يوميات القرى الحدودية: دكّان حولا يبيع للجيش… والأبقار ترعى وحدها
صدى وادي التيم-لبنانيات/
باتت الحياة اليومية في القرى الأمامية شبه معدومة. فقرى مثل حولا, كفركلا, ميس الجبل وعيتا الشعب وغيرها, لم تعد تُرصَد فيها حركة اجتماعية أو اقتصادية, فالمحال التجارية مقفلة بشكل تام, ما خلا بعض المحال التي تبيع المواد الغذائية. وكما محال المواد الغذائية, كذلك الصيدليات, إذ دُمِّرَ جزء كبير منها, وما نجا من القصف, فضَّلَ أصحابها عدم المخاطرة وفتح الأبواب خوفاً من الاستهداف الإسرائيلي. وعدد قليل جداً من الصيدليات تُفتَح أبوابها سريعاً لتلبية طلبات مستَعجلة.
وإن كان معظم أهالي المناطق الحدودية قد غادروا قراهم, فإن مَن قرَّرَ البقاء فيها يحاول تأمين قوته بالاعتماد على بعض أبناء القرى الذين يتمكّنون من العودة إليها خلسة لتفقُّد المنازل أو دفن الموتى, وكذلك بالاعتماد على المسعفين الذين يتنقّلون بسيارات الإسعاف بين المناطق الداخلية والحدودية. فكيف تنقضي أوقات مَن قرّروا البقاء في قراهم؟.
دكّان حولا يبيع للجيش
لا يتجاوز عدد الأشخاص الذين قرّروا البقاء في بلدة حولا, أصابع اليد. من بينهم صادق قطيش الذي بقي للقيام ببعض الأعمال المتعلّقة بدفن الموتى. يشير قطيش في حديث لـ”المدن”, إلى أن الحياة اليومية في البلدة تقتصر على “القيام بالأعمال الروتينية في البيوت وحولها ولا يمكن التجوّل بحرية داخل أحياء القرية خوفاً من القصف في أي لحظة”. على أن أهم حركة في القرية هي باتجاه “الدكان الوحيد الذي لا يزال يبيع بعض المواد الغذائية”.
بالتوازي, لا تستطيع سنيّة قطيش, صاحبة الدكّان, تأمين المواد الغذائية بسهولة, فيبقى دكّانها شبه فارغ, إلاّ من بعض المواد الضرورية. فتقول في حديث لـ”المدن”, أن بعض الشبّان “يأتون بالمواد الغذائية المطلوبة من القرى المجاورة, وخصوصاً من بلدة شقرا”. الزبائن الأساسيون للدكان هم “أفراد الجيش اللبناني الذين يتوزّعون بين مركز في بلدة مركبا وآخر في بلدة ميس الجبل”. ومع أن حركة البيع قليلة, لكنّها تؤمِّن ما تحتاجه سنيّة التي تشير إلى أن “جنود الجيش يطلبون بعض الأصناف, وأطلبها أنا من الأشخاص الذين أتواصل معهم وأعرف أنهم قد يقصدون البلدة قريباً”. وتكتفي سنيّة بمدخولها القليل ولا تفكِّر بمغادرة القرية “حتى لو اشتدّت وتيرة القصف”.
إلى جانب سنيّة التي حسمت قرارها بالبقاء, يجد خيرالله يعقوب نفسه مضطراً لعدم ترك القرية أيضاً. فمنذ اندلاع الحرب, لم يجد مفرّاً من التفكير بأبقاره الـ15 التي يعتاش منها. يوميات خيرالله عبارة عن روتين “لا يمكن تغييره. فالخطر كبير”. التجوّل في القرية مستحيل ولذلك “الخروج لرعي الأبقار يعرّضها ويعرّضني للخطر”, وفق ما يقوله لـ”المدن”. أما الحلّ فهو “إخراجها وحيدة إلى البرية فترعى وتعود إلى المزرعة”. لا ينفي خيرالله احتمالات الخطر على الأبقار “لكن لا يوجد خيار آخر”.
المصاعب التي يواجهها خيرالله لا تقف عند مشكلة رعي الأبقار “فتأمين أدويتها ولقاحاتها أمر صعب, ويصعب أيضاً إيجاد طبيب بيطري في هذه الظروف. ولذلك, نفقت 7 أبقار منذ بداية الحرب, وما زال الخطر قائماً”.
أما تأمين قوته فصعب أيضاً. ولذلك “نتدبّر أمورنا عبر الدجاجات التي تعطي البيض واللحم, بالإضافة إلى حليب الأبقار”. والحليب يفيض دائماً, فيضطر خيرالله إلى “توزيع الحليب على مَن بقي في القرية”. تتّجه الأمور إلى مزيد من التأزّم بالنسبة إلى خيرالله. فاستمرار الحرب لمدة أطول, يعني احتمال موت الأبقار المتبقّية.
الصيدليات تُفتَح بحذر
إن كان توفير المواد الغذائية فيه الكثير من المغامرة, فأغلب الصيدليات مدمَّرة أو مقفلة, وأفضل الخيارات بالنسبة للبعض, هو فتح أبوابها بحذر شديد لتأمين الأدوية لمن يحتاجها بشكل طارىء. وواقع الصيدليات وعدم توفّر الأدوية بسهولة, يفتح النقاش على الملفّ الصحيّ. فيشير أحد أطباء بلدة ميس الجبل, أن الوضع الصحيّ لمن بقي في القرى الأمامية, صعب للغاية “والأطباء هم أكثر من يواجه الخطر نظراً لحركتهم الدائمة بين القرى وصولاً إلى المستشفيات التي يعملون فيها, وفي مقدّمتها مستشفى صلاح غندور في بنت جبيل, التي تشهد ضغطاً كبيراً إن على مستوى وصول الشهداء والجرحى إليها أو المرضى من المواطنين”. ويؤكّد الطبيب الذي يفضّل خلال حديثه لـ”المدن” عدم الكشف عن اسمه, أن “خروج أبناء القرى الحدودية إلى بعض قرى الداخل, زاد الضغط على المستشفى. لكن مع ذلك, لا تزال قادرة على استقبال الناس وإجراء العلاجات اللازمة”. المهجَّرون من قراهم الحدودية “يجرون علاجاتهم والصور الشعاعية في المستشفى, على نفقة حزب الله في أغلب الأحيان. فالوضع الاقتصادي لتلك الأسر صعب للغاية”.
ويرى الطبيب أنه لو استطاعت بعض الصيدليات في المناطق الحدودية أن تفتح أبوابها وتؤمّن أدويتها بالشكل المطلوب, لخفّفت الضغط عن المستشفى لناحية تأمين متطلّبات الحالات الطفيفة. ولتعويض النقص, فإن “بعض الأطباء يجرون جولات في القرى الأمامية في محاولة لمساعدة المرضى في القرى”. كذلك, يتم تعويض النقص أحياناً ومعالجة بعض الحالات الصحية في تلك القرى “عبر التنسيق مع مسعفي الهيئة الصحية الإسلامية الذين يتجوّلون في المناطق. وأحياناً يتم إيصال الأدوية والخبز لمحتاجيها, عبر المسعفين”.
“حياة مَن بقي في القرى الحدودية صعبة وشاقة”. ويواجه الناس الكثير من المعاناة والظروف القاسية, ولكلّ منهم سببه للبقاء ومواجهة الخطر. لكن الثابت عندهم, هو أمنيتهم بانتهاء الحرب في أسرع وقت وعدم توسعتها أكثر, “لأن الوضع لم يعد يُحتَمَل”.
المصدر: خضر حسان – المدن