الإعلام المناطقي في لبنان: الأقرب إلى الجمهور والأخطر على العاملين فيه

صدى وادي التيم-لبنانيات/

“إنه الإعلام الذي يُعبّر عن أوجاع الناس، أو انجازاتهم المهمشة أحيانًا كثيرة في وسائل الاعلام العام”، بهذه العبارات يصف الصحافي زياد الشّوفي الإعلام المناطقي، مشيرًا إلى أنه من جهة آخرى قد يحد هذا النوع من الإعلام من هامش الحرية، ويَصعُب على الصّحافيّ فيه انتقاد أبناء منطقته.

والإعلام المناطقي هو نوع من الإعلام يستهدف شريحة معينة من الجمهور بحسب البقعة الجغرافية، إذ يتم تقسيم المجتمعات في علوم الإعلام إلى نوعين، إما المجتمع بحسب الاهتمامات، أو المجتمع الجغرافي، حيث يعتبر الإعلام المناطقي هو الإعلام المتخصص في النوع الثاني منه.

يُعترف بالإعلام المناطقي دوليًا وعالميًا، باسم “Hyper- Local Media”، ويتعزز وجوده أكثر مع تطور العصر الرقمي، حيث أصبحت المنصات المتخصصة، والمناطقية منها، تعد ولا تحصى.

ولأهميته، تُخصص المنصات الرقمية العالمية مثل غوغل وميتا، منحًا مالية لدعم الإعلام المحلي والمناطقي تحديدًا، بالإضافة إلى تقديم دورات تدريبية للصحافيين المناطقيين، على كيفية تغطية الأحداث والتحقق منها، من خلال مبادرة غوغل Google News Initiative، وبرنامج Meta التدريبي The Meta Journalism Project Accelerator Program، إذ تعتبر ميتا، أن الصحافي المناطقي هو من يساعدها على معرفة الحقيقة في مختلف المناطق حول العالم. بالإضافة إلى الخاصية التي تتميز بها Meta وهي استهداف الجمهور، ومنها الاستهداف المناطقي، أو ما يعرف بالـ Targeting. وما يميز هذا النوع من الإعلام قدرته على معرفة جمهوره بعمق، وفهم طبيعته ومختلف خصائصه، اهتماماته والمشاكل التي يعاني منها. وفي دراسة ماجستير تم إعدادها في الجامعة اللبنانية “كلية الاعلام” بعنوان: “الإعلام المناطقي ودوره في جذب الاستثمار الاغترابي إلى لبنان” في العام 2021، ظهر أن الإعلام المناطقي هو الأدق والأسرع في نقل الأخبار والأحداث من الاعلام المحلي أو الممتد على صعيد الوطن، وذلك لقرب العاملين به من الناس، جغرافيًا ومعنويًا، إذ عادة ما يكون الصحافيون القيمون على هذا النوع من الإعلام هم أبناء المنطقة الجغرافية نفسها ويعيشون بين أبنائها، كما تشير الدراسة إلى أن استهداف بقعة جغرافية محددة إعلاميًا، يمنح الاعلام قدرة أعلى على الفعالية والتأثير في الجمهور. كما كشفت الدراسة أن نسبة تفوق الـ 70 بالمئة من الجمهور يتأثرون ويتفاعلون مع الأخبار التي تعني منطقتهم، أكثر من أخبار لبنان بشكل عام.

وفي المقابل، فإن قرب الصحافيين المناطقيين من الجمهور، يشكل أيضًا قربهم من الخطر، إذ يواجه هذا الإعلام تحديات كثيرة، على رأسها السياسية، لا سيما في البيئة اللبنانية، حيث أن كل منطقة جغرافية تُحسب على جهة معينة، ليضاف التحدي الطائفي أو المذهبي على لائحة التحديات التي يواجهها الصحافي المناطقي، حيثُ تمارس عليه الكثير من الضغوط أحيانًا لطمس الحقائق، أو ملفات الفساد، وقد لا تكون الضغوطات سياسية فحسب، بل مجتمعية وحتى عائلية، وقد يصل الخطر إلى التعرض للسلامة الشخصية، لا سيما وأن هذا الصحافي هو ابن المنطقة ويعيش بين أفراد مجتمعه. هذا فضلًا عن التحدي المالي، والذي يعاني منه القطاع الإعلامي بشكل عام.

الأقرب إلى الجمهور!

يتفق معظم الصحافيون المناطقيون أن ما يميّز الإعلام المناطقي هو السرعة والدقة في نقل الخبر، كونه الأقرب إلى الجمهور. ولقد أجرى موقع “بشوفك” مقابلات مع صحافيين ورؤساء تحرير مواقع إلكترونية مناطقية، لاستطلاع آرائهم حول مميزات الإعلام المناطقي والأسباب التي دفعتهم للعمل في هذا النوع من الإعلام.

يكشف الصحافي زياد الشّوفي (مؤسس ورئيس تحرير موقع “صدى وادي التّيم”، الذي يغطي قرى قضاء حاصبيا والجوار)، والعامل في مجال الصّحافة منذ أكثر من عشرين عامًا، أن ما دفعه لتأسيس الموقع هو ملاحظة التّهميش الحاصل من قبل وسائل الإعلام العام للأخبار المناطقيّة، على الرّغم من وجود طاقات ومتفوّقين ومبدعين في مجالات عدّة يستحقّون الحديث عنهم وإلقاء الضّوء على إنجازاتهم، مشيرًا إلى أن عمل الإعلام المناطقي يتجلّى في التّعبير عن وجع الناس أيضًا، لقربه منهم.

وبدورها الصحافية خديجة الحجار مؤسسة ورئيسة تحرير موقع “صدى الإقليم”، والذي يغطي قرى إقليم الخروب – الشوف، تقول بأن ما جعلها ترغب في هذا النوع من الإعلام هو محبّتها لمنطقتها ومعرفتها بكافة تفاصيلها وأخبار أهلها، لذلك فهي قادرة على نقل الخبر بدقّةٍ وسرعة، على عكس الإعلام المحّليّ والتّقليديّ وشاشات التّلفزة، وبالنسبة للحجار، فإن الإعلام المناطقي هو “رقم واحد” وحتّى قبل الاعلام العام.

ومن مميزات الإعلام البديل ومنه الإعلام المناطقي، ما أظهرته دراسة عن منصات الإعلام البديل في لبنان لمؤسسة مهارات عام 2020، والتي تؤكد بأنه يوجد العشرات من وسائل الإعلام البديل في لبنان، وقد ظهر الكثير منها بعد أحداث بارزة مثل ثورة 17 تشرين الأول.

بشكل عام، لا يثق المجتمع المحلي في لبنان، سواء مواطنين أم لاجئين، في الإعلام التقليدي، معتمدين على هذه المنصات البديلة. إحدى المزايا التي يذكرها معظم المستخدمين هي الوصول السريع على مستويين، الأول عند حدوث أي حادث عادة ما توفر وسائل الإعلام البديل تغطية حيّة أسرع من وسائل الإعلام التقليدية، الثاني عندما يبحث شخص ما عن موضوع معين، فإن المنصات البديلة مثل صفحات “اكس” وفايسبوك تسمح له باجراء بحث محدد وسريع.

وفي السياق يعتبر الصحافي جورج سعادة، مؤسس ورئيس تحرير موقع “قضاء جبيل”، أن الإعلام المناطقي هو الأصدق في نقل الخبر لأنّه الأقرب إلى الجمهور، والأخبر بأوضاع المنطقة وأحوال أبنائها وتطلّعاتهم.

أدوار متنوعة

يلعب الإعلام المناطقي، أدوارًا متعددة، فلا يقتصر دوره في التوجه لأهل المنطقة فحسب، بل يشكل جسر التواصل بينها وبين الخارج أيضًا، ويساهم بإنمائها، انسانيًا واجتماعيًا واقتصاديًا.

