مجازر الطيور المهاجرة.. لبنان مصيدة الفصائل النادرة
صدى وادي التيم – لبنانيات /
يعكس استقبال الطيور المهاجرة جوانب من العدوانيّة والنرجسيّة في شخصيّة “الصيّاد” اللبنانيّ. وتحفل وسائل التواصل الاجتماعيّ سنويًّا بآلاف “البوستات” التي يتباهى فيها الصائدون بقتل أكبر عدد من الطيور، والتفنّن بتزيين مقدّمات سيّارات الدفع الرباعيّ فيها.
ولا تتوقف المشكلة عند هذا الحدّ، وإنّما تتجاوزها إلى “القتل من أجل القتل” أحيانًا، عندما يقوم هؤلاء باصطياد طيور غير صالحة للأكل، أو حتّى رمي الطيور التي اصطادوها. وبين هذا وذاك، يشهد القطاع تطوّرًا مستمرًّا في أدوات وأساليب “خداع” الطيور، من استخدام أدوات الأصوات الاصطناعيّة “السكسَيكة”، إلى الأضواء الكاشفة الضخمة، والشباك الضخمة التي تصطدم بها الطيور، وتعلق بكميّات معتبرة.
الطير المهاجر بمواجهة الكلاشينكوف
أخيرًا، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعيّ فيديو، يظهر فيه أزيز أسلحة رشّاشة نحو الطيور المهاجرة. يقود التدقيق إلى اكتشاف أنّ الصوت تمّ تركيبه على الفيديو، ولم يكن إطلاق الرصاص بهذا العنف والشدّة. إلّا أنّ ذلك لا ينفي غزارة النيران، حيث تظهر اللقطات حركة دائريّة وإرباكًا في مسار الطيور المهاجرة نتيجة الصيد العشوائيّ الذي يطال أسرابها. ليست هذه الحادثة نادرة في القاموس اللبنانيّ، إذ ينتشر صدى أسلحة الصيد وتلك الرشّاشة في موازارة عبور الطيور فوق أكثر المناطق الريفيّة والجبليّة، ويجزم مواطنون بأنّهم أحينًا “لا نتمكّن من النوم بسبب الصيد الكثيف”.
يؤكّد الناشط البيئيّ ميشال صوّان أنّ “الصوت في الفيديو الذي انتشر هو صوت مركّب، ولكنّ المجزرة حقيقيّة، وفي كلّ يوم تتكرّر هذه الأحداث في مختلف المناطق اللبنانيّة”. ويشدّد صوّان على “أهمّيّة لبنان بالنسبة لمسار الطيور المهاجرة في موسميّ الخريف والربيع، إذ يعبر في أجوائه قرابة 415 نوعًا من أنواع الطيور، وقد اكتشفنا أخيرًا نوعًا إضافيًّا فوق البحر. ويسمّى بحسب الخبراء بـ “عنق الزجاجة” بسبب مرور أعداد من الطيور فوقه في أثناء الهجرة، و”لكن للأسف بات مصيدة ومقبرة للطيور بفعل الخرق الفاضح للقوانين، وغياب المحاسبة”.
تعاون لكبح الصيد الجائر
منذ سنوات، بدأ ناشطون بيئيّون وصيّادون محترفون، تنسيق جهودهم لضبط عمليّات الصيد الجائر، والتعاون مع القوى الأمنيّة. ينطلق ميشال صوّان من تجربته الخاصّة في المنطقة التي تزدهر فيها أعمال الصيد ضمن قضاء المنية الضنّيّة شمال لبنان، ويشير إلى أنّه “ضمن المنطقة التي تضمّ تربل، وبوسيط، وحيلان ومرياطة (زغرتا)، وعزقي، وبيت عوكر، وكفرحبو، ومراح السفيرة، ومراح السراج، تُنظم دورية مسيرة مع الدرك، وقد ساهمت هذه الجهود في قمع كبير لأعمال إطلاق النار على الطيور المهاجرة”، معبّرًا عن أسفه إلى استمرار المجازر بحقّ “العرنوق” في عكار، والتي يوثقها الصيّاد، وينشر عبر تطبيق تيكتوك.
يتحدّث عن صعوبات كبيرة في أعمال ملاحقة الصيّادين، بسبب أعدادهم، وأحيانًا مجهوليّة مكان إقامتهم. ويعتقد أنّ “غياب المحاسبة، وضعف القانون، وضآلة الغرامة تدفع إلى استشراء هذه الأعمال”. فعلى سبيل المثال، “غرامة الصيد الجائر هي 500 ألف ليرة لبنانية، أي أنّها دون 6 دولارات أميركيّة، وهي أقل من قيمة علبة الخرطوش، حيث يبلغ ثمنها بين ثمانية دولارات و30 دولارًا”.
من جهته يشير الناشط خيرالله فتفت إلى مبادرات أهليّة لتنظيم أعمال الصيد، ومكافحة الصيد العشوائيّ الجائر، مؤكّدًا مراقبة ممرّ الهجرة فوق داريّا الضنّيّة، ونشر الوعي بين الناس لناحية أهمّيّة الالتزام بمواقيت الصيد، وعدم استهداف أنواع محدّدة من الطيور غير قابلة للأكل أو في مواسم التكاثر.
مواقع التواصل تفضح المخالفين
تلعب مواقع التواصل الاجتماعيّ دورًا مزدوجًا في موضوع الصيد الجائر للطيور، فترعى من جهة، تحوّل المجازر إلى “تراند”، وتدفع الشبان للتباهي في ما بينهم، ومن يقتل أكثر من الآخرين. ومن ثمّ تصويرها، ونشرها على صفحاتهم الشخصيّة، أو المجموعات. ولكن في المقابل، باتت تُستخدم قرينة قانونيّة ضدّهم أثناء الملاحقة، وعند تحرّك النيابة العامّة البيئيّة.
يلفت صوّان إلى “مراسلة (فيسبوك) و(آنستاغرام) لإغلاق تلك الصفحات المروّجة للصيد الجائر، لكن الجواب جاء سلبيًّا”، لذلك، فإنّ التعويل يقع على جهود الدرك، علمًا أنّ الأزمة أثرّت كثيرًا في تأمين الموارد للمساعدة في كبح ومكافحة المخالفات، إذ تلتزم التنقل من مكان إلى آخر”. متحدّثًا عن “تفاوت التعاون بين الأهالي، فالبعض يتذصل ويُخبر عن أعمال صيد مخالفة، ولكن في المقابل، يرفضون كشف هويّة مطلق النار، أو تزويدنا بصورهم أو التسجيلات”.
مركز لمعالجة الطيور
منذ سنوات أنشأ ميشال صوّان مركزًا لعلاج الطيور المصابة، وتأهيلها، وإطلاقها من جديد، كاشفًا عن اضطراره لتوسيع نطاق المركز، بسبب ازدياد في أعداد الإصابات التي تطال أحيانًا طيورًا مهددة بالانقراض. يتطرق صوّان إلى “إصابة طير نادر من فصيلة الرخمة المصريّة فوق عكّار”، قائلًا: “بذلنا جهودًا طوال يومين للوصول إليها، ولكن عند بلوغنا عكار، كانت قد نفقت”، في المقابل، “أدّى هذا الفعل إلى مشاكل في بعض القرى، بسبب انتقادات قتل طيور مهاجرة لا يمكن أكلها”.
المصدر: بشير أيوب – مناطق نت