جوزاف عون رئيساً مع وقْف التنفيذ؟
صدى وادي التيم-لبنانيات/
لم يكن قد مضى على انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية إلّا أربعة أشهر عندما صدر في 8 آذار 2017 المرسوم 305 وقضى بتعيين العميد الركن جوزاف عون قائداً للجيش وترقيته إلى رتبة عماد. بعد عامين فقط سيبدأ التداول باسمه مرشحاً محتملاً لرئاسة الجمهورية، وتعزّز هذا الأمر تباعاً مع سلسلة تطورات وضعته في مقدمة المرشحين، وإن لم يُطرح اسمه مباشرة وعلناً في أي جلسة انتخاب من الجلسات الإثنتي عشرة التي عقدت، وحصل في الأخيرة منها في 14 حزيران الماضي على صوت واحد. فهل يتحوّل هذا الصوت لاحقاً إلى أكثرية ضامنة لانتخابه رئيساً؟
كان من المقرّر أن يغادر العماد جوزاف عون إلى باريس لحضور المؤتمر المخصّص لدعم الجيش اللبناني في 28 شباط الماضي، ولكنّ تأجيل الموعد ألغى زيارته إلى العاصمة الفرنسية على رغم أنّ معلومات ذكرت أن تحضيرات كانت سبقت هذا الموعد عبر إرسال موفدين.
ولكن القائد غادر أمس إلى إيطاليا بدعوة من قائد الجيش الإيطالي للمشاركة في اجتماع تنظّمه السلطات الإيطالية للبحث في سبل دعم المؤسسة العسكرية لمواجهة الظروف الاستثنائية الراهنة، وذلك بمشاركة قادة جيوش إسبانيا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا. هذا المؤتمر لا يشكل بديلاً عن مؤتمر باريس، بل مكملاً له. وهو يُعقد تحت عنوان المساعدة في تطبيق القرار 1701 الذي يجب أن يلعب فيه الجيش مع القوات الدولية دوراً رئيسياً. هذا الدور الذي يوجد إجماع حوله لبناء مقتضيات اليوم التالي لما بعد انتهاء حرب غزة والعمليات العسكرية على جبهة الجنوب في لبنان، يرتبط حكماً أيضاً بالدور المتصل به والذي يمكن أن يلعبه قائد الجيش بالإنتقال من اليرزة إلى قصر بعبدا.
زيارات العماد عون إلى الخارج ارتبطت بمسألة التمديد له في القيادة ثم بتعيين اللواء حسان عودة رئيساً للأركان ليحلّ محله في غيابه. ولكن عدم اعتراف وزير الدفاع العميد موريس سليم بهذا التعيين ورفضه توقيع أي بريد يصله منه، يضع العماد جوزاف عون أمام معضلة عسكرية تقتضي منه السفر والعودة في اليوم نفسه، لأنّ ثمة بريداً يومياً يجب أن يوقّعه الوزير ويتعلّق بتسيير شؤون المؤسسة العسكرية. ويأتي ذلك من ضمن العراقيل التي تواجهه في الحرب التي يشنّها عليه «التيار الوطني الحر» ربطاً بطرح اسمه مرشحاً لرئاسة الجمهورية.
لم يكن جنديا في “التيار”
راهن رئيس الجمهورية السابق ميشال عون ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، بعد تعيين جوزاف عون قائداً للجيش، على أن يكون جندياً في حملة إيصال باسيل إلى قصر بعبدا. ولكن الوقائع خالفت التوقّعات وناقضتها. منذ انتفاضة 17 تشرين 2019 بات اسم جوزاف عون مطروحاً كأحد المرشحين الفعليين وإن غير المعلنين إلى رئاسة الجمهورية. وبدأت حملات الرئيس السابق، مع صهره الذي كان ينتظر فرصته، على القائد معتبرَين أنّه كان شريكاً أساسياً في انطلاق تلك الإنتفاضة، أو المؤامرة على العهد السابق والعهد اللاحق. أخذ عون وباسيل على العماد عون أنّه لم ينفذ الأوامر بقمع الإنتفاضة ولم يفتح الطرقات بالقوة. واتهماه بأنّه سهل عمليات قطعها بهدف أن يكون مرشحاً جدياً للرئاسة، بالتنسيق مع الدول التي دعمت تلك الإنتفاضة وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية.
صحيح أنّ انتفاضة 17 تشرين أعطت الجيش وقائده مركزاً متقدماً في حماية النظام والمؤسسات وفي الحرص على التحركات الشعبية، ولكنها كانت أيضاً بداية لمرحلة كرّست هذا الأمر أكثر مع بدء الحرب في مواجهة تفشي وباء كورونا. في 4 آب 2020 وقعت كارثة انفجار مرفأ بيروت وبينما كانت السلطة السياسية تترنّح في العجز عن التصدّي للأزمات السياسية والإجتماعية وللإنهيار المالي والإقتصادي، وتفقد شرعيتها التمثيلية الشعبية والدولية، لم يجد المجتمع الدولي إلا الجيش وقائده مدخلاً للولوج إلى معالجة التدهور والحدّ منه خوفاً من الإرتطام الكبير. ولذلك مع اتهام السلطة بالفساد وبالعجز عن تولّي أيّ عملية للإنقاذ، كان الجيش الممرّ الإلزامي لمسح الأضرار ووصول المساعدات وتوزيعها باعتباره المؤسسة التي من الممكن أن يُعتمد عليها.
جولات قبل جولة الرئاسة
في ظل هذا الوضع المتدهور كان على قائد الجيش أن يعمل على تحصين وضع الجيش الأمني والعسكري والمالي حتى يظلّ صامداً. ولذلك كان عليه أن يقوم بزيارات دولية يستطيع من خلالها تأمين الدعم المالي واللوجستي الذي يجنّب الجيش الإصابة بداء الإنهيار الذي شلّ عمل الدولة. وكان عليه أن يقوم بجولات داخلية على عدد من المراكز العسكرية محذراً من تجويع الجيش لأنّه من الشعب. ولكن اللافت في هذه الجولات الخارجية كانت الإشارات المشتركة إلى الإستقبالات التي كان يلقاها واعتُبرت وكأنّها تعاطٍ مع رئيس محتمل، بينما كان الرئيس الفعلي ميشال عون يلتزم قصر بعبدا في عزلة شعبية وداخلية وعربية ودولية. واللافت أيضاً أنّ هذه الجولات شملت الدول التي تشكلت منها لاحقاً اللجنة الخماسية التي تبحث عن رئيس.
السعودية وبريطانيا وباريس
الأربعاء 19 حزيران 2019 زار العماد جوزاف عون المملكة العربية السعودية والتقى نظيره السعودي رئيس هيئة الأركان العامة الفريق الركن فياض بن حامد الرويلي، وجرى البحث في سبل تعزيز العلاقات بين الجيشَين وتطوير التعاون العسكري والأكاديمي. كما كانت له جولة على عدد من المواقع والقيادات العسكرية في المملكة التي كانت خصّصت أيام الملك عبدالله مبلغ 3 مليارات دولار لدعم الجيش بأسلحة فرنسية قبل أن تُلغى الصفقة نتيجة مشاركة «حزب الله» في دعم الحوثيين في حرب اليمن.
وفي 26 أيار 2021 لم تكن زيارة العماد جوزف عون إلى باريس الأولى التي يقوم بها. لكنها كانت لافتة من حيث الحفاوة، وخصوصاً لجهة استقباله من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه، في خطوة تعدّ استثنائية من الناحية البروتوكولية. وإذا كانت وقتها وُضعت ضمن إطار مواجهة التطورات الكارثية التي كان يعيشها لبنان وإخفاق باريس في دفع الطبقة السياسية اللبنانية للسير بمبادرتها الإنقاذية التي طرحها ماكرون خلال زيارتيه إلى لبنان في آب وأيلول 2020، إلا أنها اعتُبرت وكأنّها زيارة رئيس دولة لرئيس دولة لأنّ عون استُقبل وكأنّه رئيس للجمهورية.
القاهرة والدوحة وواشنطن
في 28 تموز 2021 زار قائد الجيش مصر والتقى رئيسها عبد الفتاح السيسي وبحث معه في تعزيز العلاقة بين الجيشين. وفي مبنى وزارة الدفاع أقيمت له مراسم استقبال وتشريفات، والتقى القائد العام للقوات المسلحة المصرية وزير الدفاع والإنتاج الحربي الفريق أول محمد زكي. الحفاوة المصرية التي استقبل بها عون خرجت عن سياق زيارة قائد جيش وتعدتها إلى الربط مع ترشيحه للرئاسة، خصوصاً أن مصر كان لها دور أساسي سابقاً مع قطر في ترجيح كفة انتخاب العماد ميشال سليمان لرئاسة الجمهورية في 25 أيار 2008.
وفي أول تشرين الأول 2021 كان عون يزور واشنطن مرة ثالثة بعد زيارتين تخلّلتهما لقاءات وتركّز البحث فيهما على تأكيد أن الدعم الأميركي للجيش اللبناني مستمر رغم إمكان تخفيض مساعدات جيوش أخرى، وهو الدعم الدولي الأبرز الذي يعتمد عليه الجيش مادياً ولوجستياً وكانت آخر دفعة مساعدات تلقاها كناية عن خافرات سواحل لمراقبة الحدود البحرية ومكافحة الهجرة غير الشرعية.
الزيارة الثالثة إلى واشنطن لم تقتصر على اللقاءات العسكرية بل تعدّتها إلى المستوى السياسي حيث أجرى لقاءات في وزارة الخارجية بحضور السفيرة الأميركية وقتها في لبنان دوروثي شيا، كما أجرى لقاءات في السفارة اللبنانية مع عدد من أعضاء الكونغرس وأعضاء مجلس الأمن القومي ومجموعة من المسؤولين في وزارتي الخارجية والدفاع، ونواب أميركيين من أصل لبناني بحضور شيا. وهذا ما أعطى أيضاً بعداً رئاسياً للزيارة التي تركت هواجس لدى «حزب الله» الذي كان أمينه العام ينتقد بشكل مباشر العلاقة بين واشنطن وبين الجيش، ويتحدث عن الخبراء الأميركيين الذين يقيمون في وزارة الدفاع وعن السفيرة الأميركية التي تسرح وتمرح في اليرزة.
وفي 10 كانون الأول 2022، زار قائد الجيش اللبناني قطر، تلبية لدعوة نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وحملت الزيارة عنوان البحث في سبل استمرار دعم الجيش خلال هذه المرحلة. هذه الزيارة اكتسبت أهمية في توقيتها ومغزاها نظراً لأنها أتت في زمن الشغور الرئاسي والبحث عن رئيس توافقي ترضى به القوى المعارضة والثنائي الشيعي و»التيار الوطني الحر». وكان اسم العماد عون متداولاً كرئيس توافقي مقبول من واشنطن وباريس والدوحة.
وكانت دولة قطر تولّت تقديم دعم مالي وعيني للمؤسسة العسكرية في لبنان كي تتمكّن من الصمود والحفاظ على الأمن والاستقرار. وتمثّل هذا الدعم بمساهمة مالية بقيمة 60 مليون دولار لمساعدة عناصر الجيش وضباطه بمبلغ مالي يعوّض تراجع قيمة الرواتب، كما تمثّل بالالتزام بتقديم 70 طناً من المواد الغذائية شهرياً لمدة عام، ويجري العمل على تجديد هذا الدعم لمدة عام جديد.
محطة اليرزة
لم يقتصر التعاطي مع العماد جوزاف عون في هذه الدول كمرشح محتمل لرئاسة الجمهورية. يتم التعاطي معه في لبنان وكأنّه البديل المحتمل عن رئيس الجمهورية غير المنتخب. يحصل ذلك عندما يتحول مكتبه في اليرزة إلى محطة يزورها كل الموفدين الدوليين الذين يبحثون عن حل للأزمة اللبنانية، عن انتخاب رئيس للجمهورية، ثم عن تطبيق القرار 1701 بعد اندلاع حرب غزة في 7 تشرين الأول الماضي وإشعال «حزب الله» جبهة الجنوب دعماً لحركة «حماس». من جان إيف لودريان إلى برنارد إيميه وآموس هوكشتاين وغيرهم، بات العماد جوزاف عون ثابتاً في جدول الزيارات مع الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي.
فهل يقوي كل ذلك حظوظه في أن يكون الرئيس المقبل؟
المصدر: نجم الهاشم – نداء الوطن