الحرب قد تدوم سنةً والفوضى الإقليميّة والترانسفير قادمان؟

صدى وادي التيم-متفرقات/

المواجهة الأخيرة بين إسرائيل وإيران فصل من فصول الحرب الإقليمية الدائرة انطلاقاً من غزة، التي تنتظر بدورها مصير رفح… ويتوقّع بعض المتشائمين أن تستمرّ الحرب حتى الانتخابات الرئاسية الأميركية. لأنّ رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو يراهن على الإفادة منها لمزيد من الدعم. وتفاهم الجمهوريين والديمقراطيين في الولايات المتحدة الأميركية على تخصيص مليارات الدولارات للدولة العبرية دليل هذا الاعتقاد. أمّا حديث “الترانسفير” فيواكبه تسريب عن تهجير قيادة “حماس”. فهل تلجأ إلى طهران؟

التأثير العربي غائب، فيما يتعزّز القلق من قدرة لبنان على الصمود في حرب الاستنزاف جنوباً.

يتخوّف كثر، ومنهم قطب سياسي لبناني، من أن تطول الحرب في جنوب لبنان سنة وربّما أكثر، ربطاً بفصول حرب غزة. ويُتوقّع أن يستمرّ تهجير الفلسطينيين من القطاع وحرب الإبادة ضدّهم للقضاء على أيّ تفكير في إمكان قيام كيان فلسطيني مستقلّ.

يشرح القطب نفسه المؤشّرات إلى تشاؤمه وفق الآتي:

المساعدة الماليّة لإسرائيل و”الفوضى البديلة”

– الترانسفير هو الهدف الفعليّ الذي تعمل له إسرائيل. والهجوم على رفح، آخر منطقة لم تحتلّها إسرائيل، يحظى بضوء أخضر أميركي.

– على الرغم من المواقف الاعتراضية الأميركية الداخلية التي تصدر ضدّ اقتحام الجزء الباقي من قطاع غزة، فإنّها شكليّة ولتخدير العرب. وإلّا فلماذا يقرّ الكونغرس الأميركي مساعدات لإسرائيل بمبلغ قدره 26 مليار دولار؟

– الترانسفير سيتحقّق تحت أعيننا. وسيخلقون ظروفاً إنسانية تجبر مصر على فتح باب النزوح إليها من رفح. وهم سمحوا بتمرير مليارات الدولارات لها لإنقاذ وضعها الاقتصادي لهذا الغرض. والحسابات المتّصلة بالمقابل تأتي لاحقاً.

– الترانسفير في الضفّة الغربية آتٍ، وما يقوم به المستوطنون لتهجير أهلها لم ولن يتوقّف. ويجري التمهيد من أجل نزوح عدد كبير من الفلسطينيين من الضفّة. إمّا عبر المستوطنين الذين ازداد عددهم وتضاعفت إمكاناتهم، أو عن طريق الجيش الإسرائيلي نفسه. لا يستبعد القطب نفسه أن يتهدّد الكيان الأردني… وصولاً إلى “الفوضى البديلة” وليس إلى مشروع “الوطن البديل” في المملكة الهاشمية.

لا دولة فلسطينيّة في القاموس الإسرائيليّ

الاعتقاد الغالب أنّهم يخدعون العرب ويمرّرون السياسات التي تقضي على القضية الفلسطينية تحت ستار الحديث عن حلّ الدولتين. وكان من السذاجة عدم توقّع الفيتو الأميركي في مجلس الأمن على طلب الاعتراف بفلسطين دولة دائمة العضوية في الأمم المتحدة.

– لم يصدر عن أيّ مسؤول إسرائيلي خلال العقود الماضية أيّ استعداد للقبول بقيام دولة فلسطينية مستقلّة. حتى إسحق رابين الذي وقّع مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات اتفاقات أوسلو للسلام مع الفلسطينيين، لم يلفظ كلمة دولة فلسطينية. بل أبقى الأمر غامضاً في الحديث عن التفاوض حول “الوضع النهائي”.

– المواقف التي تصدر عن السلطة الوطنية الفلسطينية والرئيس محمود عباس تسمح لإسرائيل بالتمادي. فهي ما زالت تنسّق أمنيّاً مع أجهزة الدولة العبرية التي تعرف كيف تستغلّ هذا التراخي. وكان على الرئيس عباس أن يغيّر توجّهاته السلمية. لكنّ وقوعه تحت التأثير الأميركي والغربي استفادت منه إسرائيل. كان عليه أن يتنبّه إلى ذلك من البداية.

– بالعودة إلى اتّفاقات أوسلو يتبيّن بعد الذي جرى ويجري أنّ الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات استعجل بالموافقة عليها في حينه. كان يراهن على الموقف العربي.

لا مراهنة على الرأي العامّ؟

مع ذلك تدفع التغيّرات في الرأي العامّ العالمي والأميركي جرّاء حرب غزة بعض النخب العربية إلى المراهنة عليها لتغيير موقف الحكّام. إلّا أنّه يمكن ذكر الآتي من الاستنتاجات التي تبدّد تلك المراهنة:

– الأشهر الستّة الماضية من الحرب على غزة علّمتنا أموراً كثيرة حول المنطقة والسياسات الدولية حيالها وحقيقة موقف الغرب والفكر الصهيوني. وهي كشفت لنا أموراً لم نكن ننتبه إلى أهمّيتها. الرئيس الأميركي جو بايدن مسيحي صهيوني، وبالتالي فكرة قيام دولة فلسطينية غير موجودة في معتقداته.

– لا طائل من المراهنة على التغيّرات الحاصلة في الرأي العامّ الأميركي بسبب حرب غزّة. فالانحياز إلى إسرائيل لن يتغيّر.

– المواجهة التي شهدناها بين إسرائيل وإيران هي جولة من الجولات التي قد تعقبها أخرى.

الإقليم بين الأميركيّين والإسرائيليّين والفرس؟

– أين العالم الإسلامي بعد الذي يحصل في غزة؟ وما هو منتظر في الضفة الغربية؟ فها هي تركيا محيّدة. وغيرها من الدول غائبة عن الشاشة. فالرئيس التركي رجب طيب إردوغان لم يفعل شيئاً للشعب الفلسطيني. وإيران تخوض اللعبة لتحقيق مصالحها.

– الحديث عن بحث قيادة حركة “حماس” عن مقرّ آخر غير قطر نتيجة الضغوط الأميركية على الدوحة، وبسبب الخلاف بينها وبين “حماس” حول مفاوضات الهدنة مع إسرائيل، قد يمهّد لانتقال هذه القيادة إلى عُمان.

– ليس هناك وجود وحضور عربيّان في المعادلة الإقليمية الدولية. لدى بعض الدول العربية طموحات إلى التقدّم تُفشلها تطوّرات الصراع الإقليمي والدولي على الإقليم. المنطقة يحكمها الأميركيون وإسرائيل والفرس، ويتقاسمون النفوذ ويتنافسون أحياناً.

خسائر جنوب لبنان و”اختفاء” هوكستين

يطرح رسم الخريطة الإقليمية السوداويّة سؤالاً عن انعكاسات حرب غزة وما يتفرّع عنها من مواجهات إيرانية إسرائيلية وانعكاساتها على لبنان. يقود سياق الأحداث إلى الملاحظات الآتية:

– اتفاق سايكس بيكو، بما هو توزيع للنفوذ الدولي وتحديد حدود الدول، قد انتهى. يبقى لبنان الذي يعاني جرّاء الصراع الإقليمي. المطلوب الحفاظ على ما بقي منه، ولذلك يجب التوصّل إلى تسوية تمنع المزيد من التدهور، ولا سيما بالنسبة إلى الوجود المسيحي فيه. فالهجرة المسيحية تتوالى، وهذا قد يُفقد المسيحيين وزنهم في المعادلة. ونظريّات الفدرالية ليست حلّاً للأزمة.

– لا أحد من القوى السياسية يريد تنفيذ الإصلاحات المطلوبة لمعالجة الأزمة الاقتصادية في البلد كي يتمكّن من الصمود والوقوف على رجليه.

– الحرب الدائرة في الجنوب اللبناني تسبّبت بخسائر كبرى للمناطق الحدودية. وإذا كانت لدى الحزب قدرة على احتمال ما يتعرّض له كوادره ولا يكترث لحجم الخسائر، فإنّ التدمير الحاصل في الأبنية والتهجير وإحراق الأراضي بالقنابل الفوسفورية مسألة مقلقة. ومن الطبيعي أن يكون الرئيس نبيه بري أكثر القلقين ويسعى قدر المستطاع إلى حصر الأضرار.

– يساعد التنسيق القائم بين برّي ورئيس حكومة تصريف الأعمال في خلق مناخ مع الأميركيين من أجل الحؤول دون شنّ إسرائيل حرباً واسعة على لبنان.

– مع فداحة الخسائر، يتوجّب تسجيل أنّ الحرب الدائرة بقيت عند حدودها الراهنة مضبوطة. الحزب في الجنوب والجانب الإيراني في الإقليم يخوضانها بدقّة محسوبة حتى اللحظة، بحيث لا يحصل خطأ وينزلق البلد إلى حرب واسعة. وعلينا أن نأمل الحفاظ على هذا النهج، ريثما يجري التوصّل إلى حلول.

– الجهود الفرنسية لتمكين الجيش من الانتشار في جنوب الليطاني والاقتراحات التي طُرحت خلال زيارة ميقاتي لباريس لوقف الحرب مفيدة. لكنّها تطرح سؤالاً عمّا إذا كانت واشنطن تواكب التحرّك الفرنسي وتوافق عليه. يحتاج الأمر إلى التدقيق في ظلّ “اختفاء” الوسيط الأميركي آموس هوكستين عن مشهد الاتصالات الدبلوماسية.

المصدر: اساس ميديا – وليد شقير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى