قصة “مش قادر” بين قائد الجيش وريا الحسن
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
على مقولة “يا رايح كتّر القبائح”، سارت الوزيرة ريّا الحسن. سيّدة الداخلية السابقة، أبت مغادرة الصنائع من دون تركِ أثرٍ سلبيٍّ، شأنها شأن معظم الوزراء “ذوات” الدم الأمني البارد.
قبيل تسلم الدكتور حسان دياب زمام رئاسة الحكومة رسميًا، بدأت عوارض التغييرات على مستوى التعامل والتعاطي مع مؤسسة الجيش تعصف بأداء وزيرة الداخلية. بدا للوهلة الاولى، أنّ “الوباءَ” المنتشر في وزارة الدفاع الذي دفع إلى مباشرة إجراءات الطلاق مع اليرزة باكرًا في طريقه إلى العبور نحو الصنائع.
اجتماع مجلس الأمن المركزي، كشفَ النقاب عن شيءٍ من هذا القبيل ساعة عبَّرَت الوزيرة الحسن عن استيائها أمام الحاضرين من “أصحاب النجوم” من كون المتظاهرين يحيدون الجيش عن ردود أفعالهم السلبية ويحصرونها فقط بقوى الأمن الداخلي. كلامٌ كان مدعاةً للإستهجان كونه صادر عن مسؤول رسمي يحمل صفة أمنية في الدولة.
في البدايةِ، كان التساؤل “لماذا” مجبولاً بأداةِ إستغرابٍ، وكأنَّ الوزيرة الحسن توحي بضرورة أن تساوى قوى الأمن مع الجيش من حيث الاعتداء أيضًا، لكن في النهاية، اكتنز داخل السؤال إستهجانٌ من طريقة طرحه، وكأنّ الجيش يحتاج إلى “شهادة إعتداءٍ” أو “حسن سلوكٍ” لتبرئة نفسه من أي تهم قد تكون مرفَقة بالسؤال، ما أوحى، أنّ الوزيرة ربما تجرّ الجيش إلى تقديم تبريراتٍ وتفسيراتٍ لأمرٍ يجهله، أو تدفع نحو زجّه في آتون شبكة من التساؤلات.
في الحقيقة، أنّ علامات الإنزعاج التي تكوّنت لدى وزارة الداخلية ظهرت للمرة الأولى حين طلبَ الجيش إستفساراتٍ حول ما يتعلق بـ”بطء” قوى الأمن في معالجة ظواهر الشغب التي مورست على “جسر الرينغ”، وعدم تدخل “السرايا” المولجة حماية المكان إلا بعد وقتٍ ليس بقصير، ما كان يُتيح للمتظاهرين توسيع دائرة تحركاتهم إلى حدٍ يصبح من الصعب مكافحتها، ما رتّب على الجيش الذي كان يجري إستدعاؤه في كل مرّة كعامل مؤازرة بذل جهوداً إضافية.
وخلال مقابلة تلفزيونية اعدت الأخيرة في مسيرة “معاليها” ضمن صفوف “الأمن” تمظهرَ “الخلاف” مع الجيش بشكلٍ فاقع وأصرت أن تغادر منصبها على التباسٍ حين كشفت، أنها إتصلت بقائد الجيش العماد جوزاف عون طلبًا للمؤازرة الامنية ليلة الاعتداء على مصرف لبنان، فكان جوابه “مش قادر”.
الـ”مش قادر” الواردة على لسان الحسن كانت حمالة أوجه وحملت تساؤلات عدة من الطراز “التشكيكي” تاركةً انطباعًا فحواه، أنّ قائد الجيش يتعاطى بإزدواجية معايير تجاه بعض المهام أو أنّه يتجنَّب تولّي أخرى لأسبابٍ عدّة تتراوح بين دوافعٍ سياسيّة بما لا يقدر على تجاوزها أو ربما أمنية. وقد تولى من هم على استعدادٍ لأداءِ فريضةِ “القنصِ السياسي” صوب الجيش وقائده إلى إتخاذ ما قيل ذريعة للتشكيك بأداء الجيش والعماد جوزاف عون.
في الواقع، لم تكن المسألة كما اشاعت الوزيرة الحسن. صحيحٌ أنّ معاليها اتصلت بقائد الجيش وطلبت منه مؤازرة في تلك الليلة، لكن رفضه لم يأتِ من قبيل الضغف أو ممارسة “عنادٍ أمنيٍّ”، بل لأنه افتقد إلى الحد الأدنى من المعايير السليمة وكان بمثابة “طلبٍ غير قابلٍ للتطبيق” بالاعتماد على تقييم انتشار الجيش على الأرض.
الاسبابُ، على حدِ وصف أكثر من مراجع، تراوحت بين عدم قدرة الجيش في حينها على التلبية نظرًا لإنخراطهِ في مهامٍ متعدِّدَة في محيطِ الموقع المطلوب إسناده، إضافة إلى تجاوز مسألة أنّ موقع الوزيرة لا يخولها إصدار أمرٍ إلى أيّ مسؤولٍ يحمل صفة أمنية وإجباره على التنفيذ سريعًا من دون إحاطته بالأسباب الموجبة.
وبمعنى أوضح، لم تكن جهوزية وحدات الجيش في لحظة “الهجوم” على مصرف لبنان تكفي لمد يد العون إلى قوى الأمن الداخلي. هذا ما حاولَ قائد الجيش إبلاغه وشرح أسبابه إلى الوزيرة الحسن عبر أكثر من طريقة، وهذا ما لم تتقبّله “معاليها” لتعتبره لاحقاً تهرّباً من المسؤولية تحتاج تسويته إلى فرض “عقوبة مسلكية” بحق قائله!
بالاضافة إلى ذلك، لا يجوز تكبيد الجيش الذي كان يتولى أكثر من مهمة في المحيط أكثر ممّا يحتمل، مع العلم، أنّه كان بمقدور وزيرة الداخلية الاستعانة بقطاعِ قوى الأمن الداخلي التي كانت عناصرها موجودة على مسافةٍ قريبةٍ وكانت تفوق الجيش قدرة وعددًا.
حتى أنّ العديد من المطلعين على أداء وزيرة الداخلية السابقة، لمسوا خلال الفترة الماضية تقلّبًا عمليًا في موقفها تجاه الجيش، حيث كانت تصرّ في كثيرٍ من الأماكن على إقحامهِ في “محاور الاشتباك” مع المتظاهرين، تُعَدّ خارجة عن نطاق عملياته الذي جرى تقسيمه كمربعات ووزعت صلاحيات التصرف بها بالتساوي بين الجيش وقوى الأمن الداخلي، ما دفع إلى التساؤل:لماذا تقصّد زجّ الجيش في أماكن محددة دون غيرها؟ وهل صحيح أن طلب الجيش لاستفسارات حيال بعض القضايا دفع إلى إثارة موجة من الغُبار ضده؟