الموائد الرمضانية اللبنانية تفقد حلوياتها البيتية العريقة

صدى وادي التيم-لبنانيات/

لا يمكن توصيف موائد شهر رمضان من دون ذكر حلوياته وعصائره السكرية التي تترافق والإفطارات اليومية ولا تغيب عن السحور. وقبل الانتشار الواسع لمتاجر الحلويات وشهرة أسماء عديدة من عالمها الممتد على مساحة لبنان، كانت حلويات شهر رمضان بيتية بامتياز، تشرف سيدات البيوت على إعدادها وتحضيرها كي تواكب موائدهن العامرة بكل ما لذ وطاب.

ومنذ سنوات طوال ومع ازدياد عديد محال الحلويات التي تبيع أصنافها العربية وغيرها من أصناف مبتكرة، وتكاد لا تخلو بلدة أو قرية من أحد متاجرها، تراجعت همة العائلات ونسائها في صناعة حلوياتها البيتية، خصوصاً أنها تحتاج إلى وقت كافٍ من التحضير والإعداد والطبخ قبل أن تجهز لتقدم على المائدة أو بعدها.

من المؤكد أن شراء الحلويات الجاهزة يقتصد كثيراً من الجهد المطلوب لإعدادها في البيوت، وربما بكلفة أقل، أو بما يوازيها “لكن طعم حلويات البيت يبقى ألذ وأطيب وموادها المكونة مضمونة مئة في المئة”، كما تقول السيدة سلام شمس الدين التي ما زالت تعد الحلويات في مطبخها البيتي.

حلويات المتاجر الأغلى

في المقابل، تتنافس متاجر بيع الحلويات في تقديم أصناف “رمضانية” متنوعة على نحو “القطايف” و”زنود الست” و”كلاج رمضان” و”المدلوقة” و”العثملية”، وغيرها، لكنها باتت حلويات باهظة الثمن، ليس بمقدور أسرة متواضعة تعتاش من راتب وظيفي محدد، أن تنعم بطعم هذه الحلويات مرة كل يوم، أو ربما مرة في الأسبوع أو في الشهر، إذ يراوح سعر الجيد منها ما بين 10 دولارات و20 للكيلوغرام الواحد.

ويجمع عديد من أصحاب المتاجر الشهيرة لبيع الحلويات في الجنوب على أن غلاء أصنافهم من الحلويات يعود إلى “جودة” المواد المستخدمة في صناعتها كالحليب والسمن والقشدة وغيرها من المواد “التي أثقلتها الضرائب المفروضة عليها في لبنان، من الجمارك إلى ضريبة القيمة المضافة وارتفاع كلفة الشحن بعد أحداث البحر الأحمر، في ظل ارتفاع سعر الدولار الأميركي وانهيار قيمة الليرة اللبنانية، بالتالي انهيار مدخول الفرد والرواتب”، بحسب ما يقول الحلواني الشاب محمد الأمين مالك متجر “حلويات الديماسي” الأقدم في مدينة النبطية.

ويضيف حفيد محيي الدين الديماسي، الجد الفلسطيني الأصل الذي افتتح دكانه في النبطية سنة 1949، بعد عام من نزوحه من فلسطين إلى لبنان وإقامته في النبطية، “متجرنا ما زال يحافظ على أصناف قديمة من أيام جد جدي، وهي المدلوقة التي لم تكن معروفة في النبطية، فقدمها وأطلق عليها تسمية (مدلوقة الديماسي)، وما زلنا نبيعها كحلويات شعبية مرغوبة نحافظ على أن يكون سعرها أقل من الأصناف الأخرى، لكي تصل إلى أكبر شريحة شعبية، إلى جانب المشبك والمعكرون والعوامة والصفوف والنمورة”.

إقبال على حلويات رمضان

ويشير الحلواني الأمين “كنا نخشى بعد أشهر من تراجع الإقبال على شراء الحلويات بسبب الحرب الدائرة على الحدود الجنوبية، أن تتراجع أكثر في شهر رمضان، لكن مفاجأتنا كانت كبيرة بالإقبال الشديد على شراء الحلويات أكثر بكثير من المواسم السابقة”.

يميز الأمين بين حلويات شهر رمضان والحلويات الدائمة في مختلف أيام السنة “فالناس هنا في الجنوب تقبل على (القشطيات) أكثر من غيرها، نضيف إليها أصنافاً لا نقدمها إلا في خلال شهر الصوم، وتعد أصنافاً رمضانية معروفة على نحو: (زنود الست) و(التمرية) و(كلاج رمضان) والقطايف بأنواعها، بالقشدة والجبن والجوز، عادية أو مقلية، أو عصافير، ونقدمها في العادة مرتين في الأسبوع، في يومي الصوم الاختياري كل إثنين وخميس، إضافة إلى أصناف أخرى كحلاوة الجبن والشعيبيات و(المدلوقة) التي يكثر الإقبال عليها في رمضان، لكنها متوافرة طوال أيام السنة”.

تباين حاد بالأسعار 

تتباين أسعار الحلويات بين متجر وآخر، وبين منطقة وأخرى، ليس في الجنوب فحسب، بل في جميع الأراضي اللبنانية، لكن أسعار الحلويات هذا العام تعد مرتفعة مقارنة مع السابق من أشهر الصيام وأيام السنة العادية.

لا يحمل الأمين هذا التباين إلى المضاربة التجارية، أو العرض والطلب على الحلويات “إنما بسبب انخفاض قيمة الدولار، وما كنا نشتريه بـ150 دولاراً صار بـ200. أضف إلى أننا نستخدم في صناعة حلوياتنا (جودة) عالية، لذلك أسعارنا هذا الشهر وهذا الموسم هي الأغلى منذ زمن بعيد”. ومرد ذلك، بحسب الأمين، “إلى ارتفاع كلفة الشحن والجمارك والضرائب المختلفة في لبنان على المواد الأولية المستخدمة في صناعة الحلويات، كالطحين والحليب والسمن والزيوت والزبد، وارتفاع سعر البضائع عينها بسبب الكلفة الإضافية التي تفرضها أحداث البحر الأحمر، مما جعل التجار الكبار يرفعون أسعارهم، ومن البديهي أن نرفع نحن أسعارنا بما يتناسب مع كل ما ذكرناه، بل إننا مضطرون إلى رفعها”.

الفرق بالجودة

يباع الكيلوغرام الواحد من الحلويات العربية، وهي عبارة تطلق على الحلويات الرخيصة أو القديمة المعروفة، كالصفوف والنمورة والمشبك والمعكرون، بنحو 700 ألف ليرة لبنانية، أي ما يعادل 8 دولارات أميركية في بعض المتاجر، ويقابلها بنحو 350 ألف ليرة للكيلوغرام الواحد من الصنف عينه، إنما في متاجر أخرى بما يعادل 4 دولارات. أما “المدلوقة” التي تتمتع بشعبية كبيرة في منطقة النبطية فيبلغ سعر الكيلوغرام الواحد منها بـ900 ألف ليرة، أي 10 دولارات، وتعد صنفاً شعبياً، لكن ليس بمقدور جميع الناس الحصول عليها، خصوصاً أصحاب الدخل المحدود. فيما تتجاوز المدلوقة المصنوعة بالقشدة البلدية وعجينة الفستق ومدعمة بالفستق الحلبي والكاجو، مليوناً و500 ألف ليرة إلى نحو مليوني ليرة للكيلوغرام الواحد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى