أشجار زيتون جنوب لبنان المعمرة تخوض حرب الصمود
صدى وادب التيم-لبنانيات/
منذ نحو ثلاثة أشهر نالت علامة تجارية لبنانية ثلاث جوائز عالمية لجودة زيت الزيتون المنتج محلياً في منطقة عبرا في قضاء صيدا (جنوب لبنان)، بعدما صنف أخيراً ضمن قائمة أفضل 100 منتج حول العالم، وهي جائزة مسابقة NYIOOC العالمية لجودة زيت الزيتون، التي تقام في ولاية نيويورك، وفي مسابقة EVOOLEUM لأفضل 100 زيت زيتون بكر ممتاز حول العالم والمنظمة في قرطبة الإسبانية، إلى جانب OLIVE JAPAN وهي المسابقة الدولية لزيت الزيتون البكر في اليابان.
وكانت هذه العلامة المنتجة في بلدة دير ميماس بجنوب لبنان أتت على رأس لائحة أفضل زيوت الزيتون في العالم، ونال أصحابها الميدالية الذهبية لـ”أفضل زيت زيتون لعام 2023″، وهي جائزة تتمتع بموثوقية عالية عالمياً.
إسرائيل أحرقت 50 ألف زيتونة معمرة
وفي وقت يحصد فيه زيتون جنوب لبنان الجوائز التقديرية ويعرفه العالم لجودته العالية، ويصنف بين أفضل أنواع الزيت في العالم، يمعن الجيش الإسرائيلي في إحراق مساحات شاسعة من بساتين الجنوب التي تشكل مصدراً أساساً لحياة السكان المحليين في أكثر من 35 بلدة وقرية تتعرض يومياً للقصف بالقذائف الفوسفورية الحارقة المحرمة دولياً، ناهيك عن غارات الطيران الحربي الذي أتى على أكثر من 50 ألف شجرة زيتون معمرة، بحسب تقدير وزارة الزراعة اللبنانية.
ففي وقت سابق اتهم وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية عباس الحاج حسن إسرائيل بتعمد إحراق مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية في الجنوب تقدر بآلاف الهكتارات.
وأفاد الوزير بأن “الحكومة اللبنانية أبلغت الأمم المتحدة بما تكبده لبنان من خسائر في القطاع الزراعي جراء القصف الإسرائيلي الذي شمل إحراق 50 ألف شجرة زيتون، منها معمر لمدد تصل إلى 250 و300 سنة، ومن الصعب تعويض الناس الذين تربوا تحت هذا الزيتون وأهلهم كذلك وأجدادهم وأمواتهم، بالتالي الأمر أكثر من موضوع اقتصادي، هو موضوع اجتماعي وتاريخي بحت”.
وأكد الحاج حسن أن الإحصاء الدقيق لحجم الخسائر غير ممكن حالياً بسبب تواصل القصف الإسرائيلي، وأضاف “هي حرب همجية بامتياز، لا يمكن حتى الآن تقدير الأضرار بسبب استمرار القصف، فنحن مهددون في أرواحنا، في أرواح موظفينا والعاملين على الأرض بالجنوب اللبناني، وبالتالي عملية المسح لم تتم من بعد”، مشيراً إلى أن “تقديراتنا الأولية أن هناك آلاف الهكتارات أحرقت بالكامل نتيجة القصف باستخدام الفوسفور المحرم دولياً، وإسرائيل تقصف فقط لأنها تريد إحراق هذه المساحات، فهي تعتقد بأن إحراقها يعني وجود حزام غير أخضر وبالتالي مكشوف”.
قلق حول مواسم الجنوب
ترفع صاحبة العلامة التي نالت الجوائز العالمية، روز بشارة، ابنة دير ميماس، ومن ضمنها الميدالية الذهبية لـ”أفضل زيت زيتون لعام 2023″ جرت في مسابقة NYIOOC العالمية لجودة زيت الزيتون، بمشاركة أكثر من ألف علامة زيت زيتون من 28 بلداً حول العالم، الصرخة حول ما يحصل بأشجار الزيتون في الجنوب، وتؤكد “من الطبيعي أن نخاف مما يحصل في الجنوب، من هذه الحرب المستمرة منذ 10 أشهر، لكن ما يجعلنا نطمئن بعض الشيء أن دير ميماس ليست ضمن المناطق الخطرة التي تتعرض للقصف اليومي، نعم تعرضت بعض أطرافها لقصف محدود، لكن هذا القصف لم ينل من وسطها السكني، ونتمنى ألا تتطور الأمور أكثر من ذلك”.
وتضيف أن “الزيتون اليوم سليم ونظيف وغني بحمله، تبقى نسبة الخطر عند القطاف، وهذا ما لا يمكن التكهن به، بما سيكون عليه الوضع الأمني والسياسي عندما يحين الموعد، أنا أعمل مع المزارعين ولست لوحدي، فأنا أتعاقد مع أصحاب بساتين الزيتون المعمرة والمؤصلة. نحن بحاجة إلى أن نقطف، فالمزارع هنا يعيش من الزيتون وزيت الزيتون، وهي عصب الحياة في قريتنا، وإذا لم يستطع المزارع قطف موسمه يمكن القول إن كارثة اقتصادية ستحل على المجتمع والمزارعين، لا سيما وأنهم تكبدوا كلفاً كثيرة في رعايتهم واهتمامهم بأراضيهم وتحضير الموسم، منها الحرث والفلاحة وإزالة الأعشاب حفاظاً على الأشجار ومنع اشتعال الحرائق فيها”.
وفي وقت تتحضر فيه مواسم الزيتون إلى دنو موعد قطافها للمشاركة في التنافس العالمي حول الجودة، ثمة قلق يراود مزارعي دير ميماس، على رغم من أن بلدتهم بعيدة نوعاً ما من الاستهداف المباشر كما يحصل لجاراتها كفركلا والعديسة والخيام وبرج الملوك ومجرى نهر الليطاني.
زيتون معمر لزيت عالي الجودة
وحول نجاح زيتون دير ميماس في حصد الجوائز والاهتمام العالمي تتحدث بشارة عن شروط عدة “منها بالدرجة الأولى أن زيتوننا معماري (معمر) متوسط عمره يبلغ 600 عام، والأرض والمناخ مناسبان كثيراً لنمو الزيتون، لكنهما ليسا السببين الأوحدين لهذه النوعية من الزيت، هي تأتي من الطريقة التي نعمل بها، من القطاف المبكر إلى كل تفاصيل طريقة”. وتضيف “زيتون دير ميماس لا يعصر بطرق تقليدية، بل نعمد إلى قطف حبات الزيتون باكراً جداً في مرحلة تسمى ’الخضير‘، ثم يجري تعريبه وعصره من دون مياه ومن دون حرارة، ومن ثم تتم تصفيته وتنقيته. إن هذه الإجراءات والشروط مجتمعة تؤدي إلى الحصول على زيت زيتون بجودة عالية جداً تقل نسبة الأسيد فيها عن 0.5 في المئة ويجعل علامتنا موجودة في 15 بلداً في العالم من ضمنها لبنان”.
وتؤكد بشارة السعي إلى المشاركة مجدداً في المسابقات العالمية لجودة الزيت رغم الخطر الحقيقي خلال قطف الموسم المقبل إن استمرت المعارك، وتقول “يجب أن نقطف موسمنا أولاً، وهذا يحتاج إلى هدوء البال وأن تنتهي الحرب بأسرع وقت ممكن، لأننا تعبنا ولم يعد لدينا جلد على استمرار هذه الأوضاع”.
وتنتشر بساتين الزيتون في مختلف أنحاء دير ميماس، وصولاً إلى ضفاف نهر الليطاني الذي يعبر على طول مساحتها الغربية باتجاه الطيبة ونزولاً نحو البحر، وتتمتع القرية بطبيعة أرض تنحدر بشكل تلقائي يبدأ من ارتفاع يصل إلى حدود 580 متراً عن سطح البحر من الجنوب، ثم يتدرج نحو الشمال والشرق والغرب، إذ تتكاثف أكثر من 150 ألف شجرة زيتون معمرة، يستخدم نحو 70 في المئة من إنتاجها في استخراج الزيت، ويعتاش نحو 95 في المئة من سكانها المزارعين من زراعة الزيتون التي تشكل لهم عصب الحياة.
