القذائف الإسرائيلية في لبنان… أنواعها وقوتها التدميرية
صدى وادي التيم – لبنانيات /
لا يمكن لأحد وصف دوي وزلزلة قذائف وصواريخ الغارات التي تنفذها الطائرات الحربية أو المسيرات الإسرائيلية على مناطق متفرقة من جنوب لبنان والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية وغيرها، لا سيما المنطقة المتاخمة للحدود التي تجاوزت نسبة التدمير الكلي فيها الـ40 أو الـ50 في المئة، إلا من عاش في أتونها وأجوائها. لكن الحاسم في مسألة القوة التدميرية لهذه القذائف هو ما يتأتى عنها من انهيار الأبنية وتلاشيها واحتراق السيارات أو ذوبانها بمن فيها واشتعال الأحراج.
أمس الأول الجمعة، كانت ضاحية بيروت الجنوبية هدفاً لهذه القذائف الإسرائيلية المدمرة، إذ أطاحت مجموعة من الصواريخ أطلقتها طائرات حربية في لحظات قليلة بمبنى مؤلف من أكثر من سبع طبقات في حي “الجاموس” قرب مسجد “القائم” وحولته إلى كومة ركام، فيما اخترقت قذائف أخرى ملجأ يقع في أسفل مرآب للسيارات بعمق نحو 20 متراً تحت الأرض حيث كان ثمة اجتماع لعدد من مسؤولي “حزب الله”، واستطاعت أن تقتل قائده العسكري إبراهيم عقيل وآخرين من “حزب الله”، فضلاً عن سقوط مدنيين.
وحدة القنابل الموجهة
وقال الجيش الإسرائيلي إنه استخدم صواريخ مخترقة للأرض “في ضربة بيروت ووصلت الصواريخ أسفل موقف السيارات أو ما يعد ملجأ بعمق نحو 20 متراً أسفل البناية. ثم ضرب البناية بأربع قنابل GBU الموجهة أدت إلى انهيار المبنى بالكامل”. وكشف كذلك أن “طائرات F35 وF15 نفذت هذا الهجوم”.
والقنبلة الموجهة أو وحدة القنبلة الموجهة Guided Bomb Unit)) المعروفة اختصاراً باسم “جي بي يو” (GBU) هي أحد أنواع الذخيرة الموجهة بصورة دقيقة، وتهدف إلى تحقيق إصابة ذات قدر أكبر من الدقة.
وفي الغارات الأخيرة وتحديداً منذ يومين مع تصاعد التهديدات بعملية واسعة بين شمال إسرائيل وجنوب لبنان، لوحظ استخدام الطائرات الحربية الإسرائيلية خلال أكثر من 100 غارة متواصلة ومتفرقة وقذائف وصواريخ مدمرة أو ما يطلق عليها تسمية “موجهة” أو “زلزالية” أو “ارتجاجية”، خصوصاً في المناطق المفتوحة في الوديان وعلى مجاري الأنهار، ومنها مجرى نهر الليطاني وضفافه الممتدة من البقاع إلى البحر قرب مدينة صور، مروراً بأقضية حاصبيا ومرجعيون والنبطية وبنت جبيل وصور، والغاية منها بحسب العرف الأمني والعسكري أو إعلان المصادر العسكرية الإسرائيلية تدمير مرابض راجمات ومنصات الصواريخ التي يستخدمها عناصر “حزب الله” في قصفهم للمستعمرات والمواقع الإسرائيلية، أو لاحتمال وجود أنفاق في الأماكن المستهدفة.
قذائف “مارك 84” على كفر كلا
وكانت وسائل إعلام إسرائيلية نقلت ليل الثلاثاء الـ13 من أغسطس (آب) الماضي عن الجيش الإسرائيلي أنه “نفذ أقوى هجوم في كفر كلا (قضاء مرجعيون) منذ بداية الحرب، وهو كناية عن هجوم على أهداف تحت الأرض. وأن سلاح الجو استخدم قنابل خارقة للتحصينات للمرة الأولى منذ بداية الحرب في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وهي قنابل من نوع (MK-84) مزودة بمجموعة GBU-31 JDAM، تم إسقاطها من طائرة F35”.
قذيفة “مارك84 ” أو BLU-117 هي قنبلة أميركية الصنع متعددة الأغراض حرة الإسقاط وغير موجهة، تعد جزءاً من سلسلة قنابل “مارك 80” الأميركية وأكثرها شيوعاً وتزن القنبلة 2039 باونداً، أو نحو ألفي رطل (925 كيلوغراماً)، ومنها زنة 945 بوصة (429 كيلوغراماً) وهو وزن المادة المتفجرة أو الحشوة شديدة الانفجار. وتردد أن القوات الإسرائيلية أسقطتها على المستشفى المعمداني في وسط غزة ليل الأربعاء الـ18 من أكتوبر الماضي، وقتلت في لحظة واحدة أكثر من 500 إنسان من المرضى والطواقم الطبية والعاملين في المستتشفى.
أما الغارة على كفر كلا فقد استخدمت فيها الطائرات الإسرائيلية ثلاث قنابل Mark 84 وسمع دوي انفجارها بمناطق واسعة من جنوب لبنان حتى مسافة تخطت 30 كيلومتراً. وأدت هذه الصواريخ بحسب بلدية كفر كلا إلى تدمير أربعة منازل بصورة كاملة وأضرار في نحو 25 منزلاً في البلدة المستهدفة.
قذائف وفق الأهداف
نسأل العميد الركن المتقاعد في الجيش اللبناني وخبير المتفجرات إلياس حنا عن الذخائر التي تستخدمها إسرائيل في حربها في جنوب لبنان، فيقول “الذخيرة تحدد بحسب نوعية الهدف وأهميته بما يطلقون عليه The desired effect (النتيجة المرجوة أو التأثير المرجو)، مثلاً إذا كان الهدف مخبأ تحت الأرض نذهب إلى قذائف كبيرة مثل Mark 82 bomb، Mark 83 bomb، Mark 84 bomb، 250 و500 و2000 باوند حتى تخترق الأرض. وهناك قذائف فوسفورية أو حارقة وقذائف لاستهداف شخص في سيارة، إذ يستخدم صاروخ من نوع “هيلفاير” يطلق من مسيرة “AGM-114 Hellfire” وهو مزود بست شيفرات حادة طول الواحدة منها متر واحد، ويخترق العجلات والأهداف ويمزق الشخص المستهدف بشفراته. ويعمل توجيه الصاروخ بأشعة الليزر لتتبع الهدف ويصيبه بدقة بالغة مع انفجار محدود لمنع إصابة المدنيين حول الهدف وتقليل الأضرار الجانبية.
ويضيف العميد حنا “مثلاً فؤاد شكر لم يغتالوه بقذية 500 باوند بل بصاروخ (هيلفاير)، يكفي أن يدخل من نافذة إلى غرفة أو باحة حتى يؤدي فاعليته من تبعات التشظي والانتشار، حتى لو كانت القذيفة كيلوغرامين أو ثلاثة كيلوغرامات أو أربعة كيلوغرامات، فإنه إذا دخلت إلى غرفة لن يبقى أحد فيها حياً”.
قنابل فراغية
ويتطرق العميد حنا إلى القنابل الفراغية التي يطلق عليها تسمية “تيرموباريك” Thermobaric فيقول “هي قذيفة تطلق وتنفجر فيصبح الضغط في الداخل صفراً (يفرغ من الأوكسجين)، في مقابل الضغط الجوي من الخارج، مما يقوض المبنى والجدران فتتراكم فوق بعضها، إذ إن الجدار يقف عندما يكون الضغط متماثلاً من الداخل أو الخارج أو متقارباً، ومعظم الأبنية المدمرة من الجنوب لا تبدو أنها مستهدفة بقذائف فراغية”.
ويذكر أن هذا النوع من القذائف والصواريخ “استخدمه الإسرائيليون بكثافة عندما كانوا يلاحقون ياسر عرفات (أبو عمار) في بيروت خلال اجتياح عام 1982. واستخدمه الروس في حلب، إذ يمكن لهذه القذائف أن تطلق من على منصات. والفلسطينيون في غزة يستخدمون (تي بي جي) وهي تخلق حرارة وفراغاً في الضغط الجوي مع أن كل انفجار يخلق فرقاً في الضغط الجوي أو ضغطاً منخفضاً يدفع الهواء نحو الخارج ثم يعود، وفي هذه الحركة يحدث الدمار”.
ويعدد خبير المتفجرات القذائف والصواريخ التي يستخدمها الإسرائيليون في قصفهم جنوب لبنان والبقاع والضاحية، قائلاً “الإسرائيلي يستخدم المدفعية الثقيلة 155 وصواريخ (هيلفاير) وقذائف 250 باوند، وMark 82 bomb، وMark 83 bomb، وMark 84 bomb. وعندما توجهوا إلى البقاع وقصفوا مخزن ذخيرة إذا صح الكلام لم يضربوا قنابل خفيفة بل قذائف فيها 450 غراماً من مادة (تي أن تي) يمكنها أن تخترق الأرض بمسافة 20 أو 30 متراً”.
ويشرح أن “كل قذيفة تطلق قوة عصف تشكل ضغطاً، وعندما تخترق أكثر من سقف يكون رأس الصاروخ من الفولاذ مع زر تأخير الانفجار إلى ما بعد ثوان من إصابة الهدف كي ينفجر في الأسفل. وفي كل يوم يبدل الإسرائيليون نوع القذائف المستخدمة في جنوب لبنان، والقنبلة الغبية يمكن دعمها بزنار فتصبح قنبلة ذكية، وكل شيء يتحرك بفعل التكنولوجيا المتطورة السريعة التغيير”.
الميدان كفيل بالاختبار
وفي موضوع المواجهات جنوباً، يشير العميد حنا إلى أن “إسرائيل تتعلم من ’حزب الله‘ ومن تصرفاته العسكرية وما يستخدمه من قذائف وأسلحة والحزب يتعلم كذلك من تجربته في مواجهة الإسرائيليين، وربما مع الوقت قد يتقاتل الطرفان بالأسلوب ذاته، ونلاحظ أن ’حزب الله‘ خسر في بداية المعركة عديداً من عناصره، ثم بدأت تتراجع هذه الخسائر بعد مراقبة وملاحظة الأساليب الإسرائيلية، خصوصاً أن الجيل الذي يقاتل في المواجهات هو من الجيل الجديد وليس الذي قاتل منذ 30 عاماً أو أكثر، أو في عام 2006 أو في سوريا، لذا فهم متحمسون وكل واحد يريد إثبات نفسه”.
وحول تمكن الإسرائيليين من استهداف السيارات والدراجات يعزو العميد حنا الأمر أولاً إلى “طبيعة الأرض الجنوبية والأرض اللبنانية، طرقاتها تحددها الطبيعة وهي ليست متشعبة، فمن رميش حتى تصل إلى النبطية ومن النبطية إلى صور لننظر إلى الطرقات، هي محدودة جداً وإلزامية، لسنا في قلب مدينة فيها مئات الطرقات. وثانياً هم يراقبون ليل نهار بأجهزة ووسائل تكنولوجية متطورة وفائقة الدقة. وثالثاً لا ننسى شبكة العملاء على الأرض”.
زلزلة أمرضت روحي
أعلن الجيش الإسرائيلي الأحد الـ25 من أغسطس (آب) الماضي أنه شن ضربات استباقية بعد رصده استعدادات لـ”حزب الله” لشن “هجمات واسعة النطاق ضد إسرائيل التي أعلنت حال الطوارئ”. وقال الجيش إن نحو 100 طائرة مقاتلة قصفت ودمرت الآلاف من قاذفات الصواريخ التابعة لـ”حزب الله” والتي كانت موجهة لإطلاق النار فوراً نحو شمال ووسط إسرائيل.
ولوحظ أن هذه الغارات طاولت مناطق مفتوحة وحرجية قريبة من مجاري الأنهار، استخدمت خلالها قذائف وصواريخ ثقيلة أحدثت ما يشبه الزلازل المتفرقة في أمكنة سقوطها، حتى في المناطق المفتوحة والأحراج.
وتصف زينب شعيتاني ربة منزل وزوجة الفنان التشكيلي حسين ياغي اللذين يقطنان في بلدتهما زوطر الغربية في قضاء النبطية بمنزل يطل على مجرى نهر الليطاني، ما حصل فجر الأحد الـ25 من أغسطس بالآتي “ما زلت في حال ذهول لوقع تلك الزلزلة العظيمة التي عصفت ببيتنا في الشبابيك، والأبواب كادت تطق وهي تهتز بعنف شديد”.
وتضيف “كأن باب جهنم انفتح، لم تعد السماء هي السماء، صب الغضب والجنون أقواسه وخرجت من أفواهه نيران ودخان وكبريت، وكأن وحشاً نازلاً بفحيح وعواء رهيب ينشر الموت على الأرض والشجر والإنسان. كأنني سمعت صراخ الأرض يتصاعد تحت هول فعل شرير، حدثت أصوات مدوية ورعود وبروق وزلزلة عظيمة، ربما لم يحدث مثلها من قبل. هربت وزوجي إلى خارج حدود منزلنا، تهنا في الطبيعة لعلها تحمينا من دمار قادم أو موت محتم، حتى اليوم لم أنس ما جرى، إنني ما زلت في دائرة ذلك العصف الرهيب والجحيم المفتوح والنار الكبريتية الملتهبة والدخان الرمادي الذي أوجع عينيي وأمرضهما وأمرض روحي”.
لحظات الموت الأولى
الموظف السابق في الأمم المتحدة جمال عاطف الحاج شاهد على اللحظات الأولى للغارة الإسرائيلية على حي “البياض” في مدينة النبطية مساء الأربعاء الـ26 من يونيو (حزيران) الماضي، إذ أصاب صاروخان أطلقتهما طائرة حربية إسرائيلية منزلاً وسط الحي فدمراه بالكامل، وهو يبعد نحو 50 متراً من منزله المؤلف من طبقتين.
ويقول “هي لحظة واحدة شعرت أنها لحظة الموت أو هكذا يموت المرء، فجأة أظلمت الدنيا وكل شيء بات أسود من حولي، لم أعد أسمع شيئاً مع أنني أضع سماعة لكنها سكتت هي الأخرى تماماً، حتى إن الصاروخ الثاني الذي أعقب الأول لم أسمعه، إذ إن صاروخين أصابا البيت المجاور المؤلف من طبقتين، هذا ما علمناه لاحقاً، كل شيء من حولي بات بلا صوت لكن ثمة حجارة وبقايا مختلفة من حديد وخشب بدأت تتراكم فوقي”.
ويتابع “بدأت أعي ما حصل لي بعد نقلي وزوجتي إلى المستشفى، إذ توزعت إصابات طفيفة في جنبي الأيمن وفي وجهي، أما زوجتي فأصيبت في ذراعها اليسرى وفي رأسها، ورد عنها الإصابات البالغة دفاع النافذة الحديدي الذي استقر فوقها. بعدها اكتشفنا أن الأضرار في المنزل تجاوزت الـ60 في المئة، بينما توزعت أضرار الغارة على مساحة 250 متراً من مكان الهدف، وأصابت بيوت الحي بأكمله”.
قنابل زلزالية
يستخدم الجيش الإسرائيلي سلاح القنابل الزلزالية من أجل العمل على تحطيم الأنفاق التي يوجد فيها أفراد “حماس” في قطاع غزة، وكذلك في جنوب لبنان مستهدفاً أنفاقاً متوقعة لـ”حزب الله”. والقنابل الزلزالية هي سلاح يستخدم لتدمير الأنفاق والتحصينات ويتسبب بانفجارات تحاكي الهزات الأرضية. اخترعها مهندس الطيران البريطاني بارنزواليس، واستخدمت للمرة الأولى في الحرب العالمية الثانية بهدف اختراق الأهداف الألمانية الحصينة.
تلقى هذه القنبلة من ارتفاعات شاهقة نحو الأرض وبسرعة الصوت لتخترق السطح إلى عمق يصل إلى 30 متراً ثم تنفجر، مما يسبب موجات قوية وصدمات اهتزازية شديدة كافية لهدم المباني والأنفاق والجسور ذات السماكة المرتفعة، منتجة قوة تدميرية تحاكي زلزالاً بقوة 3.6 درجة، وقد تزيد النسبة وفقاً لحجم القنبلة والمتفجرات في داخلها، ويصل وزنها عادة إلى 10 أطنان وتحتاج إلى طائرات معينة لحملها.
استخدمتها إسرائيل في غزة بهدف تدمير شبكة الأنفاق التابعة لحركة “حماس” وهو ما لم يحدث هذا حتى الآن، خصوصاً أن هذه القنابل تستطيع قصف الأنفاق على عمق 30 متراً فحسب في وقت صممت “حماس” عدة أنفاق على عمق 70 متراً، ولم تدمر إسرائيل غالبية الأنفاق في قطاع غزة على رغم أنها اجتاحت غزة برياً مرات عدة من قبل خلال أعوام متفرقة.
وتم تسجيل اعتماد إسرائيل على القنابل الارتدادية أو الزلزالية التي تعبث بالقشرة الخارجية للأرض من طريق إصدار موجات ارتدادية ضخمة مثل الزلزال، فتتسبب في اهتزاز قوي للمبنى أو النفق المستهدف، وتعبث بأساساته وينهار. هذه القنبلة تطلق من الطائرات الحربية وقد تطلق من الدبابات والمدافع.
(المصدر : كامل جابر – اندبندنت عربية)