البلديّات الحدوديّة تواجه الحرب باللحم الحيّ والدولة تخلّت عنّا
صدى وادي التيم-اخبار وادي التيم/
باللحم الحيّ، تواجه البلديّات الحدوديّة الجنوبيّة الحرب، لم تمدّها الدولة اللبنانيّة بأيّ دعم، أبقتْها “مُفلسة”، حتّى أنّ مستحقّاتها من الصندوق البلديّ المستقّل، وعائدات الخّلوي والهَاتف لم تحوّل منذ ما يزيد على ثلاث سنوات، وإن حوّلتها اليوم فهي “عالـ 1500″ وفق ما يردّد رؤساء البلديّات ولا تكفي حتّى رواتب موظّفين. أمّا دعم الناس في صمودهم والقيام بأبسط الخدمات المطلوبة، فهي مستحيلة.
يمكن توصيف حال البلديّات بالمشلولة، فهي عاجزة بمعظمها عن رفع النفايات وتأمين محروقات موّلدات الطاقة لضخّ المياه، وحتّى عن إصلاح الآليّات إذا ما تعطّلت، لكن بعض هذه البلديات يعتمد “عالمساعدات”، لتواصل عملها “بشق الأنفس”.
اليونفيل تخلّت عنّا
كانت قوات الطوارئ الدوليّة العاملة في جنوب لبنان “اليونفيل”، تنشط قبل الحرب في دعم البلديات وتقديم المشاريع والخدمات المتعدّدة “أمّا اليوم فقد تخلّت عن أيّ دعم لنا”، يقول رئيس بلديّة كفرشوبا الدكتور قاسم القادري ويضيف: “طنّشت عن كلّ طلبات الدعم التي رفعناها، بحجّة ما في دعم حاليًّا”.
تكاد تكون بلدة كفرشوبا واحدة من قرى وبلدات العرقوب التي تتعرّض بشكل يوميّ للقصف والاعتداءات الإسرائيليّة. نزح عنها معظم أبناء البلدة نحو قرى النبطية وصيدا وحاصبيا، في وقت ما زالت تصمد في أحيائها وبين أزقتها نحو ثلاثين عائلة، اضافة إلى ١٠٠ عائلة في حلتا ووادي خنسا التابعتين عقاريًّا إلى كفرشوبا.
يؤكد القادري “أنّ جمع النفايات يكاد يكون متوقّفًا، وكذلك معمل فرز النفايات، فالإمكانيات المتوافرة معدومة، وهذا يحول دون تقديم الخدمات المطلوبة في الحرب، بل نعجز عن اصلاح الآليّات لأنّ كلفتها بالدولار والدولة تدفع باللبنانيّ”.
الدولة تخلّت عنّا
ينتظر القادري عائدات الخلوي والهاتف، أسوة بكلّ رؤساء بلديّات الشريط الحدوديّ لتحوّل إلى صناديق البلديّات، ووفقًا له “منذ ثلاث سنوات لم تحوّل الدولة حصّتنا منها، وإن حولتها اليوم فعلى دولار 1500 ليرة، في وقت ندفع كلّ مصارفاتنا، من صيانة ومازوت ورواتب على دولار 89 ألف ليرة”.
ويعقّب قائلًا: “نعجز عن تقديم أي خدمات إلى أهلنا، وبالكاد نجمع نقلة نفايات مرّة كلّ اسبوع أو اسبوعين”؛ ويسأل: “لماذا تغيب الدولة عن دعمنا برغم ما نواجهه اليوم من حرب؟ توقّعنا أن تمدّنا بجرعة تمويل لمواجهة تداعيات الحرب، ولكنّها تخلّت عن كلّ مسؤولياتها”.
تواصل البلديّة بالحد الأدنى ضخّ المياه لكن “بطلوع الروح” والسبب بحسب القادري في حديث لـ”مناطق نت”: “أنّ المولدات تقع في شمال شرق كفرشوبا، في منطقة قريبة من مواقع العدوّ، وكلّما اضطررنا إلى تزويدها بالمازوت، نطلب من اليونيفيل مؤازرتنا، ولكنّها باتت تتقاعس عن الأمر في الآونة الأخيرة وبحجج كثيرة، في حين أنّ أعطال الكهرباء الناتجة عن القصف بالكاد نصلحها في ظلّ الظروف الأمنيّة السائدة، غير أنّ الشركة تجبي الفواتير من الناس بشكل دوريّ”.
ما تحصل عليه بلديّة كفرشوبا من الصندوق البلديّ المستقل لا يصل إلى ستة آلاف دولار سنويًّا، وهي لا تكفي رواتب الموظّفين لشهرين متتاليين، وهذا ما يجعل القادري يبتسم بشيء من السخرية، ويؤكّد: “أنّ الدولة تخلّت عنّا في زمن الحرب وأدارت لنا ظهرها، بل إنّها ترمي كلّ الأزمات علينا وتتنصّل من دورها ووجودها”.
ما يستغربه القادري هو غياب دور قوّات حفظ السلام في هذه الحرب، ويضعه ضمن مخطّط تهجير الناس من أرضها، “فهم لا يقدّمون أيّ خدمة أو دعم، علمًا أنّهم يسألون عن حاجاتنا”، لافتا إلى أنّ “دورهم بات رفع العتب ليس أكثر، مع أنّ دورهم هو تعزيز الأمن والاستقرار والدعم الاقتصاديّ”.
إمكانيّات تحت الصفر
ينطبق حال كفرشوبا على علما الشعب التي تقع في القطاع الغربيّ، فالبلديّة هنا امكانيّاتها “تحت الصفر” بحسب ما يردّد رئيس بلديّتها جان غفري الذي يقول: “إّن مستحقّات البلديّة السنويّة لا تصل إلى 2500 دولار أمريكي، ومطلوب منّا توفير كلّ الخدمات، بعد أن كنّا نتقاضى سنويًّا نحو 170 ألف دولار، هذا الفارق الشاسع أطاح بكلّ مقدّرات البلديّة اليوم، حتّى إنّ جمع النفايات نعجز عن رفعه ونقوم بالمهمّة مرة كلّ أسبوعين”. أمّا المازوت المخصّص لضخ المياه فيؤمّن بحسب الغفري عبر المساعدات”، أمّا الدولة فـ”مرحبا دولة” يقول.
كان الغفري ينتظر كما غالبيّة رؤساء بلديّات المنطقة الحدوديّة أن تغدق عليهم الدولة الدعم والمساعدات لمواجهة الحرب، لكنّها “طنّشت”، و”بتنا عاجزين عن دعم أهلنا، ونعتمد اليوم على دعم المتموّلين وبعض الجمعيّات، لنقوم بالقليل”.
ويتابع لـ”مناطق نت”: “ما بقى عنّا إمكانيات لأيّ شيء، البلديّة متوقّفة، والكارثة الكبرى اذا تمّ تأجيل الانتخابات البلديّة، حينها سيعمد معظم رؤساء البلديّات إلى تقديم استقالاتهم. من أسف شديد، لقد رمت الدولة كلّ الأعباء علينا، وترفض دعمنا أو رفع ايرادات البلديّة إلى ما يوازي 89 ألف ليرة في تسعير الدولار، وإلّا، كيف سنواجه الحرب؟”.
أين خطّة الطوارئ؟
إلى أيّام قليلة، كانت بلديّة حولا تقوم بجمع النفايات وتنظيف الشوارع وتقديم الخدمات لأبناء حولا الصامدين، غير أنّ البلديّة أقفلت حاليًا، وأبقت على تقديم الخدمات الأساسيّة كالمياه، لتصل إلى 65 عائلة ما زالت صامدة في البلدة.
“ما بعمرنا اتّكلنا على الدولة، لو كان عنّا دولة لكانت وضعت خطّة طوارئ، ولكن ما تقدّمه هذه الدولة مخجل ومعيب”، هذا ما قاله رئيس البلديّة شكيب قطيش، وقوله يترجم واقع حال البلديّات الجنوبيّة. وبرغم شحّ الإمكانات يؤكد قطيش في حديث لـ”مناطق نت”: “أبقينا كلّ خدمات البلديّة قائمة كرمى عيون الصامدين، هؤلاء أهلنا، وإن لم نقف إلى جانبهم في الشدّة فمتى نقف؟”.
قبل الحرب كانت حصّة حولا من الصندوق البلديّ المستقل 600 مليون ليرة أيّ ما يعادل 400 ألف دولار أميركيّ، هذا الرقم انخفض بفرق العملة ليصبح ستة آلاف دولار سنويًّا، تتلقّاها البلدية بالتقسيط، على دفعتين أو ثلاث.
“هذا الأمر يحول دون تقديم جميع خدمات الدعم المطلوبة إلى الصامدين” يقول قطيش ويردف: “لولا الهبات التي تصلنا من الخيّرين وبعض الجمعيّات لتأمين مادة المازوت إلى محطّة المياه وغيرها، لكانت الخدمات صفرًا، في وقت كان يفترض بالدولة أن تدعمنا، أقلّه في الحرب، ولكنّها لم تسأل حتّى عن حالنا وما يجري لنا”.
وعن دور اليونيفيل في دعم البلديّة يقول قطيش: “حتّى قوّات اليونيفيل لم تسأل أيضًا، يتّصلون للاستفسار عن حاجات الصامدين، وحين نرفع لهم الكتب والبيانات، يطنّشون وهذا مستغرب جدًّا”.
ويعقب مضيفًا: “تخلّت قوات الطوارئ الدوليّة عن دورها في زمن الحرب، ولم تدعم القرى التي تتواجد فيها، بل غابت عن السمع كلّيًّا، وكأنّ ما يحصل ليس ضمن واجباتها ومهامها الموكلة إليها”. ويختم قطيش: “قبل الحرب كانت خدماتهم كبيرة وكثيرة، اليوم اختفت كلّيًّا وهذا يدفعنا للسؤال عن دورهم اليوم، ولماذا اختفوا؟”.
صامدون بصمود الناس
دفعت الحرب في جنوب لبنان بلديّات الخطّ الأماميّ إلى رفع الجهوزيّة ضمن الإمكانيّات المتوافرة، غير أنّ قسمًا كبيرًا منها وقف عاجزًا عن تقديم الدعم على قاعدة “إّن الدولة لم تدعمنا” ومن حيث الواقع على الأرض، فقد تخلّت الأخيرة عن كلّ مسؤوليّاتها، في وقت رمت بكلّ الأعباء على عاتق البلديّات التي تواجه الحرب من دون ميزانيّات وصناديق ماليّة وتمويليّة.
ما زالت بلديّة الطيبة الجنوبيّة تمارس مهامها بشكل عاديّ، وكادرها الوظيفيّ والتشغيليّ ما زال حاضرًا على الأرض برغم كلّ مخاطر الحرب، إذ إنّ البلدة تتعرض للاعتداء بشكل شبه يوميّ، ووفق رئيس بلديتها عباس دياب “هيدا أقلّ واجبنا تجاه الصامدين”.
لا يخفي دياب أنّ الوضع الماليّ للبلديّة “صعب للغاية”، ويضيف لـ”مناطق نت”: “لا إمكانيّات لمواجهة أيّ شيء، ولكن لا خيار أمامنا إلّا الصمود لكي نخدم أهلنا وندعم النازحين”.
أما الدعم “فمن المتموّلين والخيّرين لأنّ الدولة غائبة والَـ NGOأيضًا ومعها اليونيفيل غائبة كلّيًّا. حتى عن الأمور الروتينيّة”، وهو أمر يستغربه دياب كثيرًا، ويقول: “يطرح غيابهم الكثير من علامات الاستفهام، فهم كانوا قبل الحرب نشيطين على صعيد تقديم الدعم للناس، اليوم غابوا عن المشهد وكأنّهم يدعمون خطط التهجير بشكل غير مباشر”.
كان دياب يتوقع أن تهبّ الدولة لدعم بلديّات المنطقة الحدوديّة في مواجهة الحرب، “أقلّه بتحويل الأموال المستحقّة، لكن للأسف منذ ثلاث سنوات لم تحوّل لنا أيّ مبالغ، ومع ذلك ترمي كلّ الأزمات على عاتقنا، لا نعرف كيف سنكمل، ولولا دعم العمل البلديّ في حزب الله كنّا في حالة انهيار تام”.
“على التنفس الاصطناعيّ تعيش البلديّات الحدوديّة اليوم، حتّى إنّ اليوم الثاني لما بعد الحرب يبدو مجهولًا عند دولة لم تفكّر بخطّة طوارئ للمعالجة لا قبل الحرب ولا بعدها” يستغرب دياب ويؤكّد “أنّنا نبذل جهودًا مضاعفة للإبقاء على الخدمات في الطيبة، من مياه وكهرباء وجمع نفايات، ولن نتوقّف طالما يوجد خيّرين يدعمون صمودنا”. ويضيف: “إنّ فرق البلديّة لا تزال على الأرض تعمل وترفع الأنقاض وتفتح الطرقات مع كلّ غارة تطال بلدتنا، برغم شحّ الإمكانيات”.
يقف معظم رؤساء بلديّات المنطقة الحدوديّة مستغربين أمام غياب قوّات اليونفيل، وإقصاء نفسها عن أيّ دعم للبلديّات والأهالي، اقتصاديًّا وأمنيًّا واجتماعيًّا، وكذلك من انتفاء وجود الدولة ووزاراتها وهيئاتها. وبالمحصّلة تقاوم هذه البلديّات بمن تبقّى من مجالسها بحجم قدراتها، وعين من فيها على الانتخابات البلديّة المقبلة، إذ يتمنّون أن تحصل اليوم قبل الغد لرمي الحمل عن أكتافهم، ويتخوّفون كثيرًا من تأجيلها، ما سيضطر العديد منهم للاستقالة.
المصدر: رنة جوني-manateq.net