهذه القضية منذ البداية، لافتاً إلى أن الجمعية لجأت إلى القضاء وتابعت ملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أمام القضاء اللبناني والفرنسي.
وأضاف طنوس أن صندوق النقد الدولي لا يمكنه أن يفرض على لبنان نفس الشروط التي فرضها على دول مثل مصر والسودان، ولكن السياسيين في لبنان يصرون على الإصلاحات عبر صندوق النقد. وأوضح أن وجود وزارة لشؤون المودعين سيُمكّن الوزير المختص من متابعة هذه التفاصيل مع الصندوق ومن تمثيل المودعين في كافة المفاوضات والمعارك. كما أكد أن الوزارة ستساهم في توحيد جهود الجمعيات والأفراد العاملين منفردين، بحيث تكون جميع هذه الجهود تحت إشراف الوزارة.
انديرا الشوفي – العربي الجديد