أسماك القرش في لبنان فريسة لجهل الانسان!
أسماك القرش في لبنان فريسة لجهل الانسان!
هي” غزوة“ أسماك القرش لبحر لبنان، بحسب البعض ممن يجهل طبيعة هذا المخلوق البحري السيّء السمعة، والذي على ما يبدو قد أرعب صيته مرتادي البحر، الذين —على ما يبدو— لا تزال تدور في مخيلتهم مشاهد فيلم الرعب ”أفكاك/ Jaws“ بكل ما توحيه عن عدوانية هذه الأسماك ”المفترسة“ وشراستها. ولا غرابة في ذلك طالما أن حاجز الجهل لا يزال ملك الاستنتاجات، خاصة فيما يتعلق بأهمية تواجد هذه الأسماك في الجزء اللبناني من البحر الأبيض المتوسط، وبحار العالم.
وتشير المعلومات العلمية إلى أن بعض أنواع أسماك القرش ليس طارئاً على بحر لبنان؛ فهي متواجدة في المتوسط وفي الجزء الشرقي منه منذ مئات ملايين السنين. والملفت أن لبنان يتمتع بتنوع بيولوجي وخاصة فيما يتعلق بالشطر الخاص به من البحر، يميزه عن سائر دول البحر الأبيض المتوسط.
بداية الخبر: غزو أم إخبار كاذب؟
تفيد الأخبار التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي بأن مجموعة كبيرة من أسماك القرش قد غزت بحر لبنان وهي تهدد السباحين والغواصين، على كامل الشواطئ اللبنانية.
يقول الصياد أحمد فايز سليم (38 سنة) إنه شاهد نحو35 قرشاً، في أثناء رحلة صيد، كان يقوم بها، هو وشقيقه في بحر الغازية، جنوب مدينة صيدا، جنوب لبنان، وقام بمنع عدد من الصيادين من الاقتراب منهم، خوفاً من قيام الصيادين باصطياد الأسماك وبيعها.
ويضيف سليم في حديث خاص إلى نيوزويك الشرق الأوسط أنه أثناء تواجده في رحلة صيد بحرية في المنطقة القريبة من بحر الغازية (جنوب مدينة صيدا)، شاهد ما لا يقل عن 35 قرشاً على مدى ثلاثة أيام. وأشار إلى أنه قام بمنع عدد من الصيادين الذين كانوا لديهم نية واضحة باصطيادهم، واتصل بمدير المركز اللبناني للغوص المدرب يوسف جندي للحؤول دون قيام أحد بقتل أسماك القرش التي تقوم بجلب أسماك التراخون Alepes djedaba وهي تطاردها من أجل التغذي عليها.
وبالفعل لم يتأخر المركز اللبناني للغوص في التحقق من كلام الصياد سليم. ولهذه الغاية، استبق مدير المركز يوسف جندي البلبلة التي كان من الممكن أن تحدث هذا العام، وقام بالتعاون مع زياد سماحة، مدير برنامج ادارة المناطق البحرية الساحلية في الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة(IUCN)، المكتب الإقليمي لغرب آسيا، وبالتنسيق مع الأجهزة الأمنية ووزارة الزراعة، بالغوص في المكان، وذلك لتبيان الأسباب خلف تواجد أسماك القرش في هذه البقعة تحديداً، وكيفية حماية أرزاق الصيادين، وحماية أسماك القرش قبل أن يقوم أحدٌ عن غير قصد بمهاجمة القرش، ويرد الأخير بالاعتداء عليه.
غاص الاثنان في الموقع وتمكن يوسف جندي من تصوير 3 أسماك قرش كبيرة، كانت تجوب الموقع، ولم يشعر القرش بأي خطرٍ محدق به، لا بل كان يحوم حول الغواصين، وهو سلوك طبيعي لدى أي حيوان بري، يدخل الإنسان إلى محيطه.
استباق البلبلة كان سببه قيام بعض هواة الصيد العام الماضي بنشر صور وفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي، تسببت بحالة من الهلع ما بين محبي البحر في لبنان. شاهد الناس صورةً لقرش يجول في مياه الغازية، رافعاً زعنفته الظهرية فوق المياه، على مقربة من الشاطئ. كما انتشرت صور أخرى، لشابٍ في عقده الرابع من العمر، وهو يحمل سمكة قرشٍ صغيرة توفيت بعد إطلاق النار عليها من بندقية صيد، وقام بجرها إلى الشاطئ في بلدة الناعمة، ليصور نفسه وهو يقبض على فكي القرش، ظناً منه أنه أنقذ البحر من وحشٍ، تهابه البلدة الساحلية. هذا بالإضافة إلى صورٍ لاصطياد أسماك القرش في بحر البترون، شمال لبنان، من العام الماضي، عادت وانتشرت من جديد، بحيث تُظهر مجموعة من الصيادين وإلى جانبهم قرش أبو ستة المعروف علمياً باسم Hexanchus griseus واسمه بالإنكليزية Bluntnose sixgill shark.
يقول يوسف جندي في حديث إلى نيوزويك الشرق الأوسط إننا “نلاحظ ومنذ سنوات عدة تواجد أسماك القرش في هذه المنطقة بالقرب من شاطئ الغازية، جنوب مدينة صيدا. ويضيف جندي أن “أسماك القرش التي كنا نغوص إلى جانبها، لم تجرب مرة واحدة أن تهاجمنا، لا بل كانت تملك الفضول الطبيعي لدى أي قرش نحاول دخول المنطقة التي يعيش فيها، وكان يبتعد كلما حاولنا الاقتراب منه، لذلك نطمئن الناس ومحبو البحر أن لا داعٍ للخوف والهلع منها”.
في الوقت نفسه، يشير زياد سماحة، إلى أننا “غصنا مباشرة في المكان الذي كان القرش يجول به، ولكنه ابتعد عنا لأنه كان يلاحق مجموعة من أسماك التراخون، أي بمعنى آخر يلاحق طعامه، وعندما وصلنا إلى عمق 3 أمتار اقترب منا، وقام بدورتين للتأكد من هدف وجودنا في بيئته، ومن ثم ابتعد كلما رآنا نقترب منه. “
يُذكر أن هناك هواة ومختصين من حول العالم يقومون بتوعية الناس حول أسماك القرش وعاداتها وتبيان أنها كسائر الحيوانات البرّية لا تؤذي إلا في حال إحساسها بالخطر أو الحشرية الشديدة.
ومن جملة هؤلاء الأشخاص هناك ميكي سميث، المنتمي لمجموعة تسمي نفسها بـ: @sharkaddicts2 على تطبيق إنستغرام، حيث يقوم وأصدقاؤه بالسباحة في المحيط مع أسماك القرش وإزالة الصنارات العالقة في فمها بين الفينة والأخرى. والمدهش في حسابه أنه بات يتعرف على بعض أسماك القرش التي تتردد عليه كلما زار منطقة معينة في المياه، فتأتي لتحيته وأصدقاؤه. وهو يشرح عبر حساب المجموعة أن القرش حيوان يُساء فهمه، لكن يجب أيضاً عدم التقليل من ردات فعله تماماً كأي حيوان بري آخر.
لماذا تقترب أسماك القرش من الشاطئ؟
تشير الدراسات العلمية إلى أن اقتراب أسماك القرش من الشاطئ يعود لسببين: إما للحصول على الطعام أو لوضع المواليد الحديثة. ولهذه الغاية يقول البروفيسور ميشال باريش، خبير علوم الاحياء البحرية في الجامعة الأميركية في بيروت، في حديث إلى نيوزويك الشرق الأوسط إن “اقتراب أسماك القرش من الشاطئ هو على الأرجح ليحصلوا على غذائهم من سمك التراخون، بحسب ما أفاد به الغواصون جندي وسماحة”. وهذا فعلياً ما يؤكده سماحة الذي قال إنه لم يرَ أي من علامات المزاوجة، كون الذكر يقوم عادة بعض الانثى في الزعنفة الظهرية عند حصول التزاوج.
ما هو نوع القرش الموجود في بحر الغازية؟
بحسب الصور التي التقطها المدرب جندي، يرجّح البروفيسور باريش أن يكون القرش، من نوع Carcharhinus plumbeus (الإسم العلمي) والاسم الشائع sandbar shark وهو قرش موجود في كل بحار العالم، وفي المحيط الأطلسي والمحيط الهندي والمحيط الهادئ من جهة الصين واليابان وموجود أيضاً في البحر الأبيض المتوسط، في لبنان وسوريا وتركيا.
يتراوح الطول الكلي للقرش الرمادي (sandbar shark) ما بين 150 و200 سنتم ويصل في حده الأقصى إلى 300 سنتم. الصورة من تصوير يوسف جندي
يتمتع هذا النوع من أسماك القرش، بحسب باريش، بالقدرة على السباحة والانتقال من بحر إلى آخر، ولكنه موجود منذ زمن طويل في بحر لبنان، وليس طارئاً أبداً على المنطقة.
ويقول باريش إن أعداد هذا النوع من الأسماك تضاءل مع مرور الزمن، بعدما اعتاد الصيادون على رمي الديناميت في البحر واصطياد اسماك القرش واصطياد طعامهم بطريقة جائرة، حينما كان يشكل قيمة اقتصادية للصيادين في زمن الحرب، ولا يمكننا أن نعرف من خلال مشاهدة واحدة ما إذا كانت أعدادهم في ازدياد أو نقصان، ويظهر من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ازدياد في اعدادهم بسبب الصور التي ينشرها المواطنون من دون وجود أي دليل علمي.
يُعتبر هذا النوع على شفير التهديد بالانقراض(vulnerable) في العالم بحسب تصنيف اللائحة الحمراء التي وضعها الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة(IUCN)، بحسب البروفيسور باريش، عضو اللجنة المختصة بأسماك القرش في اللائحة الحمراء، في IUCN.
وبحسب “الدليل الحقلي لتعيين هُويَّة الموارد البحرية الحية لشرقي البحر المتوسط وجنوبه” الذي أصدره البروفيسور باريش بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة(FAO) في العام 2012، يتراوح الطول الكلي للقرش الرمادي (sandbar shark) ما بين 150 و200 سنتم ويصل في حده الأقصى إلى 300 سنتم.
هو بيلاجي (يعيش في عرض البحر)، يعيش على أعماق تتفاوت ما بين 30 و300 متر غمق. يتغذى أساساً على الأسماك وأيضاً على أسماك القرش الصغيرة والشِّفينات وبعض اللافقاريات كرأسيات الأرجل والقشريات والسرطانات والصبيدج. وهو يَنتَشِرُ في المياه المعتدلة والمدارية باستثناء شرقي المحيط الهادئ. وَلُود، تلد الانثى كل سنتين إلى ثلاث سنوات ما بين 6 و18 مولوداً.
يقول باريش إن أعداد هذا النوع من الأسماك تضاءل مع مرور الزمن، بعدما اعتاد الصيادون على رمي الديناميت في البحر واصطياد اسماك القرش وطعامهم من الأسماك بطريقة جائرة، وخاصة في زمن الحرب. ولا يمكننا أن نعرف من خلال مشاهدة واحدة ما إذا كانت أعدادهم في ازدياد أو نقصان. ويظهر من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ارتفاع اعداد أسماك القرش بسبب الصور التي ينشرها المواطنون من دون وجود أي دليل علمي.
ويعتبر تواجد هذا النوع شائع إلى عَرَضِي في شِباك الجَرف، وخيوط الشِرك، والشباك المُشَربِكة أو المُبطَنَة في شرق المتوسط وجنوبه. وهو مُستَهدَف بشكل رئيسي في تونس وليبيا في الشباك الغلصمية الساحلية الخاصة بأسماك القرش، ويعتبر مهدد بشكل كبير هناك. يَنتَشِرُ في المياه المعتدلة والمدارية باستثناء شرقي المحيط الهادئ. وَلُود، تلد الانثى كل سنتين إلى ثلاث سنوات ما بين 6 و18 مولوداً.
صياد أسماك القرش يحميهم ولا يقتلهم!
يعيش أحمد بالقرب من البحر منذ كان طفلاً بعمر الثامنة، ينهل من والده معرفة طويلة عن حرفة صيد الأسماك، حينما كان والده المعروف بشيخ الصيادين، يصطاد الأسماك على أنواعها الكبيرة والصغيرة، ومن بينها أسماك القرش.
ويخبر عن المرة الأولى التي شاهد فيها قرشاً، حينما كان يبلغ من العمر 10 سنوات. تعيده الذكريات إلى العام 1990 حينما كان لبنان لا يزال تحت الاحتلال الإسرائيلي. كان قد أحمد يغطس على عمق 15 متراً، وحينما كان يوضب والده مع مساعديه السمك في الشباك تحت المياه، أتى قرشان وحاولا قضم الشباك للحصول على السمك.
ويقول أحمد إن والده كان يحذره دائماً من أسماك القرش في حال اقتربوا منه، طالباً منه عدم اظهار الخوف وعدم استفزازها، وأصبح فيما بعد، يقوم بصيد اسماك القرش.
يمتد نشاط أحمد في الصيد من منطقة الناقورة جنوب لبنان، وصولاً إلى منطقة خلدة جنوب العاصمة اللبنانية بيروت. يقول إنه اصطاد قرشاً أزرق الذي كان قد علق في شباك الصيد بالخطأ، وكان وزنه نحو 450 كيلوغرام، ولكنه الآن يقوم بتحرير أي قرش يعلق في شباكه، في حال كان لا يزال على قيد الحياة.
ويؤكد أحمد” نحن نعمل كصيادين على حماية أسماك القرش، التي عادة ما تلاحق مجموعات الأسماك لتحصل على طعامها، مثل أسماك التراخون والجراوي، وهذا يعتبر عامل مساعد لنا وليس ضدنا، لذلك علينا حمايتهم وليس قتلهم”.
ويقول إنه لم يعد أحداً يشتري أسماك القرش مثلما كانوا يفعلون في السابق،” ونظراً للاهتمام الرسمي والدولي، نتفادى الدخول في المشاكل مع الدولة اللبنانية، بسبب قيمة الغرامة المالية المرتفعة والتي لا يمكن لأي صياد تحملها، بالإضافة إلى المتابعة الدائمة من قبل الجمعيات البيئية الجدية“.
في المقابل، يقول جندي إن الصيادين اليوم هم الأكثر كفاءة في حماية البحر، والدليل أن الصياد أحمد سليم هو من اتصل بنا لمتابعة الموضوع مع الأجهزة الأمنية والغوص لمعرفة نوع الأسماك وكيفية الحفاظ على البيئة البحرية، وهذه سابقة تُسجل للصيادين.
وكذلك يشير أحمد إلى أن بحر لبنان مليء بالحيوانات الكبيرة، قائلاً إن حوتاً من نوع spermwhale (حوت العنبر) قد اقترب منه قبل 15 يوماً، حينما كان يغطس ليلاً على عمق 30 متراً في بحر صيدا، جنوب لبنان، وكان الحوت مسالماً جداً.
يمارس أحمد هواية الصيد ليس فقط في لبنان، انما يشارك بمسابقات دولية في السودان والبحر الأحمر، نظراً لأن لحم سمك القرش يُشكّل قيمة اقتصادية لبعض السكان في المناطق الأخرى من العالم، باعتباره مصدراً للبروتين.
هل يؤكل لحم القرش؟
“كان الصيادون في السابق يصطادون أسماك القرش في الأيام التي يكون فيها البحر عالياً، لتلبية طلبات المطاعم التي تقدم أطباق السمك”، يقول سماحة. ويضيف أنهم “كانوا يخلطونه مع أنواع عدة من السمك، مع العلم أن لحمه غير صالح للاستهلاك البشري، كون سمك القرش من نوع (BioAccumulator) أي يقوم بجمع كل المعادن الصلبة والثقيلة داخل جسمه، مثل الزئبق والرصاص والفسفور التي تترك أثاراً صحية خطيرة على المستهلك البشري، بالإضافة إلى البول(uric acid) الذي يقوم القرش بتخزينه في جسده ليساعده على السباحة بشكل أفضل”. ولكن سماحة يقول إنه يوجد عدد من الدول التي يُشكّل لحم سمك القرش، مصدراً أساسياً للبروتين، وقيمة اقتصادية كبيرة.
ما علاقة وجود أسماك القرش باختفاء أسماك المنفخ؟
كان لافتاً عدم وجود أي سمكة منفخ puffer fish خلال ساعة كاملة من الغوص مع القرش، بالإضافة إلى انخفاض مشاهدة أعداد أسماك المواسطة (سمكة غازية من البحر الأحمر)، مقارنة بالمناطق الأخرى التي تعج بأسماك المنفخ، وكان هناك تواجد كبير لأسماك مستوطنة قلما نراها في مناطق أخرى في البحر، بحسب ما أشار يوسف جندي وزياد سماحة.
ويشير البروفيسور باريش أنه لا يوجد دليل علمي حول ما إذا كان هذا النوع من أسماك القرش يأكل أسماك المنفخ التي تغزو البحر المتوسط منذ افتتاح قناة السويس في العام 1869. ” في العادة، تختبئ جميع الأسماك الصغيرة، حينما يكون في المياه سمك مفترس(predator)، و”لا يمكننا تأكيد ذلك، إذا ما قمنا بمراقبة المنطقة بشكل دائم”.
وفي العام 2017، سجلت عالمة الأحياء البحرية لورين أرثر حادثة اختناق قرش من نوع lemon shark بعد محاولته ابتلاع سمكة المنفخ من نوع سمكة النيص الشوكي (spiny porcupine fish) على شواطئ جزر المالديف في المحيط الهندي، وبحيث لم يكتب النجاة لا للقرش ولا حتى لسمكة المنفخ، على الرغم من قدرة القرش على إعادة تقيؤ المواد غير القابلة للهضم أو الطعام الزائد. وفي الحالات القصوى، يمكن لأسماك القرش تقيؤ معدتهم، وهي حالة معروفة باسم “انقلاب للخارج”، وفقاً لدراسة نشرت في العام 2005 في مجلة الجمعية البيولوجية البحرية في المملكة المتحدة، بحيث يُخرج القرش معدته من فمه ومن ثم تستقر مرة أخرى في الداخل.
لماذا يجب علينا حماية أسماك القرش؟
تُعتبر أسماك القرش، بحسب الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي(NOAA)، أنها جزء ثمين من النظم البيئية البحرية، بحيث يتكون النظام البيئي للمحيطات من شبكات غذائية شديدة التعقيد وتوجد أسماك القرش في مقدمة هذه الشبكات واختفاءها يؤدي إلى انهيار الهيكل بأكمله. ولهذا السبب، فإن احتمال وجود سلسلة غذائية خالية من المفترسين، قد يعني نهاية الحياة بالنسبة للعديد من الأنواع الأخرى. وتظهر عدد من الدراسات العلمية أن استنزاف أسماك القرش يؤدي إلى فقدان أنواع الأسماك والمحار ذات الأهمية التجارية في السلسلة الغذائية، بما في ذلك مصائد الأسماك الرئيسية مثل التونة، التي تحافظ على صحة الشعاب المرجانية.
ومن المعروف أن أسماك القرش تميل إلى تناول الطعام بكفاءة عالية، بحيث تلاحق الأسماك المريضة أو البطيئة مما يحافظ على صحة هذه الفئات.
ويقول البروفيسور باريش أن أسماك القرش مفيدة جداً للبيئة البحرية ويجب حمايتها وإقامة مناطق محمية، على غرار الدول التي تنشئ منطقة لمشاهدة أسماك القرش (shark watching point) والذي سيعود بالنفع على جميع الصيادين، حيث سيكون هناك سمك وفير وبأحجام كبيرة، وعلى السياحة البيئية التي قد تعود بأموال كبيرة على القطاع السياحي.
ومن جهته، يقول زياد سماحة أن التوعية في لبنان يجب أن تكون واقعية وقريبة من ثقافة الصيادين والمؤسسات التي تشتري الأسماك، مضيفاً أن نشر الوعي البيئي يجب أن يكون عملياً وعلمياً، بدلاً من أن تكون التوعية هجومية وطبقية وفئوية، لأنها لا تفيد أحداً في حماية البحر.
بدوره، يقول يوسف جندي، انطلاقا من رحلات الغوص التي ينفذها خارج لبنان إن هناك عدداً من نقاط الغوص في البحار التي يمكننا السباحة فيها مع أسماك القرش، من دون أن يتعرض الغواصون للخطر، ومن دون أن نستفز هذه الأسماك بحيث يمكننا أن نستمتع بمشاهدة الأسماك الكبيرة، وبالتالي يمكن للدولة أن تستفيد من المردود الاقتصادي للسياحة البيئية. كما يُناشد جندي الوزارات المعنية التعاون مع المركز اللبناني للغوص من أجل جعل المنطقة محمية، كي نتمكن بمساعدة خبراء علوم الأحياء من مراقبتها وحماية الكائنات البحرية فيها.
الجدوى الاقتصادية للغوص مع أسماك القرش: 200 ألف دولار لكل قرش!
تُمثّل السياحة البيئية نشاطاً شائعاً إلى حد كبير في العالم، وقد أظهر هذا النوع من السياحة نمواً عالمياً ملحوظاً في السنوات الأخيرة. وقد أدت عمليات السياحة البيئية القائمة على الغوص مع أسماك القرش إلى جلب مردودٍ اقتصاديٍ كبير على اقتصاد الدول.
على الصعيد العربي، تشير الأبحاث من منظمة HEPCA المصرية إلى أن الأثر الاقتصادي المحتمل بسبب انخفاض أعداد أسماك القرش في مصر، وغيرها من البلدان التي تعتمد على السياحة البيئية وتحديداً سياحة الغوص مع أسماك القرش قد تكون باهظة ومكلفة للغاية. وتقدر منظمة HEPCA الدخل السنوي التقديري، من السياحة البيئية القائمة على الغوص مع أسماك القرش، للقرش الواحد، في جزر الأخوة (Brothers Islands)، بمليون و250 ألف جنيه مصري سنوياً أي ما يعادل 71 ألف دولار أميركي (بحسب دراسة لمنظمة HEPCAفي العام 2012)، بينما تبيع كبريات المتاجر التجارية كيلوغرام لحم سمك القرش الصغير بثلاثين جنيه مصري (ما يعادل 2 دولار أميركي).
كذلك نشرت صحيفة الغارديان البريطانية تحقيقاً عن الجدوى الاقتصادية لإسماك القرش في البحر الأحمر، ونقلت عن منظمة HEPCA في العام 2017 قولها إن مردود سياحة الغوص مع أسماك القرش، قد يصل إلى 200 ألف دولار سنوياً لسمكة القرش الواحدة (ما يعادل 3.5 مليون جنيه مصري). وقال الدكتور محمود حنفي، كبير علماء HEPCA إن “الموارد البحرية الحية للبحر الأحمر محدودة ولكنها ذات قيمة كبيرة من وجهة النظر الإيكولوجية، وكذلك الاقتصادية”. وأضاف أن استنباط البيانات حول متوسط عمر سمك القرش، والذي يتراوح ما بين 20 إلى 40 سنة، قد يجلب للاقتصاد المصري ما بين 4 و8 ملايين دولار خلال حياته، إلا أنه لن يجلب كقرش ميت، إلا بضعة مئات من الدولارات.
ومن الناحية القانونية كان صيد سمك القرش غير قانوني منذ العام 1973 في مصر، عندما أصبحت مصر واحدة من 100 دولة لتوقيع معاهدة CITES (اتفاقية التجارة الدولية بالأنواع المهددة بالانقراض). كانت أسماك القرش في البحر الأحمر على قائمة CITES من الأنواع المهددة بالانقراض، ولكن القانون المصري الذي ينظم الصيد لم يشر إلى أسماك القرش.
حماية البحر اللبناني واجب وطني!
على الصعيد نفسه، يقول الصياد أحمد سليم إنه يجب على جميع اللبنانيين حماية البحر، فإذا قمنا بمنع الصيد في منطقة واحدة، لمدة سنة كاملة، على شرط قيام وزارة الزراعة بالتعويض على الصيادين، يمكننا أن نشهد تعافي البحر وعودة الأسماك الكبيرة إليه بوفرة ويمكن لجميع الصيادين أن يمارسوا الصيد المسؤول.
ويضيف أحمد أن الصيد بالديناميت أضعف الثروة السمكية وأضر بمهنة وحرفة صيد السمك، ما عدا منطقة صور، التي عملت عدد من الجمعيات بالتعاون مع وزارة الزراعة والجيش اللبناني على حماية البحر فيها، لكننا نفتقد في بحرنا اللبناني إلى اسفنجة البحر، وأسماك اللقز، والبصاص، والتوتيا، وغيرها من الأسماك.
يبحث أحمد عن مصير الأجيال القادمة من الصيادين الذين يفضلون أن يمارسوا حرفة صيد السمك من دون أن يكون البحر ميتاً وخالياً من الحياة والأسماك.
تجدر الإشارة إلى أن وزارة الزراعة كانت قد أصدرت قراراً يحمل الرقم 1045/1 في العام 2014، بناء على قرار مراقبة الصيد البحري الساحلي رقم 2775، لحماية أسماك القرش المعروفة بكلاب البحر وفق عدد من المواد. وهي:
المادة الأولى: يمنع صيد أو التقاط أو نقل أو بيع أو استهلاك أو تخزين اسماك القرش/كلاب البحر التالية:
tope shark -shortfin mako -porbeagle -sandy ray -maltese ray -blackchin guitarfish common guitarfish -scalloped hammerhead -great hammerhead -smooth hammerhead
المادة الثانية: يتوجب على الصيادين في حال إلتقاطهم أيا من أسماك القرش/كلاب البحر المذكورة أعلاه حية أن يعمدوا إلى إطلاق سراحها “فوراً” بعد نزع الصنانير (في حال وجدت) منها بطريقة تمنع تعرضها للخطر. كما يتوجب عليهم رمي أسماك القرش/كلاب البحر المذكورة الميتة في البحر مباشرة.
المادة الثالثة: يتوجب على الصيادين في حال التقاطهم أياً من أسماك القرش/كلاب البحر المذكورة أعلاه، حية أو ميتة، خلال عمليات الصيد أن يعلموا دائرة الصيد المائي والبري أو مصالح وزارة الزراعة الإقليمية بنوع وعدد هذه الأسماك.
المادة الرابعة: يجب على الصيادين اتخاذ كافة الإجراءات الممكنة لتجنب صيد أو التقاط أسماك القرش/كلاب البحر المذكورة أعلاه.
المادة الخامسة: يمنع قطع أو نقل أو عرض أو بيع أو استهلاك أو تخزين زعانف كل أنواع أسماك القرش/كلاب البحر.
المادة السادسة: يمنع قطع أو نقل أو عرض أو بيع أو استهلاك او تخزين كل أنواع اسماك القرش/كلاب البحر المقطوع رأسها و/أو المسلوخ جلدها.
المادة السابعة: يعمل بهذا القرار فور صدوره، وينشر ويبلغ حيث تدعو الحاجة.
هل يهاجم القرش الإنسان؟
على مرّ السنوات، لم يشارك سوى حوالي 12 نوعاً من أكثر من 300 نوع من أسماك القرش في هجمات على البشر في العالم. وقد تطورت أسماك القرش منذ مئات ملايين السنين قبل وجود البشر، وبالتالي لا يُعتبر لحم البشر جزءاً من حميتهم الطبيعية، بحيث تتغذى معظم أسماك القرش في المقام الأول على الأسماك واللافقاريات الصغيرة، وبعض أنواع أسماك القرش الأكبر تتغذى على الفقمات وأسود البحر وغيرها من الثدييات البحرية.
وبحسب البروفيسور باريش، لا يشكل هذا النوع من أسماك القرش أي تهديد على الانسان، فهو ليس عدائياً، لأن لحم الإنسان ليس ضمن حميته، نظراً لكون الإنسان كائن مليء بالعظام، وهو ما لا يحبذه القرش. ولكن يُمكِن أن يصبح خطرٍ فيهاجم عند الاستفزاز، إسوة بمعظم الحيوانات البرية مثل الكلب أو الجرذ الذي يقوم بالمهاجمة في حال استفزازه.
وقد تحقق العلماء من هجمات أسماك القرش ضد الانسان وتبين أنها تقوم بمهاجمة البشر في حال الارتباك أو الفضول. كأي حيوان بري، يقوم القرش بالتحقق من وجود أي مخلوق في بيئته، مما يؤدي إلى حدوث هجوم عرضي.
من هو المجرم: القرش أم… الإنسان؟
تقوم أسماك القرش بمهاجمة وقتل 10 أشخاص في السنة، وفي المقابل، يقتل البشر سنوياً ما يقرب من 20 إلى 30 مليون سمكة قرش ويطاردهم البشر للحصول على لحومهم وأعضاءهم الداخلية والجلد من أجل صنع منتجات مثل حساء زعانف القرش وزيوت التشحيم والجلد، وفقًا لقسم علم الأسماك في متحف التاريخ الطبيعي في فلوريدا. وبعد 400 مليون سنة من تطور أسماك القرش، نلجئ إلى القضاء عليهم في العالم في غضون قرن من الزمن!
ومع ذلك، تؤدي أسماك القرش إلى قتل البشر عن طريق الخطأ، ولكن بمعدل أقل من الكلاب، والأبقار، والبعوض الذي يقتل مليون شخص في السنة، والأشخاص أيضاً، إلا أن طبيعة هجمات القرش تبدو مثيرة للاهتمام وترعبنا أكثر.
إلا أن الرعب الأكبر يكمن في الخوف من انقراض اسماك القرش من البحر، حيث لا يعرف أحداً ما الذي يمكن أن يحدث للأنظمة الإيكولوجية للمحيطات بدون وجود إدارة حقيقية لهذه الخوارزميات.
مصطفى رعد – نيوزويك الشرق الأوسط