حرائق القصف تلتهم البساتين
وتعرضت بتاريخ الـ12 من يوليو (تموز) الجاري أطراف بلدة دير ميماس (محلة القصيبة على مجرى نهر الليطاني) لقصف فوسفوري، مما تسبب في اندلاع النيران في المكان. ويؤكد رئيس البلدية الطبيب جورج نكد تعرض “بلدتنا للقصف أكثر من مرة مما أدى إلى اشتعال حرائق مختلفة في بساتين الزيتون وأحرج السنديان، وأصابت الحرائق الزيتون المعمر القريب من النهر تحت العزية وقضت على نحو 20 دونماً من الزيتون المعمر وأشجار السنديان”.
ويعتبر نكد أن موسم الزيتون لهذه السنة “في دائرة الخطر إذا ما استمرت الحرب وهذا القصف العشوائي الذي يستهدف حقولنا، ستكون مشكلة في عملية قطاف الزيتون إذا ما تعرض إلى مزيد من الحرائق والقصف، ناهيك بحقولنا في محلة هورا المتصلة بأراضي بلدة كفركلا التي تتعرض لقصف يومي وتدمير”. ويشير نكد إلى أن الخطر “لا يكمن في عملية قطاف الموسم، بل في حركة التنقل وكيفية الوصول إلى البساتين، ففي البلدة أماكن وأحياء لا يمكن الوصول إليها في الوقت الحالي بسبب الحرب والقصف، وبعضها يحتوي على مساحات واسعة من الزيتون المعمر”.
في موعد قطاف الزيتون الماضي كانت الحرب في ذروتها، وتعرضت بلدة كفرشوبا المترامية الأطراف التي ترتفع بين 1200 و1500 متر عن سطح البحر والقريبة من مزارع شبعا، لغارات كثيفة وقصف مدفعي مركز لم يسمح لأهالي البلدة، وجلهم من المزارعين، من قطاف ما نسبته 30 في المئة من محصولهم السنوي الذي يعتمد على أكثر من 80 ألف شجرة زيتون، منها آلاف الزيتونات المعمرة، تعيش من إنتاجها أكثر من 300 عائلة، فضلاً عن مواسم الكرز والخوخ والدراق وأشجار الفاكهة الأخرى، التي خسروا موسمها كاملاً هذه السنة ولم يتمكنوا من الوصول إليها بأي شكل من الأشكال.
ويبدي المزارع خيرالله عبدالعال من كفرشوبا قلقه من استمرار الحرب إلى موعد قطاف الزيتون بين أواخر سبتمبر (أيلول) ومطلع أكتوبر المقبلين، “ونكون بذلك على أبواب خسارة أخرى في موسم الزيتون والزيت تضاف إلى خسائر العام الماضي، إذ تجاوزت 80 و90 في المئة، وأنا واحد منهم، إذ إنني ألتزم قطاف مجموعة من البساتين ويفوق إنتاجي السنوي من الزيت 50 و60 تنكة، وكنت أعتقد أنني سأقطف الموسم الماضي وكانت النتيجة صفر، لم أحصل على تنكة واحدة وكانت خسارتي في الزيت لوحده تتجاوز 5 آلاف دولار”. ويضيف “هذه خسارتنا فقط في موسم الزيتون، أنا عندي بستان كرز يحتوي على أكثر من 600 شجرة لم أقطف حبة واحدة عنها، يضاف إليها أشجار فواكه أخرى، الوضع كارثي وجل ما نتمناه أن تتوقف الحرب قبل قدوم موسم قطاف الزيتون حتى نعوض شيئاً بسيطاً من خسائرنا التي باتت كبيرة ولا تحصى”.
الموسم الثاني في الخطر
ويشير إلى أنه في الموسم الماضي “نزح أبناء البلدة تحت وابل القصف وتركوا حبات الزيتون على أمها (على الشجرة)، ومن استطاع أن يقطف كميات قليلة فمن الحقول القريبة من المنازل ولم تسد ربع ما كان ينتجه في السابق، إذ إن أقل بيت في كفرشوبا لديه إنتاج زيت يتجاوز 40 تنكة، ويصل إنتاج بعض العائلات إلى أكثر من 200 تنكة، ومتوسط سعر التنكة لا يقل عن 100 دولار، أي أن خسارته تتجاوز 20 ألف دولار، كان يصرفها على عياله وتعليمهم وتطوير حياته”. ويقول المزارع اللبناني إن “هناك عدداً من بساتين الزيتون تعرضت للقصف، وبعضها بالقذائف الفوسفورية والحارقة، مما أدى إلى اشتعال النيران فيها وقضى على مساحات تجاوزت 40 دونماً، ومعظمها من الزيتون الذي يفوق عمره 50 و60 سنة”.
وإلى جانب محاصيل كفرشوبا من مواسم الزيتون والزيت تنتج قرى حاصبيا، ومنها كفرحمام والهبارية وراشيا الفخار وشبعا، كميات هائلة من زيت الزيتون الموصوف بنوعيته العالية الجودة والمرغوبة التي ترفد المطاعم والأسواق المحلية اللبنانية على مساحة الوطن بأكمله، فيما يستغل قسم من الزيت، لا سيما الزيت العتيق، في صناعة الصابون البلدي الذي تفوق أسعاره أسعار صابون الأسواق بأضعاف مضاعفة.
وما ينطبق على خسائر مزارعي كفرشوبا وحاصبيا ينطبق على مزارعي أقضية مرجعيون وبنت جبيل والنبطية وصور، خصوصاً في القرى المتقدمة والحدودية التي تتعرض يومياً لقصف عنيف دمر فيها نسباً عالية ومرتفعة من البيوت والوحدات السكنية والمؤسسات التجارية والصناعية. وتتشكل حياة أهلها ومعايشهم من الزراعة بدرجة أولى، ومنها زراعة الزيتون ومنتوج الزيت. كما تعيش من هذا الموسم آلاف العائلات السورية التي كانت تنتشر في هذه البلدات والقرى الواقعة تحت نيران الحرب، وكانت في السنوات الأخيرة تشكل العصب الأول لقطاف مواسم الزيتون في مختلف المناطق الجنوبية.
خطر الفوسفور على المواسم
وحذرت جمعيات بيئية ومنظمات محلية وعالمية، ومنها جمعية “الجنوبيون الخضر” من استخدام قنابل الفوسفور الأبيض “المحظورة ضد المواقع المدنية والبيئية في لبنان”، منبهة إلى “خطر كارثة بيئية كبيرة في حال استمرار هذه الانتهاكات الإسرائيلية والصمت حيالها”.
وأشارت إلى أن القصف استهدف بشكل أساس ومتعمد مناطق مدنية وكذلك مناطق حرجية وزراعية مفتوحة، “وهو ما أدى إلى اشتعال الحرائق في عدد منها، كما أدى إلى تلويث تلك المواقع بالفوسفور الأبيض، وهو ما يحمل أخطاراً عدة على الأهالي كما على البيئة والحياة البرية”.
ويحمل الفوسفور الأبيض آثاراً مدمرة في المناطق الزراعية المستهدفة، إذ يؤدي إلى إشتعال الحرائق في المحاصيل وتدمير المواسم، إضافة إلى تلويث التربة، مما يجعلها غير صالحة للزراعة لفترة قد تطول بحسب مستوى ودرجة التعرض والتلوث، وهو ما يستدعي معالجة معقدة ومكلفة، ويمكن للمخلفات السامة في التربة أن تؤثر في نمو المحاصيل.
وكانت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أكدت في تقرير نشرته في الـ12 من أكتوبر 2023 “استخدام إسرائيل للقنابل الفوسفورية، من دون أن يدفع ذلك المنظمات الدولية إلى اتخاذ أي موقف أو إجراء فعال لوقف الانتهاكات من القوات الإسرائيلية”.
لبنان وزيت الزيتون
بحسب منظمة الأغذية العالمية احتل لبنان المرتبة الـ15 بين أكبر منتجي زيت الزيتون في عام 2018، بحيث بلغت حصته 0.5 في المئة من الإنتاج العالمي، ويستورد أكثر من 70 بلداً زيت الزيتون اللبناني، في طليعتها الولايات المتحدة والسعودية والكويت وفنزويلا وكندا.
وتحتل منطقة شمال لبنان المرتبة الأولى من حيث إنتاج زيت الزيتون بنسبة 41 في المئة، تليها منطقة النبطية بـ21 في المئة من إجمالي الإنتاج، و15 في المئة في الجنوب، و13 في المئة في البقاع، و10 في المئة في جبل لبنان.
المصدر: كامل جابر-اندبندنت