المرأة المطلّقة بين حقّها بحياة طبيعيّة وسلبيّة المجتمع

صدى وادي التيم – لبنانيات /

كثيرة هي الأسباب التي تؤدي إلى الطلاق بين زوجين، أسر كثيرة تتفكّك، وأطفال كثيرون يدفعون ثمن قرارات خاطئة لم يُستشاروا بها، فقط هم ضحاياها في غالبيّة الأحيان.

الأطفال ليسوا وحدهم ضحايا الانفصال والطلاق بين الأهل، في أحيان كثيرة خصوصًا في الأرياف تكون المرأة ضحيّة مرّتين، الأولى في قرار الزواج والثانية بعد الانفصال، بسبب ما تتعرّض له من سلبيّة المجتمع وضغوط الأهل والبيئة المحيطة.

“حياة المرأة بتخلص”

ر. ش. ابنة بعلبك، صبيّة ثلاثينيّة انفصلت عن زوجها بعد حياة زوجيّة صعبة جدًّا، عادت إلى منزل أهلها مع طفلين صغيرين، تقول لـ “مناطق نت”: “حياة المطلّقة في مجتمعنا كناية عن معاناة قاسية ومريرة، نظرة المجتمع إليها سلبيّة بالكامل وكأنّها هي امرأة “مش منيحة” ترافقها الشائعات في كلّ تحرّكاتها، كأنّها مراقبة بشكل دائم، الجميع يدينها من دون السؤال عن مشاعرها وأحاسيسها وسمعتها”.

تتابع ر. ش.: “الطامة الكبرى إذا المرأة هي من طلبت الطلاق، فعشرات الخبريّات ستكون بانتظارها، كأنّها ملزمة أن تواصل العيش في الجحيم كي تُرضي التاس”.

عن حقّها في الحياة كإنسانة تتساءل ر. ش. بحسرة: “حقّ شو؟ من يتقبّل حقّها كإنسانة؟ تترك المرأة جحيم الحياة الزوجّية لتجد نفسها تحت وصاية الأهل والأخوة، تضيق مساحة خصوصيّتها قياسًا باختها العازبة، أمّا إذا حاول شاب التعرف إليها، ستعيش بين نارين: أهلها خوفًا من فشلها مجدّدًا، وأهل الشاب الذين يرفضونها بقوّة”.

تختم ش. حديثها لـ”مناطق نت”: “حياة المرأة بحسب تجربتي تنتهي بشكل عام، إلّا قلّة قليلة منهنّ تكون بلا أولاد. من لديها أولاد تجلس في بيت أهلها تربّي أطفالها، أمّا أبوهم فله الحقّ في أن يفعل ما يشاء، لا أحد يلومه أو يعاتبه فهو الرجل، للأسف هذا هو الواقع بلا تجميل”.

صدمة ما بعد الطلاق

غالبيّة المطلّقات يعشن صدمة نفسيّة قاسية، منهنّ من يعشن الاكتئاب والحزن والوحدة، ومنهنّ من يتفرّغن لأطفالهنّ، قلّة منهن من يبادرن إلى تحسين حياتهنّ.

المعالِجة النفسيّة نبال غدادة تعمل في نطاقها مع لبنانيّين وسوريّين على حدّ سواء، تقول في حديث لـ”مناطق نت”: “عادة ما تقع المطلّقة في صدمة نفسيّة قاسية، خصوصًا في المناطق الريفيّة، حتّى لو كان الطلاق خيارها، فهي تمرّ بعدّة مراحل نفسيّة بعد الطلاق، المساومة، الإنكار، الحزن، الغضب، والقبول، طبعًا للوصول إلى مرحلة القبول هناك عدّة خطوات يجب اتّباعها، من الدعم النفسيّ ومساعدة الأهل”.

المعالجة النفسية نبال غدادة

تتابع غدادة: “معظم حالات الطلاق التي نعاينها في مركزنا ناتجة عن التعنيف، بل الضرب المبرّح والاعتداء الجسديّ. نعمل قدر المستطاع مع السيّدة بهدف إعادة دمجها اجتماعيًّا، هنا ظروفها الخاصّة هي الأساس، مستواها العلميّ، وضعها الاقتصاديّ، قدرتها على العمل والإنتاج”.

منظمات لتقويم الخلل

بسؤالنا حول حقيقة مساعدة الجمعيّات التي تؤمّن فرص عمل للسيّدات، أو الجمعيّات الحقوقيّة للمرأة على تشجيع النساء على الطلاق تجيب غدادة: “هذا كلام للاستهلاك في مجتمعنا كونه مجتمعًا ذكوريًّا بالكامل، لا أحد يُشجّع على تفكيك الأسرة وتشريد الأطفال وخلق مشاكل اجتماعيّة”.

وتتابع: “إنّ فرص العمل التي أمّنتها المنظّمات للسيّدات ربّما كشفت كثيرًا من المشاكل التي كانت مخبّأة، فالمرأة التي تتعرّض للتعنيف والإهانة سترفضها حكمًا في حال اكتفائها اقتصاديًّا، هذا مؤشّر سلبيّ لناحية المشاكل الزوجيّة المخفيّة وراء سكوت النساء، بينما الطبيعيّ هو أن تكون المرأة شريكةً كاملةً في أسرتها من جميع النواحي”.

في المناطق الريفيّة تختلف نوعيّة العلاقات الاجتماعية عن المدينة، غالبيّة الناس تعرف بعضها، تتداخل في ما بينها بشكل يوميّ، لذلك وقع أيّ مشكلة يكون أكبر.

لست أقلّ من غيري

ح. ن. ابنة إحدى قرى شرق بعلبك تقول لـ”مناطق نت”: “نعيش في مجتمع لا يرحم، الجميع أمام الكاميرا يريد الظهور بأجمل صورة، أمّا الواقع فمختلف تمامًا، أنا إنسانة مطلّقة أين المشكلة؟ ما العيب بذلك؟ هل يجب أن أتقبّل حياة الذلّ والإهانة كي لا يتكلّم فلان وعلّان؟ ربّنا شرّع لنا الزواج بالمعروف والحسنى وإلّا فطلاق أبغض الحلال”.

تتابع ح. ن. ضاحكة: “حطّيت عالفايسبوك “منفصلة” إجاني ميّة ألف طلب صداقة بيومين، وكتير طلبات زواج مؤقّت لأنّو حلال شرعًا عنّا بينن واحد أكبر من الوالد. كثيرون يظنّون بالمرأة المطلّقة أنّها سهلة المنال وأنّها تخلّت عن قيمها وتربيتها وأخلاقها، لذلك أقول للجميع: أنا مطلّقة نعم، لكنّني لست ناقصة أبدًا ولا أقلّ من غيري بشيء، أفتخر أنّني رفضت حياة الذلّ والضرب والإهانة، من يقبلني كما أنا أهلًا وسهلًا ومن يرفضني مع ألف سلامة”.

الإدانة دائمًا تنتظر المرأة المطلّقة دون أدنى مراعاة لشعورها وخصوصيّتها، خصوصًا أن كثيرًا من الأهل يطلبون من بناتهم تحمُّل ظلم الزوج حفاظًا على زواجها”.

مهنتي حمتني

ر. م. مهندسة ديكور وأمّ لطفل صغير، تقول في حديث لـ”مناطق نت”: “نحن نعيش في مجتمع مظاهر بالكامل، إنّ كلّ ما نفعله ونقوم به قائم على قاعدة “ععيون الناس” دائمًا نسعى لإرضاء المجتمع ولو على حسابنا، بذريعة أنّنا في مجتمع لا يرحم، المرأة ليست مجبرة على تبرير انفصالها للناس، يكفي أن تعرف أنّها تختار الصواب الذي يناسبها ويعطيها السعادة في حياتها”.

تتابع المهندسة ر. م.: “مهنتي بالتأكيد حمتني وأمّنت لي حياة كريمة، فأنا مستقلّة ماليًّا ومكتفية مع ابني وأساعد أهلي أيضًا، لكن ماذا لو كنت غير متعلّمة ولا أعمل؟ بالتأكيد كنت سأكون عرضة لكثير من المضايقات، أعرف هذه المعاناة وأُحِسُّ بها حتّى لو لم أعشها، لذلك أنصح الفتيات بعدم ترك الدراسة والاجتهاد من أجل التحصيل العلميّ، لما له من فوائد كثيرة أهمّها أنّه بمثابة سلاح بنّاء في وجه المجتمع، وفي الوقت نفسه يُعطي نظرة أشمل للحياة والحبّ والعمل والزواج”.

الطلاق نقطة مفصليّة

يختلف الواقع النفسيّ الاجتماعيّ للمطلّقة بين المدينة والأطراف. حول ذلك تقول المتخصّصة في علم النفس العياديّ الدكتورة مارلين دميرجيان لـ”مناطق نت”: “من الطبيعيّ أن تتأثّر حياة الفرد واستجاباته تجاه ما يواجهه من أزمات بظروف محيطه وتنشئته، أيضًا من الملاحظ أنّ ردود الأفعال تختلف بين فرد وآخر، حتى داخل البيئة الثقافيّة نفسها، السبب في ذلك يعود إلى فرادته النفسيّة، إن جاز التعبير”.

وتضيف: “من هذا المنطلق، تختلف الاستجابات النفسيّة تجاه حالة الطلاق بين امرأة وأخرى، قبل البدء بعرض الانعكاسات النفسيّة للطلاق على المرأة في الأرياف، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ حياتها لم تعد مختلفة عن حياة المرأة في المدينة، بالأحرى لم يعد هناك من أرياف بالمعنى الحرفيّ للكلمة نتيجة ظاهرة التمدّن الذي امتدّ إلى المناطق- الأطراف جميعها في لبنان”.

تتابع الدكتورة دميرجيان: “في البدء يعدّ الطلاق نقطة مفصليّة أو لنقل انتقاليّة بين مرحلة العيش مع زوج أو شريك إلى العيش من دونه، هو يحمل معه تغييرًا في أسلوب الحياة نفسه، بمعنى أنّ الحياة مع شريك لن تبقى كما هي في غيابه. بالعودة إلى الانعكاسات النفسيّة للطلاق، فإنّها كما أشرنا، تختلف بين امرأة وأخرى، ممّا لا شكّ فيه أنّ الطلاق هو نهاية لزواج يمكن وصفه بالفاشل أو باللا متماسك”.

المتخصّصة في علم النفس العياديّ الدكتورة مارلين دميرجيان
سوء تقدير

تؤكّد دميرجيان: “أنّنا نلاحظ كاختصاصيّين أنّ هناك نساءً يعشن الطلاق على أنّه تحرّر من حياة زوجيّة “سامّة”، لا سيّما في حال وجود زوج عنيف أو مُدمن، في المقابل هناك كثير من النساء يشعرن بالخسارة والإحباط حتّى الحداد النفسيّ، تجاه انتهاء الزواج الذي كان من المفترض أن يؤمّن لهنّ الاستقرار النفسيّ الانفعاليّ الاجتماعيّ والاقتصاديّ، تتبدّى مواقف الغضب أحيانًا كثيرة في الكره تجاه الزوج السابق في حال اختبرت المرأة الأذى النفسيّ والجسديّ والجنسي”.

وتتابع: “ويظهر أيضًا سوء تقدير الذات عند نساء كثيرات نتيجة شعورهنّ بالفشل في بناء أسرة مستقرّة أو بتأدية أدوارهنّ كزوجات، ويقعن ضحايا الشعور بالقلق بسبب عدم امتلاكهنّ مهنة تضمن لهنّ مستقبلهنّ، أو مستوى اقتصادي يمكّنهنّ من العيش بطريقة لائقة”.

وحسب رأي الدكتورة دميرجيان: “تعاني الأمّ العازبة أو المطلّقة التي تعمل على رعاية أطفالها في حال تخلّي الأب عن رعايتهم، ولا يخفى أنّ كثيرًا من الرجال يحاربون زوجاتهم السابقات عبر ابتزاز شعورهنّ بالأمومة من خلال حرمانهنّ من حضانة أطفالهنّ أو ترك مهمّة الرعاية لهنّ من دون مدّهنّ بأيّة مساعدة مادّيّة ممّا يجعل البحث عن الدعم النفسيّ والمعنويّ والانفعاليّ والعاطفيّ هدفًا أساسًا في حياة المرأة المطلّقة”.

فوارق بين الأطراف والمدينة

تختم دميرجيان: “بالرغم من ظاهرة التمدين التي أشرنا إليها فإنّ المرأة في المناطق النائية تعاني من الآثار النفسيّة الكدرة للطلاق أكثر من المرأة في المدينة، ويعود السبب إلى النظام القيمي الخاص بمجتمعها، إذ توجد نظرة دونيّة للمرأة المطلقة، أحيانًا ينظر إلى الطلاق على أنه “عيب”، لذلك نرى كثيرًا من النساء يتحمّلن المآسي خوفًا من أن تلصق بهنّ هوية مطلّقة”.

في المُحصلة عند انهيار الدول ينهار معها سُلّم القيم الاجتماعيّة والضوابط الأخلاقيّة التي تُشكّل درعًا يحفظ حقوق الفرد والجماعة. للأسف، في لبنان تتكاثر الحفر والآفّات الاجتماعيّة بفعل تقهقر الدولة، وتشكّل المرأة الحلقة الأضعف، ممّا يزيد من الجرائم والتعدّيات التي تطالها قتلًا وضربًا وتعنيفًا وتحقيرًا، لذلك إيجاد الحلول الحقوقيّة الإنسانيّة التي تحمي النساء مطلب إنسانيّ طبيعيّ وجَدّيّ.

طارق الحجيري – مناطق نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى