صحافيون يعودون بالذاكرة 19 سنة: كان الرفيق… والبلد بخير

صدى وادي التيم-لبنانيات/

بعض الأحداث التي تمر على الانسان، من المستحيل نسيانها، ولو مرّ عليها دهر. فكيف إذا كان الشخص هو ناقل الحدث، وأوّل الواصلين إلى موقعه؟ فلنعد بالذاكرة الى 19 سنة مضت، وتحديداً إلى “اليوم المشؤوم” بإجماع اللبنانيين، سواء توافقوا على سياسة الرئيس الشهيد رفيق الحريري أم لا.

عند الساعة الواحدة إلاّ خمس دقائق، من نهار الاثنين 14 شباط 2005، “ضربة في قلب لبنان”، هكذا وصفت صحيفة “الشرق الأوسط”، عملية اغتيال الرئيس الشهيد، وأصابت آنذاك.

لن نعود إلى مشهد الدمار الذي حوّل المدينة في لحظات وكأن قنبلة ذرية أصابتها بحسب ما وصفها أحد المتحدثين إلى موقع “لبنان الكبير”.

يعود المصور الخمسيني عبد شبارو (أبو عفيف)، الذي كان يعمل في تلفزيون “المستقبل” في ذلك الوقت، بالذاكرة إلى الوراء، رغماً عنه، فهو لا يريد أن يستذكر تلك اللحظات، التي أبقته مستيقظاً لعدّة أيام.

تتغيّر نبرة شبارو، وهو يسترجع ذكرى ذلك اليوم، الذي نسي الكثير من تفاصيله بعد مرور 19 عاماً، إلاّ أنه لم ينسَ لحظة وصوله إلى مكان التفجير مع صديق له، بواسطة دراجة نارية، ركناها، ومضيا سيراً على الأقدام بإتجاه الموكب المستهدف، قبل أن يعرفا من فيه.

يقول شبارو لموقع “لبنان الكبير”، انه لم يكن في كامل وعيه في تلك اللحظة وهو يمسك بالكاميرا، وكأنه نسي للحظات ماذا عليه أن يفعل، “وقفت مذهولاً لدقائق قبل أن يصرخ لي أحد الأشخاص لا أتذكر من هو، بدّك تصوّر؟، لم أجبه، أكمل: تعا شوف لبنان، ورفع الشرشف عن جثة الشهيد رفيق الحريري”. لا يتذكر شبارو، ماذا فعل، إلاّ أنه أخذ صورة Wide للمشهد، ومضى بصمت.

“بدا وكأنه يوم سعده”، هكذا يصف المصوّر سامي عيّاد اللحظات الأخيرة للرئيس، ويشاركها مع “لبنان الكبير”.

عيّاد، الذي يفضل أن نلقبه بـ”الحاج”، كونه عاد من مناسك الحج عشية الحدث الذي غيّر وجه الوطن، لم يتخيّل أنه سيلتقط الصور الأخيرة للشهيد وهو ينطلق بموكبه من ساحة النجمة.

يقول: “وصل الرئيس إلى المجلس، وكان يمازح الجميع ويبتسم لهم في ذلك اليوم، ولا ينفك يكرر عبارة يا ابني للمصوريين أو للصحافيين، الذين كان يتعاون معهم دائماً، من دون تذمر”.

ورد اتصال لعيّاد، كما يوضح، من رئيس تحرير جريدة “النهار” جبران تويني، حيث كان يعمل آنذاك، طالباً منه التوجه إلى مقهى “Place de L’Etoile”، حيث كان الرئيس الحريري يحتسي القهوة مع بعض الصحافيين المقربين منه، لالتقاط بعض الصور له، لأن من النادر أن يغادر قبل انتهاء الجلسات.

لا يعلم عيّاد لماذا التقط هذا الكم من الصور، عادة ما كان يكتفي بصورة أو صورتين. ويذكر أن الرئيس قال له ممازحاً: “روق روق هلق بيقولو تارك الجلسة وضاهر”.

رفع يده وهو يدخل إلى سيارته ورمقني بنظرة “اكتفيت؟”، وذهب.

يضيف عيّاد: “صحيح التقطت الصورة الأخيرة للرئيس”، وليتني لم أفعل ولم أرَ ما رأيت ذلك النهار، منذ لحظة وصولي إلى مكان الانفجار، “لبنان سقط، هيدا الزلمي كان لبنان”.

“كنا في قصر العدل”، يقول الاعلامي الزميل بسّام أبو زيد لموقع “لبنان الكبير”، وكان يغطي للمؤسسة التي يعمل لديها “المؤسسة اللبنانية للإرسال” (LBCI)، احدى المرافعات التي تزامنت مع وقوع التفجير.

وبحسب أبو زيد، “ظن بعض الموجودين أنه جدار صوت، إلاّ أن قوّته جعلتني أفكر أنه إنفجار”.

تحرّك أبو زيد على الفور، بعد اتصال تلقاه بأن هناك استهدافاً في منطقة عين المريسة، ويشير الى أنهم وصلوا في دقائق لا يعلم كيف.

“من بعيد بدا وكأن الدخان يتصاعد من فندق السان جورج، أو من أحد اليخوت في البحر”، إلاّ أنه عندما اقترب أكثر اتضح المشهد، عندها رأى موكب السيارات الثلاث المستهدف، وعرف على الفور أنه موكب الرئيس الحريري، تمالك نفسه، وسأل أحد الضباط عنه، فأخبره أنه “توفي” ببساطة.

لم يُذع الخبر على الفور لشدّة وقعه، وأراد أن يتأكد، وعندما رأى ابن مسؤول أمن الرئيس، الشهيد أبو طارق العرب بين الجموع، وأخبره أن والده من ضمن الشهداء، عندها علم أبو زيد أن “الرفيق” قد رحل ونقل الخبر.

“آخر شي كنت بتوقعه انو يغتالو الحريري، الزلمي مش عامل شي، معلّم ناس، ومساعد ناس”، يقول مصوّر الـ NBN توفيق أبو شقرا، لـ “لبنان الكبير” الذي كان من أول الواصلين إلى موقع التفجير.

ويذكر أنه كان في محيط المدينة الرياضة عندما رأى سحب الدخان تتصاعد، فظن أن التفجير وقع عند جسر الكولا لهول المنظر، عبر المنطقة وصولاً إلى جسر المرّ، عندها يقول بدأت اسمع صوت تكسر الزجاج تحت عجلات السيارة.

من بعيد رأى الموكب، بحسب ما يوضح، فظن أن الاستهداف للسفير الأميركي، لأن آخر ما كان يتوقعه هو قتل “الرفيق”، أو أنه رفض أن يصدق. عندما اقترب أكثر، تيقن أنه موكب الحريري، لكنه اعتقد أنه ليس في داخله.

كانت الصدمة تسيطر على الجميع، الصراخ والبكاء في كلّ مكان. أخذ الصور اللازمة وعاد إلى غرفة الأخبار. عندها علم أنهم اغتالوا الرئيس الحريري، ويقول انه يعرف السبب “لأن الرفيق طلع أكبر من لبنان، فقتلوه”.

“كنت مندوباً وقتها في الوكالة الوطنية”، يقول وسام عبدالله، رئيس المندوبين في الوكالة اليوم، ويخبر “لبنان الكبير” ماذا جرى في ذلك اليوم، الذي ختمه سيراً وركضاً على قدميه، بهدف تغطية الحدث.

لحظة وقوع التفجير، اعتقد عبد الله أن الصوت من منطقة كليمنصو، فحمل آلة التسجيل وهرع راكضاً إلى المكان، وعندما وصل تأكد أن التفجير في مكان آخر.

أوقف عبد الله، شاباً يقود دراجة نارية، وأخبره أنه من المخابرات، من أجل أن يوصله إلى مكان انبعاث الدخان، وهذا ما حصل. فور وصوله، رأى أحد حراس الرئيس الحريري الأحياء على جانب الطريق يبكي ويصرخ، تذكر أنه شاهده معه على الشاشة في السابق، فعلم أنه موكب الرئيس، وانفجر باكياً.

عاد إلى الوكالة، وهو لا يعلم كيف وصل، عندها رفض المدير أن ينشر خبر استشهاد الحريري، على الرغم من إصرار عبد الله، على أن المشهد مروّع ولا مجال لنجاته، فالنيران كانت لا تزال مشتعلة. بقي المدير على رفضه، بحسب عبد الله، فهو لا يمكنه أن يذيع خبراً كهذا، ولا يتحمّل التبعات. فكتب “إنفجار يستهدف موكب الرئيس رفيق الحريري”، إلى أن أعلن مستشاره الاعلامي عن وفاته رسمياً من مستشفى الجامعة الأميركية.

في جلسة اللجان المشتركة التي كانت مقررة يومها، جلس الرئيس في المنتصف على غير عادته، سأله رئيس مجلس النواب نبيه بري عن السبب، فأجابه ممازحاً: “اليوم ما بدي أقعد لا مع المعارضة، ولا مع الموالاة”، بحسب ما يقول مصوّر قناة “الجديد”، أبو شاكر العقدة لـ”لبنان الكبير”.

ويضيف: “قبل خروج الشهيد من قاعة المجلس قبل انتهاء الجلسة، سلّم على شقيقته بهية الحريري، وعلى مروان حمادة، وعند الدرج التقى بالوزير فارس بويز وسلّم عليه أيضاً”، كل هذا التقطته عدسة أبو شاكر، التي لاحقت الرئيس حتى مغادرته.

بعدها بدقائق سمعوا صوت الانفجار الذي كان ضخماً، مترافقاً مع المؤتمر الصحافي المباشر لبويز، الذي قال مجفلاً على الهواء: “شو هيدا إنفجار؟”.

سبع دقائق و22 ثانية طول الفيديو الذي صوّره أبو شاكر مستعيناً بسحب الدخان التي أوصلته إلى مكان التفجير، “وهون كانت الكارثة”.

أمّا مراسل قناة “المنار” ضياء أبو طعام، فاختار أن يخبر “لبنان الكبير”، طرفة جمعته بالرئيس الحريري عندما كانوا متوجهين إلى عمان كوفد رسمي لبناني، واستقلوا طائرته الخاصة. وكان من ضمن الوفد صحافي، معروف بتأخره عن موعد الاقلاع، لأنه يمضي وقته في التبضع من السوق الحرّة، وأراد الرئيس أن يعلمه درساً لا ينساه، فطلب من الكابتن أن يغلق باب الطائرة عندما شاهده قادماً، وأن يقوم بجولة في المدرّج، جعلت المراسل يركض ذهاباً واياباً. عندها سأله الحريري ضاحكاً: “تربيت؟”.

وبحسب أبو طعام، لا يتخيل أحداً احتك بالرئيس ولم يحبه، فتعامله مع من حوله كان خليطاً بين الأخ الكبير والأب.

ويوضح عن ذلك اليوم المشؤوم، أنه كان مراسلاً من أمام الجامعة الأميركية في بيروت، وقد مضت حوالي الساعة على عملية الاغتيال، ولم يصرّح أحد شيئاً عن مقتل الحريري، إلى أن خرج النائب سليم دياب من مدخل الطوارئ، وهو يصرخ من غير وعي: “قتلوا الرئيس، قتلوا الرئيس”.

بُعيد الساعة الثالثة من بعد ظهر ذلك اليوم المشؤوم، نعاه تلفزيون “المستقبل” بآيات من القرآن الكريم، ويصف الاعلامي منير الحافي، لـ” لبنان الكبير” هذه اللحظات بأنها من أصعب لحظات حياته، فهو لم يتوقع أن ينعى شخصاً كان بمثابة “بيّ الوطن”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!