المقاومة حق وواجب
المقاومة حق وواجب
“يا أهالي بيروت لا تطلقوا الرصاص نحن منسحبون“
هكذا كانت الرصاصة الأولى في خريف العام 1982. خرج الكيان دون خيار آخر، حمل راية الإستسلام بفضل المقاومة الشعبية التي أخذت مبادرة التحدي والمواجهة لتبدأ مسيرة الإنتصارات.
لم تكن المقاومة يوماً غير ممارسةٍ شرعيةٍ؛ إن كانت بشكلها السلمي أو المسلح. تمثل فكرةً واعية ترفض الإستسلام والخنوع، فتعبر عن ثقافة المواجهة. وهي خيار الشعوب الحرّة صاحبة الشرعية التي لا تسقط شرعيتها مع مرور الزمن.
بالطبع إن معرض حديثنا عن المقاومة ليس تذكيراً بأولوياتنا، فاستعادة الحق واجبٌ أقرته كل ثقافات العالم وكل المنظمات والقوانين على مر التاريخ.
وهكذا فإن بناء الأوطان مرهونٌ بمبدأ السيادة والحرية ومرتبطٌ بوظيفة الدولة الأولى، التي وجدت لأجلها وهي “تحقيق الأمن القومي”، أي تأمين حماية للشعب والأرض من أي إعتداء خارجي، دون إغفال دورها في نشر وتعزيز ثقافة المواطنة.
لا شك بأن قدرة أي دولة على المواجهة وخوض المعارك مرتبطٌ بقوتها العسكرية، فالحروب بحاجة لخطط إستراتيجية وأسلحة فعالة تستطيع أن تصوّب نحو العدو في أي لحظة تدعو لها الحاجة. ولكن رغم كل هذه القوة التي تملكها اي الدولة لا يمكن أن تنتصر دون دور الصمود الشعبي وإرادته وإيمانه التي لا تهزمه جيوش العالم.
في لبنان، لم يحصل الجيش منذ نهاية الحرب الأهلية على موازنة دفاع تسمح له بشراء أسلحة جديدة أو صيانة معداته القديمة. لذلك فإنه يعتمد في صورة أساسية على الاسلحة والمعدات التي يقدمها إليه بعض الدول على شكل هبات، وفي مقدمة هذه الدول الولايات المتحدة الاميركية. ولكن هذه المساعدات التي يتلقاها لا تتم بشكلٍ مستمر وغالباً ما يتم إلغائها. فبعد إتفاق الطائف حصل لبنان على مساعدات تضمنت أسلحة سوفيتية الصنع ومستعملة، تضمنت قذائف هاون من عيارات مختلفة ومدفعية مضادة للطائرات وغيرها. أما بالنسبة إلى المنحة التي قدمتها السعودية في العام 2007، بعد معركة نهر البارد التي تقدر بقيمة 100 مليون دولار، والتي حاول بموجبها لبنان شراء أسلحة من بلجيكا، قد فشلت بعد تعثر مساعي وزير الدفاع السابق الياس المر وقائد الجيش آنذاك العماد ميشال سليمان بوضع رؤية جديدة لتحديث الجيش. كما أنه وفي العام 2014، عرضت إيران عبر سفيرها هبة غير مشروطة للجيش «عبارة عن هدية من دون قيد أو شرط، وبالتالي فهذه ليست صفقة، ولا يوجد فيها أي وسيط أو أي طرف ثالث، بل هي هبة من دولة إلى دولة، وإيران لا تريد من لبنان شيئاً في المقابل». ولفت إلى أن رئيس الحكومة اللبنانية «رحّب بالهبة لأنها ضرورية للبنان وجيشه». إلا أنها تعرضت لمعاكسات من أطراف داخلية وخارجية إذ اعتراضت واشنطن وهددت بوقف المساعدات الأميركية للجيش في حال قبول الهبة الإيرانية. ومؤخراً أوقفت السعودية المساعدات المقررة لتسليح الجيش اللبناني وقدرها ثلاثة مليارات دولار. وغيرها الكثير من الهبات والمساعدات التي لم تصل للجيش أو التي وصلت ولكنها قديمة أو تعد للاستعمال الداخلي غير مؤهلة للحروب الخارجية.
إذن، إن الهبات التي تقدم للجيش، وإن تمت، تكون دون المستوى المطلوب لتقوية قدراته. فالسلاح الأميركي وظيفته محددة فلا يُعطى إلا إذا ضمُن أنه لن يتم توجيهه نحو “اسرائيل”، ضمن استراتيجية قديمة واضحة وهي حفظ وضمان أمن إسرائيل، وبالتالي منع تسليح وتقوية أي جهة قد توجه البندقية باتجاهها.
والمعروف أن الجيش اللبناني لم يكن يوماً جاهزاً بمستوى التسليح المطلوب للدفاع عن الحدود ومواجهة إسرائيل، رغم الكفاءة المشهودة لهذا الجيش.
وهنا يكمن السؤال: ماذا لو أن الدولة تقاعست عن القيام بمهامها الدفاعية في ظل وجود عدوّ على الحدود متربص وجاهز للانقضاض بأي لحظة؟ ماذا لو فرض إعتداء على الأرض دون وجود جيش قادر على رد الهجوم؟
هنا يمكن لنا ان نرجع إلى دور الشعب ودور حركات المقاومة، في لبنان والمنطقة، في التصدي والوقوف بجانب الجيش لرد أي اعتداء خارجي. لتقف المقاومة المسلحة كند بوجه هذا العدو الغاشم وتكون “بعبع” اسرائيل التي تحسب له ألف حساب في كل لحظة. وتغير استراتيجية “إسرائيل” من الاستراتيجية الهجومية إلى الاستراتيجية الدفاعية والحذر. وكل هذا من خلال إدراك شعبنا المقاوم أن الحرية لا تأتي إلا عن طريق المسار المسلح الذي يسلكه أبطال المقاومة اللبنانية والمقاومة الفلسطينية والمقاومات في العراق وسوريا واليمن التي ترفع راية النصر… تلوحها باتجاه فلسطين.