ويقول الصحافي زياد الشوفي، إن هذا الإعلام يلعب دورًا أساسيًّا على صعيد السياحة الدّاخليّة، فيُبرز مكامن الجمال في المنطقة من أماكن أثريّة وطبيعيّة، الأمر الّذي يُرد بنتائجه على تنشيط العجلة الإقتصاديّة. كما تحدث الشوفي مؤسس موقع “صدى وادي التّيم” عن الدور الإنساني للموقع، من خلال تبني حالة إنسانية لمساعدتها بشكل أسبوعي، والدعوات إلى التبرع.

وفي أدوار الاعلام المناطقي أيضًا، يشرح جورج سعادة، أن الإعلام المناطقي يُساهم في النهضة الثقافية والإجتماعية وفي الإنماء الإقتصاديّ، لأنّه يسلط الضوء على العديد من النشاطات المناطقيّة المغيّبة من قبل الاعلام العام. بينما شددت خديجة الحجار على الدور التوعوي الذي يقوم به الإعلام المناطقي، إلى جانب الثقافي والإنساني، خصوصًا عند نقل الخبر بكلّ موضوعيّة وشفافيّة.

وعن هذه الأدوار وبحسب دراسة مهارات يتضح أنه مع الأزمة الاجتماعية والاقتصادية الأخيرة التي تواجه البلاد والأزمات التي يعانيها قطاع الإعلام التقليدي، سعت الجهات الفاعلة في المجتمع المدني مع الناشطين الإعلاميين بشكل متزايد إلى توفير بدائل للإعلام السائد التقليدي مما يوفر بديلا عن التحيّز في كثير من الأحيان بطريقة طرح الأخبار والمعلومات. ويعمل هؤلاء الصحافيون عبر الإنترنت على إنشاء أشكال بديلة من الممارسات الإعلامية التي يُنظر إليها على أنها ضرورية لبقاء المؤسسات الديمقراطية في لبنان والمنطقة.

تحديات تواجه الإعلام المناطقي

يكثر الحديث عن التحديات في عمل الإعلام المناطقي، وعلى الرغم من تخصصه في موقع جغرافي محدد، إلا أن تحدياته كثيرة، لا سيما في بلد مثل لبنان، بتعدّديته السياسية والطائفية، ويمكن تقسيم هذه التحديات بشكل رئيسي إلى: سياسية، اجتماعية، ومادية.

ويتطرق الصحافي زياد الشّوفي، إلى التحدي الأول والأساسي، وهو تعزيز وجود الإعلام المناطقي، وتمكينه، والاعتراف به، من قبل الدولة ووسائل الإعلام المحلية الواسعة الانتشار، مؤكدًا على أن الكثير من التقارير المصورة والفيديوهات، التي يتمّ عرضها على الشّاشات، تكون من تصوير المواقع الإعلاميّة المناطقيّة، ولا يتمّ ذكر المصدر أو الإعتراف بعملها.

وبحسب دراسة مهارات تواجه وسائل الإعلام البديل في لبنان خوفًا من الرقابة والقمع والقيود المفروضة على حرية تعبير الجهات الإعلامية، إضافة إلى ذلك، يعاني البعض من نقص التمويل إذ لا يوجد لديهم مصادر تمويل مستدامة، وتفتقر مثل هذه الوسائل إلى القدرة المالية لطلب الدعم القانوني والتقني ومأسسة عملها.

ضمانات صحافية!

على صعيد التحديات السياسة، أكد الصحافيون المستطلعون جميعًا أنهم يعانون منها، فتحدث الصحافي جورج سعادة عن تعرّضه لضغوطات سياسيّة واجتماعيّة إنْ على الصعيد الفرديّ أو على صعيد الموقع ككلّ، بينما تطرقت الصحافية خديجة الحجار لموضوع الضغط النفسي الذي يعيشه الصحافي/ة المناطقي/ة حيث يصل في بعض الأحيان إلى حدّ التّهديد خصوصًا على وسائل التّواصل الاجتماعي.

ولمعرفة وجهة نظر النواب والمشرعين، حول الإعلام المناطقي، وموقفهم من هذا النوع من الإعلام، تواصل موقع بِشوفك مع عضو اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة الإدارة والعدل، والمكلفة درس اقتراح قانون الإعلام الجديد النائب فراس حمدان، وتم عرض التحديات التي يواجهها الصحافي المناطقي، لا سيما في حال تطرقه لأي ملف يطال الجهات السياسية أو الحزبية في منطقة عمله.

وأعرب حمدان عن أهمية وضرورة إعطاء ضمانات وحصانات لصحافيي المنصات الإعلامية والإعلام المناطقي، وأضاف أنّ الحصانة لا يمكن أن تُعطى لصحافيين دون غيرهم، وذلك انطلاقًا من القواعد التشريعية في المجلس النيابي الّتي تتميّز بموضوعيّتها وتجرّدها، وإلّا تفقد طابعها الشّموليّ.

واعتبر حمدان، أن الإعلام المناطقي هو “من أخطر الأعمال الإعلامية”. وأكّد أنه يحاول جاهدًا في طروحاته أمام اللجنة، أن يُشمل صحافيي الإعلام المناطقي مع الفئات الإعلامية والصحافية الأخرى، موضحًا أن هذا الموضوع لن يحتل توجهات المشرعين في المجلس النيابي في الوقت الحالي.

الأزمة في التمويل؟

يبقى التحدي المالي، هو الحاجز الأكبر أمام المواقع الاعلامية بشكل عام، فكيف إذا كانت مناطقية، فتصبح مقومات الصمود والاستمرارية أصعب بكثير، ويكون المعلن هو مصدر التمويل الوحيد، في وقت تتنافس المواقع، مع المنصات الرقمية العالمية، في موضوع التسويق والإعلان.

يقول الصحافي زياد الشّوفي، بأنّ هناك بعض المواقع المناطقية مدعومة سياسيًّا، أمّا المواقع المحايدة، كموقع “صدى وادي التّيم” فهي تعاني من أزمة ماليّة، مشيرًا إلى أنه رفض جميع العروض المقدّمة من الأحزاب، واكتفى بقوله: “نحن للجميع”، موضحًا أن الموارد المالية بالكاد تغطّي بعض التّكاليف، ويقتصر التمويل على الإعلانات الّتي تُعرض على صفحات الموقع على وسائل التواصل الاجتماعي، معتبرًا أنه من واجب الدّولة مساعدة هذه المواقع وتمويلها.

وحول التحديات المالية يؤكد جورج سعادة أنّ التّمويل هو التّحدّي الأكبر لضمان استمرارية العمل والمحافظة على حيادية الموقع وموضوعيّته، وعدم الإنحياز إلى أيّ جهّة أو طرفٍ سياسيّ، مشيرًا إلى أنه لا بدّ أن يكون هناك شفافيّة ماليّة للمواقع، تتجلّى في التّصريح عن المصاريف والمداخيل.

وانطلاقًا من هذه التحديات الكبيرة يطالب الصحافيون المناطقيون بقوانين تضمن لهم حرية الرأي والتعبير.

كما طالبوا بسن قوانين تؤمّن الحصانة والحماية للصحافي، وتعطي أهميّة أكبر للإعلام المناطقي، كما شددوا على أهمية حصول المواقع على علم وخبر وتسجيلها بشكل قانوني، وتحت إدارة وإشراف أصحاب الاختصاص.

شارك في إعداد هذا التقرير: بيان العلي – فرح الحسنية – غيدا الصايغ – حنبن كوكاش – رنيم غانم – ريبال أبو علي – بشوفك

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى