في أي ظروف قد تغادر اليونيفيل لبنان؟
في خضم الحرب الأهلية اللبنانية وضمن أحداث الجنوب في حينها، أدت العملية العسكرية الإسرائيلية عام 1978 تحت مسمى “عملية الليطاني”، إلى اتخاذ مجلس الأمن الدولي قرار إنشاء قوة حفظ السلام الموقتة التابعة للأمم المتحدة “اليونيفيل” في لبنان استناداً إلى القرار الدولي رقم 425.
وبعدها بـ 28 عاماً وتحديداً على خلفية حرب يوليو (تموز) 2006 بين “حزب الله” وإسرائيل جرى تعزيز قوة حفظ السلام لمراقبة تنفيذ القرار 1701 ومساعدة الحكومة اللبنانية في بسط سلطتها جنوب البلاد.
هذه القوة المتعددة الجنسيات والتي تضم في صفوفها أكثر من عشرة آلاف عنصر من 47 بلداً ينتشرون ضمن 50 قاعدة بالقرب من الخط الأزرق، استطاعت منذ عام 2006 وطيلة 18 عاماً تأمين استمرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان من خلال مساهمتها بمعالجة النزاعات وعقد اجتماعات مباشرة بين الجيشين اللبناني والإسرائيلي في مركزها الرئيسي في بلدة الناقورة الحدودية، الأمر الذي أسهم باستقرار لم تعرفه المناطق الحدودية منذ الإعلان عن تأسيس دولة إسرائيل عام 1948.
إلا أن الأمور خرجت عن السيطرة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 واندلاع الحرب في قطاع غزة، ومعها دخول “حزب الله” على خط المعارك ضمن ما أسماه معركة “مساندة غزة”، الأمر الذي حول مناطق الجنوب إلى ساحة لمعارك مدمرة هجرت نحو 100 ألف مواطن لبناني ودمرت أكثر من 4 آلاف مبنى، وسط مخاوف من تكرار سيناريو حرب 2006 الذي كلف لبنان دماراً هائلاً قدر بنحو 15 مليار دولار إضافة إلى سقوط 1200 قتيل.
الوضع خطير للغاية
عن تطور الأمور الميدانية، مستقبل “اليونيفيل” في لبنان وما تعرضت له من أحداث في الفترة الأخيرة، تحدثت “اندبندنت عربية” في حوار خاص مع الناطق الرسمي باسم قوات “اليونيفيل” في لبنان أندريا تينينتي.
“الوضع في جنوب لبنان بات مقلقاً وخطيراً للغاية”، هكذا وصف تينينتي تطور الأمور الميدانية، ويضيف أن تبادل إطلاق النار الذي بدأ قبل أشهر كان ضمن حدود خمسة إلى ستة كيلومترات قرب الخط الأزرق، لكنه توسع إلى مناطق في العمق اللبناني ووصل بعض الاستهدافات إلى بعلبك والهرمل شمال شرقي البلاد بمسافة تبعد 130 كيلومتراً من الخط الأزرق.
وعن تطور الأمور واحتمال ذهابها إلى ما هو أخطر، يشدد تينينتي على أن لا أحد يستطيع التنبؤ بأخطار تلك الاستهدافات ومستقبل تلك الجبهة، إذ إن أي خطأ في الحساب يمكن أن يشعل نزاعاً أوسع، وقال “نعمل مع الأطراف لمحاولة تهدئة الوضع منذ عدة أشهر والأهم منع انزلاق الجبهة نحو حرب خطيرة”.
أكثر من 10 آلاف جندي
يوضح الناطق الرسمي باسم قوات “اليونيفيل” أن قوة حفظ السلام الموقتة تعمل في جنوب لبنان حالياً بقرابة 10 آلاف و500 جندي بهدف مراقبة منطقة العمليات مع نحو 400 نشاط يومياً، وذلك على رغم القصف الذي يشكل خطراً على التحركات أحياناً، ويؤكد أن عملهم في مراقبة الوضع لا يزال قائماً على رغم التحديات وكذلك العمل مع الجيش اللبناني كونهم “شركاءنا الاستراتيجيين”، حيث هناك نحو 30 نشاطاً مشتركاً مع الجيش، وقال “لدينا عمل كبير يجب أن نقوم به كقوة مستقلة في جنوب لبنان”.
ويضيف “الجزء الهام من العمل هو ما يقوم به رئيس بعثة اليونيفيل وقائدها العام اللواء أرولدو لازار، الذي يتواصل مع الجيش الإسرائيلي من ناحية والجيش اللبناني بشكل يومي”، مشدداً على أن “اليونيفيل” هي الهيئة الوحيدة التي يمكنها التحدث مع الجانبين من البلدين اللذين ما زالا في حالة حرب منذ زمن.
اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
القرار 1701
يذكر تينينتي بأن عمل قوات “اليونيفيل” في الجنوب جاء بناءً على طلب السلطات اللبنانية التي كانت دائماً إيجابية للغاية بشأن وجود تلك القوات، إضافة إلى أنها تؤكد مراراً وتكراراً التزامها الكامل بقرار مجلس الأمن الدولي 1701، ويكشف أن “الفترة الأخيرة التي سبقت أحداث قطاع غزة كانت هادئة بشكل استثنائي في جنوب لبنان ويقول “نحن كنا نأمل في المضي قدماً، ولكن بالطبع تلك الأحداث جعلت هذا غير ممكن ونحن نحاول العودة إلى مرحلة ما قبل السابع من أكتوبر… ولحينها جنودنا ما زالوا على الأرض وما زلنا نقوم بنشاطات ليس فقط للمراقبة ولكن أيضاً لمساعدة السكان المحليين، وهذا لم يتوقف”.
وعن تأثير توسع الضربات الإسرائيلية إلى مناطق البقاع على عمل قوات حفظ السلام الدولية، قال تينينتي إن “القرار 1701 هو قرار تم اعتماده في عام 2006، ولكن لمنطقة جنوب لبنان فقط من نهر الليطاني شمالاً إلى الخط الأزرق جنوباً، ولا يعني بشكل مباشر مناطق لبنانية أخرى، لكنه يتضمن الأحكام الرئيسية للقرارات الدولية السابقة التي تضمن الأمن، والاستقرار في لبنان ودعم الجيش اللبناني”.
ويضيف أن الأحداث الجارية رسخت قناعة الجانبين وفهمهما لأهمية تنفيذ القرار 1701 كسبيل للعودة إلى الاستقرار، ومؤكداً أن التنفيذ الكامل للقرار 1701 يمكن أن يكون الحل لهذا الصراع، ويفتح نافذة من الفرص للأطراف كافة.
العلاقة مع سكان الجنوب
وتحدث تينينتي عن علاقة “اليونيفيل” مع السكان المحليين في جنوب لبنان، حيث بدأ وجود البعثة الأممية في 17 مارس (آذار) عام 1978 حين تأسست وباشرت مهامها، وكان عديدها ألفي جندي فقط، وزاد عددهم مع مرور الوقت وترسخت لاحقاً بعد حرب يوليو 2006 مع صدور القرار الدولي 1701 حيث تم توسيع دورها ومهامها ورفع عديدها إلى 13 ألف جندي، وقال “كانت اليونيفيل مع الأهالي طيلة فترة النزاعات بين لبنان وإسرائيل وكذلك مرحلة الحرب الأهلية”.
“العلاقة مع سكان الجنوب جيدة وهم يرحبون بوجودنا” يقول تينيتني على رغم وجود بعض الحوادث العرضية، إنما العلاقة بشكل عام إيجابية للغاية، كاشفاً أن “اليونيفيل” تقوم منذ سنوات بالعديد من الأنشطة مع السكان المحليين سواء في مجال الإعمار، أو في تقديم المساعدات مثل توزيع المولدات، النشاطات الطبية، ومعالجة آلاف الأشخاص بانتظام، بما في ذلك الأطباء البيطريين وأطباء الأسنان، وأيضاً الأنشطة المتعلقة بالتدريب ليس فقط مع السكان المحليين، ولكن أيضاً مع الجيش اللبناني.
حوادث دموية
وفي رده على سؤال عن تسجيل عدة اعتداءات على قوات “اليونيفيل”، لفت إلى أن أول استهداف كان عام 2007 حين تعرضت الكتيبة الإسبانية لهجوم دموي في منطقة الخيام وقتل حينها خمسة من رجال السلام، وكذلك عام 2022 في منطقة العاقبية حيث قتل جندي من الكتيبة الإيرلندية، إضافة إلى اعتداءات عدة غيرها حصلت، وقال “أعلم أن التحقيق ما زال مستمراً ولم يُنجز بعد، ونتابع مع السلطات اللبنانية التحقيقات في تلك الحوادث المأساوية لمعرفة الأطراف المتورطة والرسائل التي يريدون إيصالها”.
وانطلاقاً من التطورات الأخيرة قبل أسابيع حين تم اعتراض دورية لليونيفيل في الضاحية الجنوبية لبيروت من قبل عناصر “حزب الله”، أكد تينيتني على أن وجودهم هو تحت البند السادس من ميثاق الأمم المتحدة، وبموجب القرار 1701 يحق لهم العبور في جميع القرى والمدن اللبنانية وهم دائماً ما يقصدون العاصمة بيروت وتحديداً المطار، معلقاً على الحادثة بالقول “كانت بسبب خطأ في المسار أثناء التوجه إلى المطار، باستخدام الطرق واستخدام نظام تحديد المواقع… لكن تم حل هذه المسألة على الفور”.
أما عن النشاطات التي يقومون بها في الجنوب أو غيره بما يشمل الرصد والدوريات، فأكد أنها تنفذ بشكل مستقل لكن بمعرفة وتنسيق الجيش اللبناني، ويضيف “لا يعني هذا أنه يجب علينا أن نكون مع الجيش اللبناني طوال الوقت”.
سألنا تينينتي عن إمكانية استعمال “اليونيفيل” القوة وفي أية ظروف، فرد بالتأكيد على أن إدراج القرار الدولي 1701 تحت الفصل السادس أي مهمة حفظ سلام يحصر نطاق عمل البعثة في إطار المراقبة والتنسيق بين الأطراف، وبالتالي لا تستطيع “اليونيفيل” استخدام القوة لاستعادة الاستقرار في البلد كونها ليست تحت الفصل السابع، لكنه أكد في الوقت عينه الحق في استخدام القوة عندما يكون هناك تهديد واضح باستخدام العنف ضد عناصر قوة حفظ السلام.
يقول تينينتي إن احتمالية تعرض عناصر من “اليونيفيل” لضربة عسكرية وتحديداً من الجانب الإسرائيلي هو قائم، فهي موجودة في الجنوب في خضم الغارات وتبادل إطلاق النار ضمن 50 قاعدة، ويؤكد أن “الخطر بات اليوم أكبر ويزداد كل يوم ونحن نعي هذا”.
اجتماعات ثلاثية
ويكشف الناطق الرسمي باسم قوات “اليونيفيل” عن عقد “اليونيفيل” أكثر من 150 اجتماعاً مباشراً بين الجيشين اللبناني والإسرائيلي منذ عام 2006 لمعالجة الكثير من الإشكالات، معتبراً أنها “أحد أهم الآليات لبناء الثقة”، حيث تم تجنب النزاع بين الأطراف مراراً وتكراراً وأيضاً العمل على تحديد الخط الأزرق بشكل مرئي، لكن هذه الاجتماعات توقفت منذ أكتوبر الماضي، ويعلق قائلاً “أن نعقد اجتماعاً بين بلدين لا يزالان في حالة حرب كان نجاحاً كبيراً”.
وشدد على أن تطبيق القرار 1701 هو بالشراكة مع الجيش اللبناني، وأيضاً من قبل المجتمع الدولي لتعزيز دور الجيش اللبناني، لافتاً إلى ضرورة العمل لحصول الجيش على القدرات والإمكانات اللازمة للسيطرة على الجنوب، حتى في ما يتعلق بالأعداد، حيث يطلب القرار 1701 نشر نحو 15 ألف جندي في الجنوب، مؤكداً أهمية مساعدة الجيش لبسط سيطرته على الجنوب.
ويؤكد تينينتي ألا تواصل أبداً مع “حزب الله”، فهم يتواصلون فقط مع السلطات اللبنانية وتلك المحلية في البلدات حيث توجد عناصرهم.
استبعاد مزارع شبعا
وحول استبعاد مزارع شبعا وتلال كفرشوبا من مهمة قوات حفظ السلام الدولية علماً أنها تقع بين الخط الأزرق ونهر الليطاني، اعتبر أنها مسألة يجب حلها من خلال الدول المعنية بالتدخل لدى الأمم المتحدة في نيويورك، لافتاً إلى أهمية حل هذا النزاع في مهمة للسلام والاستقرار في المنطقة، وقال “إلا أنها غير مرتبطة مباشرة بولايتنا”.
وأشار إلى أنه من الصعب معرفة قدرات “حزب الله” بعد السابع من أكتوبر، إلا أن مشاركتهم في النزاعات المستمرة لمدة ستة أشهر تؤكد على وجودهم الكبير في الجنوب.
مؤكداً ضرورة معالجة قضية الحدود بين لبنان وسوريا، حيث يمكن حلها ثنائياً من قبل البلدين، حتى وإن كانت هناك منطقة محتلة، لا سيما أن هذا الجانب من الأرض لا يشمله القرار رقم 1701 كما قرر مجلس الأمن، مشيراً إلى أنه لم يتم نسيان قضية مزارع شبعا، ولكنها ليست ضمن جدول أعمال “اليونيفيل” لأن مجلس الأمن قرر حينها استثناءها.
مغادرة لبنان
ختمنا لقاءنا مع تينينتي بسؤاله: في أي ظروف قد تغادر “اليونيفيل” لبنان، فأجاب مؤكداً “كنا هنا منذ عام 1978 وأثناء الاحتلال والحرب الأهلية والحرب في عام 2006 ولم نغادر أبداً، وحتى الآن نواصل المراقبة والبقاء على الأرض، لذا، في الوقت الحالي نحن هنا”. ويضيف مشدداً على أنه إذا تدهور الوضع تماماً وتحول إلى نزاع أوسع، سيقرر حينها مجلس الأمن الذي من صلاحياته حسم مسألة بقائنا أو المغادرة.