تهجير قسري للفلسطينيين بالصور الملوّنة

صدى وادي التيم – أخبار العالم العربي /

تعرض الشعب الفلسطيني لواحدة من أكبر المآسي الإنسانية التي وقعت في التاريخ، والتي نتج عنها تشريد ملايين الفلسطينيين. فبدأت النكبة منذ التطهير العرقي في عام 1948 بعد القرار في تقسيم فلسطين، وراحت العصابات الصهيونية تفرض سياسة الأمر الواقع على الأرض، فانتهت الحرب في غضون أيام وحلّت أحداث النكبة الفلسطينية على يد المنظمة الصهيونية العالمية وبريطانيا ومن وقف خلفهما التي تبنت مشروعها القائم على إلغاء حقوق الفلسطينيين العرب في فلسطين، وإحلال القومية اليهودية مكانهم.

ولا يمكن لأحد أن يقول إن النكبة كانت في زمن قصير من عمر الشعب الفلسطيني، لقد كان لهذا الحدث المأسوي تداعيات جمة على شعب وجد نفسه بين ليلة وضحاها مشرداً بين الجبال والتلال، يبحث عن مأوى يقيه من الشتاء البارد، ولهيب الشمس الحارقة، لم يفكر يوماً أن يكون سجيناً مع وقف التنفيذ ومحاصراً في مخيمات، محاصرًا من الداخل ومن الخارج.
ولطالما كانت النكبة عنصراً مهماً في الكفاح الفلسطيني المستمر من أجل تقرير المصير، وهو تذكير المجتمع الدولي بالالتزام الأخلاقي والقانوني، لضمان عدم نسيانه، الأمر الذي ظهر بشكل شبه مستمر من خلال المقاومة الفلسطينية بشتى أشكالها، بما فيها وفي مقدمتها المقاومة العسكرية، وها هي اليوم تظهر واحدة من جولاتها من خلال عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول من العام المنصرم، والتي أحدثت خللاً في جهاز الأمن والعسكر الإسرائيلي وظهرت تداعياتها على #غزة، فكشفت اسرائيل عن أنيابها وبدأت بقتل الغزاويين.
ولكي لا ننسى عام 1948 صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي جاء في المادة 13 منه أن لكل إنسان الحق في العودة إلى بلاده، وأكدت على ذلك أيضاً اتفاقية جنيف الرابعة وقرار الجمعية رقم “194 – د” الصادر في 11 كانون الأول 1948 الفقرة رقم 11منه. وبالتزامن مع ذلك، ورداً على قادة الاحتلال الذين يرفعون شعار “الكبار يموتون والصغار ينسون”، وبمنتهى الوضوح والثقة والإيمان، فإن الجيل الفلسطيني الجديد هو جيل المستحيل الذي أخذ يقلب كل الحسابات ويخلخل الأمن الصهيوني ويربك المؤسسة الصهيونية بكاملها، لأن الاحتلال منذ النكبة راهن على كسر إرادة الأجيال الفلسطينية، وفي كل مرة كان هنالك جيل يفاجئه ويطلق انتفاضة من نوع خاص، ترسّخ بقاء المقاومة في البيئة الفلسطينية.
وفي تطورات هذا المشهد الفلسطيني الكفاحي المتواصل عبر الأجيال، ومنذ اللحظة الأولى التي بدأ فيها الرد الإسرائيلي على عملية “طوفان الأقصى”، توجهت الأنظار إلى غزة، وكثرت الصور والأحداث على منصات التواصل الاجتماعي التي تظهر مدى الاضطهاد والظلم والقتل، ما دفع العالم تسميتها نكبة 2023، فالمشاهد ذاتها والمآسي نفسها، وكأن التهجير مكتوب حصراً على هذا الشعب، لكن مع فرق بسيط بين الماضي والحاضر، فمع النكبة الأولى في العام 1948 لم يرَ العالم ما حدث فظهرت بعض الصور في الأبيض والأسود، واختفت مع مرور الزمن، اإلا أن الاحداث الأخيرة أعادت إحياء الذكرى وأصبح العالم يرى ما يحصل مباشرة بالصور الملونة والصوت.
وبعد مرور أكثر من 70 يوماً من الحرب الاسرائيلية المدمرة على غزة، ومع إبرام صفقة تبادل حررت على إثرها حماس حوالى 240 فلسطينياً من سجون الاحتلال مقابل الإفراج عن 80 من الرهائن الإسرائيليين، عاد الحديث عن مقترحات هدنة لوقف العدوان على القطاع وإبرام صفقة تبادل جديدة للأسر، وسط تصاعد حدة المعارك بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال على عدة محاور، واعتراف إسرائيل بتكبّدها خسائر جديدة في صفوف قواتها، إلا أن الجيش الإسرائيلي يواصل ارتكاب مجازر جديدة بحق المدنيين خلفت الآلاف من الشهداء، فإسرائيل في كل السياسات التي تنتهجها إزاء الشعب الفلسطيني، عبر الاستيطان والتهديد والتشريد، وهدم المنازل، والقتل، والاعتقال، والحصار، تتوخى إزاحتهم من الزمان والمكان والمعنى، وتسعى إلى فرض روايتها للصراع، وإخضاعهم، وقتل روح المقاومة عندهم، وتأكيد صورتها كدولة رادعة في المنطقة.
أما بخصوص الفلسطينيين، فرغم جبروت إسرائيل العسكري، وتفوقها عليهم من كل النواحي، إلا أن كل ذلك لا يبدو أنه يفتك في عضمهم، أو يضعف إيمانهم بحقهم وبقضيتهم، بدليل استمرار مقاومتهم بكل الأشكال والوسائل، وبانتفاضة تلو انتفاضة، رغم كل المعاناة والتضحيات والأثمان الباهظة.
وأخيراً، لا يمكن أن ننسى أن العودة حق كالشمس، وهذه الحرب أعادت وأحيت ذكرى النكبة واجتاحت صور الفلسطينيين منصات التواصل، وحصلت على دعم عالمي، لكن دون تحريك أي ساكن، فكيف يتقبّل العالم هذا القتل والتدمير والتهجير القسري والانتهاكات لكافة الأعراف والقوانين والتشريعات الدولية بذريعة حق الدفاع عن النفس؟ وكيف يمكن للإعلام الحرّ الذي مضت عليه عقود طويلة من الزمن وهو يتشدّق بالحياد والدقة والنزاهة والموضوعية، فكيف له أن يجاري الكيان في ما يبثونه يومياً من أكاذيب؟ فهل توقظ حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ضمير العالم من جديد؟

المصدر: النهار – أنديرا الشوفي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى