شباب لبنان بلا عمل: تنافس سلبي وتوظيف أسود!
صدى وادي التيم-لبنانيات/
أقرَّت الحكومة زيادات على الرواتب والأجور، وسجّلتها في ميزان حسناتها أمام صندوق النقد والبنك الدوليين، كإجراءات إصلاحية لمواجهة الأزمة الاقتصادية وانعكاساتها. لكن ذلك لم يغيِّر أحوال العمال والموظفين وسوق العمل. فالواقع مختلف جداً، ويتّجه نحو المزيد من التأزُّم، بشهادة البنك الدولي ومنظمة العمل الدولية. ولذلك، فإن الإجراءات الرسمية لا تزال أقل من المستوى المطلوب. الأمر الذي يعزّز معدّلات البطالة والتنافس السلبي ويوسِّع حجم سوق التوظيف الأسوَد.
رهانات بلا أسس واقعية
زادت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية قدرة أصحاب العمل على التحكُّم بالعمّال، خصوصاً اليد العاملة الشابة، ومن بينها المتخرّجون حديثاً من الجامعات. فهذا القسم من الباحثين عن عمل، لا يملكون خيارات كثيرة في التفاوض حول الأجور وظروف العمل، مما يجعلهم أكثر عرضة للاستغلال. هذا إن وُجِدَت فرص العمل في ظل نموّ اقتصادي يوازي صفر بالمئة.
في المقابل، تراهن الحكومة على تحسين مستوى الأجور، لتدعيم سوق العمل. ومعها تراهن وزارة العمل على منصّتها الإلكترونية للمواءمة بين العرض والطلب في السوق بالنسبة لليد العاملة وأصحاب العمل. إلاّ أن الرهانات لا تستند على أسس واقعية، فالفجوة كبيرة بين عدد الخرّيجين الجامعيين والفرص المعروضة في سوق العمل. فالخرّيجون كثر، فيما فرص العمل أقل “وهو أمر تاريخيّ في لبنان. لكن زادت معدّلاته مع الأزمة الاقتصادية والحرب الأخيرة في الجنوب”، وفق ما يقوله عضو المجلس الاقتصادي الاجتماعي، صادق علوية، في حديث لـ”المدن”.
ما أنتجته الأزمة خلال 4 سنوات، وإصرار السلطة السياسية على عدم اعتماد حلول صحيحة، أدّى باليد العاملة الشابة إلى اعتبار الهجرة ملاذاً آمناً وحماية للمستقبل، وهو ما بيّنته أرقام منظمة العمل الدولية في تقريرها الصادر في شباط الماضي، إذ رأت أن البطالة بين الشباب وصلت إلى 47.8 بالمئة، ويفضّل 63 بالمئة منهم الهجرة على البقاء في لبنان.
ولا يجد علوية الكثير من القدرة لمنصة وزارة العمل في حلّ معضلة توسُّع حجم البطالة والرغبة في الهجرة. لأن مساهمة أصحاب العمل في المنصة، غير جدّي. “وفي الدول التي تعتمد منصّات العمل، يكون دور أصحاب العمل فاعلاً لجهة بحثهم عن يد عاملة ماهرة لا يمكن إيجادها بسهولة بسبب نقص أعدادها. لكن في لبنان نمتلك المهارة، ولذلك لا يبحث أصحاب العمل عن عمال عبر المنصة، مما يقلّص دورها في التوظيف”.
ولأننا طلب التوظيف أكبر من العرض، يصبح طرد العمال أسهل، خصوصاً في ظل غياب الرقابة. وحسب علوية، فإن “مجلس العمل التحكيمي، لديه الكثير من الدعاوى بين أصحاب العمل والعمال، لكن المجلس لا يقوم بدوره بالشكل الصحيح بسبب أزمة موظفي القطاع العام”. وبذلك، يعتقد علوية أن التوظيف عبر المنصة هو “أحلام اليقظة”. ويجزم بأننا “في وقت حرج في ما يتعلّق بفرص العمل. ومَن بقي في لبنان هو مَن لم يجد فرصة للسفر”
تدهوُر الرأس المال البشري
المعطيات الواقعية تثبت بأن الرأس المال البشري اللبناني يتدهور، وهو إنذارٌ أطلقه المدير الإقليمي السابق لدائرة المشرق في البنك الدولي، ساروج كومار جاه، في بداية الأزمة. وحينها رأى أن “لبنان يواجه استنزافاً خطيراً للموارد، بما في ذلك رأس المال البشري”.
ويترجم علوية هذا الاستنزاف من خلال ما يصفه بـ”التنافس السلبي داخل سوق العمل الذي تسوده السوق السوداء”. فاليد العاملة لا تملك الحصانة الكافية لتُنافِسَ أصحاب العمل لتحقيق شروط عمل أفضل، أو على الأقل ضمان الالتزام بالشروط القانونية للعمل. وفي التنافس السلبي، فإن أرباح أصحاب العمل تدولَرَت، في حين أن أجور الموظفين بالليرة أو بالدولار لكن بمعدّلات منخفضة لا تتناسب مع مستوى غلاء المعيشة. كما أن “تسلّط أصحاب العمل على الموظفين بات أكبر وقدرة الموظفين على المقاومة أقل. وأي مقاومة أو شكوى لمجلس العمل التحكيمي أو للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ستؤدّي إلى طرد الموظفين الذين يحلّ محلّهم اليد العاملة الأجنبية”.
وفي السياق، يؤكّد علوية أن اليد العاملة الأجنبية باتت تملأ سوق العمل وتخلق سوقاً سوداء داخله “تكثر فيها حالات عدم التصريح لوزارة المالية وللضمان عن الأعداد الحقيقية للعمال في المؤسسة، ولا عن رواتبهم الصحيحة أو فترة عملهم الفعلية، فضلاً عن توظيف يد عاملة أجنبية خارج السياق القانوني لجهة حيازة إجازات العمل والأوراق اللازمة”.
لم يحظَ الرأس المال البشري منذ ما قبل الأزمة حتى اليوم، سوى بالوعود على المستوى الرسمي. وقُبَيلَ انفجار الأزمة، وتحديداً في سياق التحضير لمؤتمر سيدر في العام 2018، وَعَدَ رئيس الحكومة حينها، سعد الحريري، بأن تداعيات المؤتمر ستخلق نحو 900 ألف فرصة عمل في لبنان، لكن وصلنا إلى مرحلة يشكّ فيها البنك الدولي بأن “قادة المستقبل لن يمتلكوا المهارات الكافية للنجاح، ويتدنى ذكاؤهم”، وفق كومارجاه.
أما الحل، فلا يبدو واضحاً في المستقبل القريب “ولا يعود ذلك إلى الثغرات على مستوى المعرفة والمشورة الجيدة”، وفق البنك الدولي، بل إلى غياب توافق سياسي بشأن المبادرات الفعّالة في مجال السياسات، ووجود توافق سياسي حول حماية نظام اقتصادي مفلس”، وهذا ما يؤشِّر إلى أن استنزاف الموارد البشرية مستمر، والهجرة هي الخيار الأفضل أمام اليد العاملة الشابة، وطلاب الجامعات الذين تتضاءل فرصهم بالحصول على عمل في وقت سريع بعد تخرّجهم.