فقر من نوع جديد… فهل يكون محاولة لتدمير مُمنهج لثقافة الأسرة اللبنانية؟
صدى وادي التيم-لبنانيات/
يومًا بعد يوم، وبشكلٍ متزايد تتسع هوة الفقر في لبنان وسط الأزمة الاقتصادية الراهنة، مُبتلعة المزيد من اللبنانيين في آتونها، ليغرقوا في “حرمان” متعدد الأبعاد وقيود ثقيلة تطال كل جانب من جوانب حياتهم اليومية وترمي بتأثيراتها الجليّة والخطرة عليهم.
فأصبحت معاناة معظم اللبنانيين اليومية تأمين لقمة عيشهم، وصراعهم من أجل الحصول على أبسط متطلبات الحياة، هذا عدا عن أعداد كبيرة من الشبان والعائلات الذين خاطروا بحياتهم من خلال الهجرة عبر البحر هربًا من الواقع الاجتماعي المزري، باحثين عن بصيص أمل في حياة أفضل، ومنهم من اختار السكوت والرضوخ للأمر الواقع، ومنهم من اختار اتّباع وممارسة ظواهر اجتماعية جديدة خطرة للغاية للهروب من هذا الصراع.
ويكشف تقرير جديد للبنك الدولي حمل عنوان “تقييم وضع الفقر والإنصاف في لبنان 2024: التغلب على أزمة طال أمدها”، ” عن ارتفاع معدل الفقر في لبنان أكثر من ثلاثة أضعاف خلال العقد الماضي إلى 44% من مجموع السكان.
وفي صدد مناشدات كثيرة تدفع بكل من هو في موقع مسؤولية على اتّخاذ الإجراءات والخطوات اللّازمة والإسراع في معالجة هذا الواقع الأليم، علمًا أن تجاهل هذه المخاطر قد يؤدي تلقائيًا إلى انفجار اجتماعي من نوع آخر، أي انفجار على الصعيد الاجتماعي والثقافي للأسرة اللبنانية، لا تحمد عقباها.
فخلف جدران عدد كبير من منازل اللبنانيين قصص لا تعد ولا تحصى عن المعاناة من فقر استشرس في السنوات الأخيرة، تسلل من دون استئذان ليسيطر على حياتهم، فكيف يؤثر الفقر على المستوى الاجتماعي والثقافي للأسرة اللبنانية، ما عواقبه وهل من طوق نجاة؟
من هنا، رأى الخبير المالي والاقتصادي الدكتور أنيس أبو دياب، في حديث لموقع “الأفضل نيوز” أنه ” حتمًا الفقر هو واحدة من أكبر المشكلات التي تواجه المجتمعات بشكلِ عام، كما وأنها تزداد هذه الحالات في مجتمعنا اللبناني بشكل خاص، ربطًا بالأوضاع الاقتصادية المتدهورة والحرب والنزوح السوري وغيرها من الدوافع”، معتبرًا أنه ” بدون أدنى شك الفقر وفعاليته الكبيرة على المستوى الاجتماعي والثقافي له تأثيرات جمّة”.
وتحت عنوان التأثيرات الاجتماعية والثقافية للفقر، بدأ أبو دياب من التعليم، حيث اعتبر أنه “نخبوي، خاصةً التعليم الجامعي كون الجامعات اللّبنانية لا تستطيع أن تستوعب أعدادًا كبيرة من الطلّاب، وبعض الجامعات الخاصة حتّى بمستواها المتدني، تكاليفها مرتفعة جدًا، أمّا بالنسبة للجامعات العريقة لا يستطيع الوصول إليها ما لا يتجاوز عدده ال10 إلى ال15%، وبالتالي، نحن نتكلم هنا عن تفاوت طبقي وتعليمي وتربوي ناتج عن الفقر، ما سيؤثر على الأجيال المقبلة”.
من ناحية أخرى، أوضح أنّ “التأثير الاجتماعي – الطبقي في مستوى التغذية له تأثير كبير أيضًا، بحيث تبديل أنواع الغذاء يأخذ بُعدًا صحيًا، وكما يقول المثل الشهير “العقل السليم في الجسم السليم”، وبالتالي كلما تكاثرت وتراكمت المشاكل الصحية، يؤثر تلقائيًا على المستوى العقلي والثقافي للأفراد داخل أو خارج الأسرة”.
ومن الواضح، بحسب أبو دياب أنّ “هذا الأمر يظهر من خلال تفلت المجتمع لزيادة السرقات وانتشار ظواهر عديدة إلى جانبها لا ننتهي من عدّها، ما ينعكس سلبًا على العلاقات الاجتماعية بين الأفراد داخل الأسرة الواحدة وداخل المجتمعات ككلّ، وكون مجتمعاتنا مُجملها ريفية، وبالتالي، التأثير يكون كبير داخل الأرياف، فهذا التفاوت الطبقي يؤدي إلى مشاكل اجتماعية كبيرة، تساهم في خلق اختلاف داخل الأسر اللبنانية“.
ولم ينكر أنّ “ازدياد نسب الهجرة، من الأسباب التي أدّت إلى تفكك الأسرة، وإلى ظهور مشكلات إضافية، كالتخلّي عن الوطن الأمّ، والملفت أنّه إذا نظرنا إلى معدلات البطالة في لبنان نسبةً للأزمة الاقتصادية القائمة منذ العام 2019، فهو ليس بمرتفع كثيرًا والسبب يعود إلى الهجرة التي ارتفعت نسبها في السنوات الأخيرة”.
وفي ظلّ هذه المشهدية الصعبة، لم يستبعد أبو دياب أن يكون التأخر في سن الزواج وانخفاض عدد الولادات من انعكاسات الفقر داخل الأسرة، ما ينعكس على المستوى الاجتماعي والتفاوت بين الأسر اللبنانية”.
وربطًا بكل تلك المعطيات، اعتبر أنّ “الفقر يؤدي إلى تراجع في الرفاهية لدى الإنسان، وكون الأخيرة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالعديد من المواضيع الثقافية، أي الفنون، القراءة، السينما، المسرح وغيرها، ما يفتح آفاق من الرفاهية التي لا يستطيع الفرد الوصول إليها في يومنا هذا، ما يخلق تأثيرات كبيرة على المستوى الفكري والاجتماعي والثقافي على حدّ سواء”.
وفي الختام، شدّد أبو دياب على أنّ ” كل الدول تمرّ بأزمات وتستطيع الخروج منها، ولكن هذا يحتاج إلى برامج خطط وإلى إدارة سليمة للأزمة وإلى إرادة سياسية جامعة للخروج من جميع ما تعاني منه البلاد، لأنّ المشكلة أنّنا نعيش في أزمة وفي ظلّ أسوأ إدارة لها، علّنا نتفادى خسائر ومشاكل أكبر وأخطر على مجتمعنا وعلى أجيالنا القادمة”، كما أكدّ على “ضرورة انتظام العمل المؤسساتي والعمل الدستوري، للنهوض بما تبقى بالبلاد ومن فيها، كي لا يبقى المواطن غارقًا في دوامة الفقر والعوز والحرمان”.