هل يخسر الموارنة قيادة الجيش!
صدى وادي التيم-لبنانيات/
الإنتقادات التي وجّهها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة الراعي إلى وزارة التربية مطلع الشهر الجاري واتهامه لها بالفساد، لا يمكن ربطها، فقط، بنتائج إمتحانات ثانوية نالَ خلالها الطلاب من غير المسيحيين درجات التفوّق ولم يكن فيها للمسيحيين أي وجود قط، ولا أيضاً بخطاب بكركي الدائم عمّن يتربّص من “الشركاء” بمواقع المسيحيين، إنما ترتبط بما هو أبعد، بما يُهمَس به ويُقال ويتردّد في بكركي حول أن المختارة تعمل منذ فترة على تهيئة ظروف استلام رئيس الأركان لقيادة الجيش.
إذاً، إحتمال فقدان قيادة الجيش، ولو مرحلياً، من يد الموارنة ومن تحت مظلة بكركي وتحوّلها إلى رئاسة الأركان، العائدة عرفاً من حصّة الدروز، هي الرمّانة التي انفجرت في عظة ذات الأحد.
عملياً، مقدّر لهذا الإشتباك أن يرتفع كلما اقتربنا من موعد إحالة قائد الجيش العماد جوزاف عون إلى التقاعد في العاشر من كانون الثاني المقبل، وكلما اقتربنا من احتمالية تسوية وضع رئيس الأركان حسان عودة قانوناً، وإصدار مراسيم الترقية والتعيين بموجب تفاهم سياسي، بحيث يصبح تسلّمه قيادة الجيش ولو مؤقتاً أمراً محسوماً، وكلما برز سعي أو جهد إضافي للمختارة من أجل تأمين مسالك تسوية كهذه، أو كلما رُصد وليد جنبلاط يتنقل بين المقرّات، وكلما خرج أحد نوابه أو وزرائه أو مسؤوليه للحديث أو التطرق إلى هذا الملف.
للحقيقة تتعاظم الخشية لدى الكنيسة ـ وهذا ليس بجديد – وتتزامن مع مؤشرات واحتمالات وأحاديث ونظريات تطرح في سياق “اليوم التالي”، ليس لانتهاء المعركة في الجنوب أو الملحمة في قطاع غزة، بل لما قد يقبل على البلاد مستقبلاً من تغييرات ومتغيّرات في بنية النظام السياسي الحالي، واحتمال خسارة، ليس المسيحيين فقط، بل الموارنة تحديداً، إمتيازات في المواقع لا سيما قيادة الجيش بعدما منيوا بخسارات في الإدارة العامة والمصارف، يقدمونها رغبة منهم أو رغماً عنهم، كثمن للإشتراك في تشكيل تركيبة الدولة التي يُقال إنها سوف تخلف النموذج الحالي المتهاوي منذ العام 2019، والغارق في دوامة عجز لا تقبل إلاّ إجراء “تدخلات جراحية” باتت ضرورية كما يقول “سياسي عتيق”.
على السخن أو على البارد لا خلاف، طالما أن التقدير العام “طابش” نحو احتمالات الخسارة. وفي هذا الصدد تحضر نماذج واقعية غير قابلة للطمس، في حاكمية مصرف لبنان ورئاسة الجمهورية كمواقع قد تنازل عنها المسيحيون ولو بشكلٍ مؤقت إلى غيرهم، من دون أن يؤدي ذلك إلى أي تأثير في المصالح العامة، وتكثر غداً مع احتمال توقّع خسارتين إضافيتين في قيادة الجيش ورئاسة مجلس القضاء الأعلى. كلها مراكز مسيحية تتسرّب من بين أيدي المسيحيين تحت أنظار بكركي العاجزة عن التدخل، وحيث لا يريد أن يسجل البطريرك الراعي على نفسه أنه وفي زمانه خسر المسيحيون المواقع والإمتيازات وربما الدولة، وانكفأوا عن التوظيف والإنخراط فيها، وابتعدوا عن التطوع في دورات الضباط والأسلاك الأمنية وهجروا الإدارة والمراكز، وبات النواب والفعاليات والتيارات والأحزاب والكنيسة وربما بكركي، تنظم الزيارات والجولات وتبحث في المنازل والبيوت والمجالس، عن سبيل لإقناع الناس بالإنخراط بمؤسسات الدولة. ويصبح هذا الكاهن وذاك المسؤول، مسؤولاً ليس عن التبشير الديني أو السياسي، بل عن إيجاد شبان لإقناعهم بالتطوّع في قوى الأمن الداخلي أو أمن الدولة أو الترشح إلى دخول المدرسة الحربية، ويصبح رئيس أحد الأحزاب، مسؤولاً بشكل شخصي عن تأمين العدد المطلوب من المسيحيين “حفاظاً على التوازن”، ويتحول، الشخصيات والمسؤولون ورجال الدين، إلى موظفي تسويق لترويج بضاعة الدولة أمام إبن هذه العائلة أو تلك.
من باب قيادة الجيش إذاً، لا تريد الكنيسة المارونية أن تشكل سابقة. لذلك تمضي إلى دعم بقاء العماد جوزاف عون في موقعه قائداً للجيش ممدداً ولايته، مرةً وثانيةً وثالثة وعاشرة، لا يهم طالما أن الموقع، بالنسبة إليهم، محفوظ مسيحياً.
لا شك أن البطريرك، عبّر وقال وتحدث وأشار، مراراً وتكراراً ومرة بعد مرة، بأنه مستعد لطرق أبواب دول وعواصم لدعم هذا الخيار أو أي خيار آخر يثبّت المسيحيين في مواقعهم. الموضوع لا يرتبط مثلاً بحب الكنيسة وسيدها لجوزاف عون كشخص ولا يرتبط بالإعجاب بأداء أو دور، إنما برغبة جامحة في الحفاظ على الموقع كي يبقى عند المسيحيين حينما تطرح المراكز، في ما بعد، ضمن بازار النسخة الجديدة من الدولة!
تبقى المسألة العالقة في صراعات قادة المسيحيين ومنهم الموارنة، كأحد أسباب الخسارات الدائمة والنزف المستمر والتي، إن استمرت، لها أن تطيح بما بقي من مكتسبات.
إلى هذا الحد، ثمة عمل دؤوب لإقناع الفئة المعترضة الآن، بعدم القبول بانتقال قيادة الجيش، بوصفها آخر القلاع المارونية المسيحية الصامدة والضامنة للوجود المسيحي في الدولة، إلى أي ضابط آخر سواء كان درزياً أم سنياً أو شيعياً أم غير ذلك.
لا مشكلة بالأسماء، وإنما هناك من يذهب إلى أقصى اليمين من خصوم قائد الجيش، مدعياً بأنه لم يعد من مشكلة حتى ببقاء القائد في موقعه طالما أن ذلك يشكل الضمانة للحفاظ على الموقع.
ما يزعج الآن الكنيسة والأحزاب والتيارات والشخصيات والفعاليات وغيرها، أن “المختارة” وفي لحظة انعدام الوزن السياسي للمسيحيين في البلاد، تتقدم صوب دعم خيار انتقال قيادة الجيش إلى رئاسة الأركان وتدعم تسوية الوضع من ضمن تفاهم معين عبر وصفة حل تقدّمها الحكومة من خلال نشر المراسيم الثلاثة في الجريدة الرسمية، رغم أن جنبلاط شخصياً ينفي هذه التهمة عنه، ويردد أنه لا يقود مسعى كهذا، ويقول إنه ليس راغباً في الموقع ولا المسؤولية، ولا خيار لديه في أن تذهب إلى ضابط محسوب عليه، رغم أن حركة وأسلوب وأداء بعض نوابه ووزرائه ومنهم وائل أبو فاعور وظهوره التلفزيوني المستمر، وجيش البيانات، ينفي أو يدحض كل ما تقدم.
ثمة من يدعي أنه في ظل اللحظة الحساسة الآن، وفي غمرة التحولات السياسية الجارية، قد يعدّل “حزب الله” في خياراته، بوصفه أحد اللاعبين المؤثرين في السياسة الداخلية، فلا يعود قابلاً تمرير التمديد وإنما داعماً لاستلام رئيس الأركان، متى كان خيار الغالبية الساحقة بعدم إجراء هذه الحكومة لتعيينات إدارية أو أمنية، على قاعدة تسليف جنبلاط موقفاً، إستجابةً لمواقف سبق أن سلّفها جنبلاط نفسه للمقاومة لغاية انغماسه في دعمها في المعركة الجارية.
المصدر: ليبانون ديبايت- عبدالله قمح