ماذا نعرف عن تعاون قبرص مع إسرائيل
صدى وادي التيم-متفرقات/
تهديد هو الأول من نوعه أطلقه الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله خلال خطابه، حين حذّر الحكومة القبرصية من السماح لإسرائيل باستخدام مطاراتها لقصف لبنان كبديل عن المطارات الإسرائيلية، في حال اندلاع الحرب الواسعة واستهداف “حزب الله” للمدرّجات، بعد تأكيده وجود معلومات تُفيد بأن إسرائيل تُنسّق هذه المسألة مع قبرص.
يحمل هذا التهديد في طياته رسائل ومضامين كثيرة، الرسالة الأولى هي لقبرص لردعها عن تعميق التنسيق الأمني والعسكري مع إسرائيل، وتحذيرها باعتبارها “عدواً” واستهدافها، والرسالة الثانية هي عن قدرة الحزب على استهداف قبرص وغيرها وامتلاكه السلاح اللازم للعملية، والرسالة الثالثة هي لباقي حلفاء إسرائيل في المنطقة الذين قد يقدّموا المساعدة لها في حال توسّع الحرب.
التهديد سيستتبع ردوداً من قبرص، وقد يؤدّي إلى أزمة ديبلوماسية بين نيقوسيا وبيروت، علماً أن الرد الأول جاء على لسان السفير القبرصي لدى إسرائيل كورنيليوس كورنيليو، الذي أكّد أن “علاقتنا مع إسرائيل قوية”، لافتاً إلى أنّه “سيكون هناك رد فعل” على التهديد، ومن المتوقع أن ترد وزارة الخارجية القبرصية على اعتبار أن خطاب نصرالله تضمّن خطراً عسكرياً علنياً
بالنسبة إلى التعاون الإسرائيلي – القبرصي الأمني والعسكري، فمن المعلوم أن الدولتين عزّزتا تعاونهما الدفاعي في السنوات الأخيرة، وأجريتا مناورات عسكرية مشتركة، ووقعتا مجموعة من اتفاقيات شراء الأسلحة، وكانت أبرز المعاهدات في العام 2022، لكن لا اتفاقات رسمية علنية على استخدام مواقع كالمطارات والمرافئ وغيرها.
إلّا أن في هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى أن حرب غزّة رفعت من وتيرة التنسيق الأمني بين الطرفين، وتواترت في الإعلام العبري والأجنبي معلومات مفادها أن إسرائيل كانت تُريد شراء ميناء في قبرص تحسباً لضرب “حزب الله” مرافق إسرائيل الحيوية، ثم أن في قبرص قاعدة بريطانية تتعاون مع إسرائيل أمنياً وتمدّها بالمعلومات الاستخباراتية اللازمة والمساعدة العسكرية.
وحين يتحدّث الباحث الأمني والاستراتيجي ناجي ملاعب عن إمكانية لجوء إسرائيل إلى قبرص لضرب لبنان، يُشير إلى القاعدة البريطانية الموجودة على الجزيرة الأوروبية، ويتحدّث عن المطارات والموانئ أيضاً، والتي قد تستعين بها إسرائيل في حال قرّر “حزب الله” ضرب هذه المنشآت الحيوية في الداخل الإسرائيلي وإخراجها عن الخدمة.
وفي حديث لـ”النهار”، يلفت ملاعب إلى أن التنسيق الأمني بين نيقوسيا وتل أبيب موجود، وكان ثمّة تخطيط إسرائيلي لإقامة نقطة تفتيش أمني في قبرص لمتابعة الفلسطينيين الداخلين والخارجين إلى قطاع غزّة عبر المنياء العائم الذي تقرر إنشاؤه، وبالتالي فإن حديث نصرالله عن احتمال استعانة إسرائيل بالمرافق القبرصية صحيح.
وفي سياق حديث نصرالله عن قبرص، تطرّق إلى المناورات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في الجزيرة الأوروبية كون تضاريسها مشابهة لجغرافيا لبنان وجنوبه، وهذا ما يؤكّده ملاعب، لكنه يقول إن التدريبات الجوية الضخمة تحصل بين إسرائيل واليونان، ويُمكن للأخيرة أن تقدّم المساعدة لإسرائيل في هذا السياق.
وبالنسبة إلى التقنيات العسكرية، يُشير ملاعب إلى أن ثمّة طائرات حربية إسرائيلية لا تحتاج إلى مدرّجات في حال قصف “حزب الله” المطارات، كطائرة “إف 35″، والتي تقلع وتهبط دون مدرّج، والتي تمتلك منها إسرائيل 24 قطعة.
أما وعلى مقلب “حزب الله”، وانطلاقاً من تهديدات نصرالله، فإن من المفترض أن الحزب يمتلك القدرات العسكرية لضرب قبرص، وهذا ما يُشير إليه ملاعب في حديثه، ويقول إن “حزب الله” يمتلك أسلحة ضد السفن وصواريخ تصل إلى قبرص، وإلى حد 2000 كلم، كما يُمكن الاستعانة بالمحور الإيراني، مستشهداً بقصف إسرائيل من اليمن والعراق وحتى إيران.
لكن لضرب قبرص محاذير كبيرة، إذ ورغم أنها ليست عضواً في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، إلّا أنها عضو في الاتحاد الأوروبي، وتجمعها تحالفات قوية مع الغرب، وثمّة مصالح دولية، شرقية وغربية وأوروبية في قبرص، وبالتالي استهدافها سيستدعي تدخّل المجتمع الدولي، وسيفتح الباب على توسيع رقع الحرب أكثر، وسيُقحم “حزب الله” في أزمة دولية كبيرة.
وهذا ما يلفت إليه مراقبون سياسيون يقولون إن تهديد نصرالله ضغط سياسي أكثر مما هو عسكري في الوقت الحالي، فنصرالله أرسل رسائله إلى الولايات المتحدة وأوروبا لوجوب الضغط على إسرائيل ومنع الحرب على لبنان، لكن في الآن عينه وجب ألا يُهمل هذا التحذير، لأن الحوثيين يستهدفون المصالح الغربية في البحر الأحمر، والسيناريو قد يكرّره “حزب الله” في حال استدعى الأمر.
في المحصلة، فإن تهديد نصرالله لقبرص يُصرف بالسياسة حالياً، لأن أي عمل عسكري من قبل “حزب الله” ضد قبرص سيحمل تبعات كبيرة على الحزب وإيران كلاهما بغنى عنها، خصوصاً وأن إيران تبحث عن تحسين العلاقات مع أوروبا للتخفيف من الضغط الاقتصادي عليها وفتح المسارات الجديدة للعودة إلى الاتفاق النووي، لكن هذا لا يمنع من تدهور العلاقات الديبلوماسية بين لبنان وقبرص بعد التحذير العلني.
المصدر: جاد ح. فياض- النهار