الصيف ينتظر نهاية الحرب: بحر صور لن يموت
صدى وادي التيم-لبنانيات/
لا تهدأ ولا تتعب ولا تمل أو تكلّ، تلك هي سيدة البحار، مدينة صور، المتربعة على ناصيات بحرها من جهات ثلاث، ومشرعة جهتها الرابعة إلى بساتين القرى والحقول وينابيع رأس العين، التي تحاكي سواحل فلسطين.. وآبار النفط المفترضة.
تنتقل صور من موسم إلى آخر. فالشتاء فيها دافىء، كما الخريف والربيع، وصيفها حار. كأنه خلق لبحرها وشواطئها التي تزنر حدودها، خصوصاً شاطئيها الجنوبي والغربي، اللذين ارتفعت عليهما أعمدة خشبية متراصة، تغطيها “حُصر” القش التي تتماهى مع الرمال وزرقة البحر، وما يحويه من مدفونات أثرية ضاربة في التاريخ والحروب التي تعاقبت عليها، من الإسكندر المقدوني إلى الاحتلال الإسرائيلي، الذي ينغص يومياتها مع سائر بلدات الجنوب منذ أكثر من سبعة أشهر.
إصرار على التحدي
تقبل صور على موسمها البحري، الذي يحولها عادة إلى قبلة لرواد البحر والسهر والتمتع بآثارها البحرية والبرية، التي تضفي عليها جمالية تتواءم بين الماضي والحاضر، ليشكلا معاً لوحة سياحية تنتسب إلى أجمل مدن العالم المتوسطية الساحلية.
صيف صور هذا الموسم غير واضح المعالم والأفق، في ظل استمرار وتواصل الحرب، التي اقتربت مباشرة من جغرافيتها أكثر من مرة، خصوصاً في الآونة الأخيرة، وتمثلت بسلسلة من غارات للطائرات المسيّرة الإسرائيلية، التي استهدفت مسؤولين في حزب الله وحركة حماس. لكن المدينة والمستثمرين فيها، وحتى النازحين إليها، يصرون على التحدي، رغم القلق الذي يساورهم نتيجة انسداد عملية التفاوض ووقف الحرب في غزة، التي يرتبط بها الجنوب إرتباط الروح بالجسد.
هذا، وتستقبل صور على أرضها آلاف النازحين من البلدات والقرى الحدودية، من أقضية صور وبنت جبيل ومرجعيون، من بينهم حوالى سبعمئة شخص في مراكز الإيواء الجماعية.
البحر والفنادق
استعداداً لموسم الصيف المفترض أنجزت بلدية المدينة التحضيرات البحرية على الشاطيء الجنوبي، لناحية تسوية كثبان الرمل، وتأهيل موقف السيارات الذي مكّن المستثمرين الـ49 للخيم البحرية، الانخراط في نصب و تجهيز خيمهم وتحضيرها لإستقبال الزائرين، في وقت يترقب أصحاب المطاعم المنتشرة على طول وعرض المدينة (الكورنيش الجنوبي) بدء قدوم المغتربين، المرتبط إلى حد كبير بالأوضاع الأمنية والعسكرية.
أما قطاع الفنادق، الذي خرج عن نطاق صور العقاري، ونبت كالفطر، من حدود صور الجنوبية (رأس العين، القليلة، المنصوري، شمع..) وحتى الناقورة، في السنوات العشرين المنصرمة، فقد توقف كلياً بسبب العدوان، حاله كحال سائر مقومات الحياة في المنطقة، فيما تنتظر الفنادق داخل صور وضواحيها القريبة، حجوزات الزبائن، التي لم تظهر بوادرها إلى الآن، حيث تفاقم انخفاضها بشكل كبير جداً في بعض الفنادق، نتيجة حرمانها من حجوزات قوات الامم المتحدة المعززة “اليونيفيل”، التي سبق وطلبت من عائلات موظفيها المدنيين السكن خارج منطقة العمليات العسكرية، بما في ذلك صور.
النشاط التجاري
حرّك وجود حوالى ثلاثين ألف نازح إلى صور وبلداتها وقراها، النشاط التجاري والاقتصادي، داخل المدينة والبلدات التي يقيمون فيها، ويشكلون في كثير من القرى ما نسبته عشرة بالمئة من مجمل السكان. وقد انخرطوا هم أنفسهم في هذا النشاط، من خلال نقل المئات منهم عمل مؤسساتهم على اختلافها، ومنها الصحية والعيادات الطبية، إلى صور وجوارها، لا سيما أشخاص من ميس الجبل وعيتا الشعب وعيناثا وعيترون والناقورة وغيرها.
تجار صور
يشدد أمين سر جمعية تجار صور، غزوان حلواني، على أن نجاح الموسم السياحي وعودة الحيوية في أسواق صور على اختلافها، ومنها محلات الذهب، مرهون باستقرار الوضع الأمني وتوقف العدوان الإسرائيلي على الجنوب، الذي من شأنه طمأنة المغتربين على وجه الخصوص للقدوم من مغترباتهم لزيارة عائلاتهم وقضاء عطلة الصيف، وكذلك الزوار المحليين من مناطق بيروت والجبل والبقاع والشمال، الذين يشكل بحر صور ومطاعمها وفنادقها مقصدهم للاستجمام والغطس، والتلذذ بمأكولاتها، لا سيما الأطعمة البحرية، وتمضية عطلهم في ربوعها.
ويقول حلواني لـ”المدن”، إن أسواق صور شهدت مع بداية النزوح إلى المنطقة، نشاطاً تجارياً لافتاً، سببه حاجة النازحين الذين تركوا منازلهم قسراً إلى حاجياتهم الضرورية، من ألبسة وأدوات منزلية، عدا الحاجيات الاستهلاكية اليومية. كما شهدت مرحلة أيام قبل عيد الفطر وبعده، حركة مقبولة، ساهم في إنعاشها النازحون السوريون بشكل رئيسي، في حين سجل تراجع في تسوق الفلسطينيين المأسورين بالوضع في غزة، وتضاؤل تقديمات المانحين.
خفض معونات الأونروا
وتعيد فاديا، وهي لاجئة فلسطينية تعمل في أحد محلات الألبسة في صور، إنكفاء الفلسطينيين عن التسوق، إلى إنشداد الأهالي إلى ما يحدث في غزة من قتل وتدمير، والتطورات في الجنوب، وتجنبهم التنقل من المخيمات إلى المدينة، إلى جانب هبوط قيمة المساعدات المادية من الأونروا لحالات العسر الشديد، من مئة دولار للفرد، قبل الأزمة السورية، ولاحقاً إلى 60 دولاراً، ليستقر حالياً على 35 دولاراً، وتراجع تحويلات المغتربين في أوروبا إلى ذويهم، بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية.
ذهب صور
يؤكد أحد أصحاب محلات بيع الذهب في سوق صور التجاري القديم، نزيه خالد، أن حركة السوق ضعيفة وجامدة في هذه الأيام، وهذا الأمر يعود إلى الحرب.
وأضاف، في الأحوال الطبيعية في فصل الصيف، الذي يترافق معه بدء إقبال المغتربين، سواء لبنانيين أو فلسطينيين، تزدهر أسواق صور، ومن بينها محلات الذهب. لكن في الوقت الحالي، وإذا استمر العدوان الإسرائيلي، فإننا لا نستطيع الرهان على موسم واعد.
فنادق تنتظر وقف الحرب
ويلفت حسين ترحيني، مدير فندق” بلاتينيوم”، في صور- البرج الشمالي، إلى معاناة القطاع الفندقي بسبب الحرب، التي أبعدت المنظمات والجمعيات الدولية واليونيفيل، وحتى الطواقم الصحافية بعد استشهاد عدد من الصحافيين في طيرحرفا وعلما الشعب.
ويضيف ترحيني لـ”المدن”، أن الحجوزات في المواسم العادية والطبيعية كانت توزع مناصفة، بين حجوزات المغتربين والوافدين والحجوزات المحلية. لكن ما يحصل حالياً أنه لا يوجد حجوزات لافتة، والكل يستخدم كلمة “إذا توقفت الحرب”، من دون أن يتم دفع “عربون” أو تحويل المبلغ المستحق في حال حسم تأكيد الحجز. وقال إن رهاننا الوحيد يبقى على توقف الحرب، التي تتسبب بإحجام الزوار من مناطق لبنانية أخرى عن القدوم إلى الجنوب، والذي ينطبق أيضاً على بعض الشركات العالمية.
البحر لنا
يواظب علي حمدان، إبن بلدة كفرا، على افتتاح خيمته على شاطىء صور الجنوبي، منذ أكثر من عشرين عاماً.
لم يتردد حمدان هذا الموسم، بفتح خيمته، إسوة بـ49 مستثمراً من مدينة صور وجوارها.
ويؤكد حمدان، أن روح التحدي قائمة وكذلك الأمل، بأن يكون الموسم البحري مقبولاً في الحد الأدنى، خصوصاً إذا ما استمر العدوان والغارات التي تلامس صور بين الحين والأخر، والذي قد يحول دون جرأة أبناء المناطق اللبنانية الأخرى، الذي يسحرهم بحر صور، للتوجه إلى المدينة.
أوتيل مقفل
عند خط تماس بين المنصوري والناقورة، يتربع مطعم وأوتيل “تيروس”، الذي يخص المواطن نزيه أرناؤوط. ومنذ بدايات العدوان الإسرائيلي، توقف العمل في هذه المنطقة التي تحولت إلى مهجورة.
ويؤكد أرناؤوط لـ”المدن”، أنه يضطر لدفع بدل شهري لثلاثة موظفين، يواظبون على الدوام والعمل في الأوتيل والمطعم، رغم كل الظروف الأمنية الخطيرة، وذلك لسببين. الأول: عدم تشريد هذه العائلات. والثاني: الانتباه إلى موجودات المكان وحمايتها.
من عيتا إلى صور
بعد ما يقارب من ثمانية أشهر على خروجه من بلدته عيتا الشعب، التي تتعرض يومياً لتدمير بيوتها وزرعها، قرر إبراهيم طحيني مزاولة نشاطه التجاري، على مقربة من مستشفى جبل عامل في صور، لتأكيد الاستمرار بمواجهة التحديات الناجمة عن العدوان الإسرائيلي المتواصل.
ويشير طحيني لـ”المدن”، أن الحياة تستمر سواء في عيتا الشعب، التي نحنّ ونشتاق إلى ترابها، أو في صور، التي نعتبرها جزءاً منا. ومن هذا المنطلق كان افتتاح معرض عيتا الشعب “المؤقت” للألبسة في صور، إلى حين العودة ظافرين إلى بلدتنا.
تراجع 50 بالمئة
يشكو حسان عوالي، أحد أصحاب محال الألبسة في السوق التجاري، من تراجع النشاط إلى حوالى خمسين في المئة.
وقال إن الوضع كان مقبولاّ إلى فترة ما قبل عيد الفطر، إلا إننا نخشى من تواصل الحرب والاعتداءات الإسرائيلية، لأن أي حدث أمني قريب من صور “يسمم”، الأجواء العامة، التي تنعكس على مجمل النشاط التجاري وحركة البيع والشراء.
وأضاف، أن صور مزدهرة، وفيها كثير من التمايز. آملاً عودة الاستقرار والهدوء إلى كل الجنوب.
المصدر: المدن-حسين سعد