“الاستغلال الوظيفي” في انتخابات الافتاء حرام.. والهيئة الناخبة امام امتحان..!

 

صدى وادي التيم-لبنانيات/

ساعات قليلة تفصل الهيئة الناخبة لمفتي المناطق عن موعد الانتخابات المحدد في ١٨ كانون الاول من عام ٢٠٢٢،صباح يوم الاحد لتكون حاسمة لإختيار مفتين وملء شغور طال انتظاره، وبقدر أهمية هذا الاستحقاق لمسلمي المناطق بقدر ما يأملونه من الهيئات الناخبة ان لا تساهم في تخفيض سقف الافتاء لأن المفتي يعتبر مرجعية دينية وسياسية في آن، هذا ما يجعل انتخاب المفتي امانة ثقيلة يحملها الناخبين لكونهم قلة لا يتجاوز عددهم في كل منطقة ال 25 ناخبا واقصاها ال 55 ناخباً،

فبعدما شهدت صالونات اعضاء الهيئة الناخبة والفعاليات الاجتماعية والدينية صولات وجولات لمشايخ مرشحون، يفترض انهم يستوفون شروط الترشح التي ينص عليها القانون ان لا يتجاوز عمر المرشح سن الـ 64 عاماً. ورغم ذلك وقعت المخالفة القانونية “كرمى لعيون احد المفتين المعينين” سابقاً ليتسنى له الترشح واعادة انتخابه من قبل “حاشيته” الهيئة الناخبة المستحدثة من اقاربه ومقربين منه.
ولكن ما يضع الهيئة الناخبة امام امتحان صعب في اختيار مفتي يفترض انه يرعى شؤون الناس ويوازن في المسألتين الدينية والوطنية، في حيرة العلاقة الشخصية مع المرشح وبين امانتها ان تعرف كيف تختار “الاسم النقي صاحب السمعة الطيبة والقادر فعلياً على حمل ثقل الافتاء وان يكون مرجعية وواجهة في منطقته”، من بين اسماء مستفزة واخرى مخالفة للقانون والشرع ومستغلين لوظيفتهم وللمسجد الذي يخطبون به. لأن الناخبين امام ثلاثة انواع من المرشحين المخالفين، منهم من يستعمل المسجد الذي يأم فيه كل يوم جمعة وجعله منبراً انتخابياً له خلافا للقانون وللشرع. وآخر يستغل وظيفته في ادارة مدرسة او مؤسسة ويسخّرها لنفسه كمرشح لمنصب مفتي ليطلق منها برنامجه الانتخابي ولقاءاته ونشاطاته ويستعمل المواقع والصفحات الاجتماعية لدار الفتوى للترويج لنفسه دون غيره وعلى حساب مال بقية المسلمين ودون علمهم.
وبعضهم من ابتدع اسلوب لا يرتقي للدين السمح والدين المؤسسة، لان يرغم الناخب على قسم اليمين على القرآن انه سينتخبه دون سواه، هنا يظهر مدى مسؤولية الهيئة الناخبة المعتمدة في “تحديد شخصية المفتي” وما اذا تؤدي مهمتها الى تدني مستوى مقام هذا المنصب.
لان المنطق الشرعي يقول ما من عمل يتبوؤه المرء إلا وتنشأ عنه له حقوق‏,‏ ويفرض عليه واجبات‏,‏ واستغلال المرء لموقعه من وظيفته تجاوز للحقوق التي يخولها عمله له‏ إذ أنه باستغلاله لموقعه في عمله قد سعي للحصول على ما ليس من حقه, سواء كان نفوذا أو مالا أو منفعة.
ففي كل تلك الحالات المخالفة واضحة، حسب النصوص القانونية المدنية، والشرعية الدينية. ينطلي عليها الفساد السياسي بأنه “إساءة استخدام السلطة العامة أو المنصب أو الموارد من قبل المسؤولين الحكوميين أو المنتخبين لتحقيق مكاسب شخصية، عن طريق الابتزاز أو طلب الرشاوى أو تقديمها”.
لان في القانون تعتبر الوظيفة العامة من المسؤوليات التي تسعى لتحقيق المصالح العامة، وهي “الامانة العامة”, ومن يخالفها يكون وقع في سوء الامانة التي تعتبر في الدين الاسلامي من الكبائر.
وتعريفاً أكثر ان “الشيخ” هو موظفاً عاماً اي وظيفته للعموم والمسجد الذي يأم به ليس ملكاً له انما ملك العموم، وراتبه يتقاضاه من اموال العامة، بالتالي لا يحق له ان يحوّل المسجد الى منبر لحملته الانتخابية.
كذلك هو حال بعض المشايخ حيث يقومون بإحراج الناخب لأن يقسموا اليمين العظيم لإنتخابهم لمنصب مفتي. ايضاً يعتبر هذا الفعل هو ضغط على الناخب لحرف العملية الديمقراطية عن مسارها، وبالتالي يكون مخالفة قانونية واضحة، ولأن الشرع عزز الشورى هنا يصبح “قسم اليمين” خلافاً للشورى وليس تثبيتاً للصدق، وقد يرغم الناخب بعد قسمه اليمين أن لا يختار من هو أفضل من الذي قسم اليمين لأجله. فيكون اثم انتخاب الاسواء اكبر من اثم حلف اليمين.
اما مدير المدرسة او المؤسسة التي يعمل بها المرشح لمنصب مفتي خاصة ان غالبية الموظفين فيها من الهيئة الناخبة، ويسخر المدرسون والمشايخ لخدمة مشروعه الانتخابي بذلك يكون يرتكب مخالفة قانونية واضحة، لأنه كان حري به ان يترك تلك الإدارة طيلة فترة الانتخابات لان بقائه وممارسة عمله واطلاق برنامجه الانتخابي من مكتب عمله هو مخالفة واستغلال وظيفي واضح.
إذ أن الموظف العام يؤدي المهام المكلف بها والتي تتصل مباشرة بالوظيفة العامة والتي تسمى بالواجبات الايجابية.
اما في الشرع، ينطلق من قول الله عز وجل(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) ، واستغلال الوظيفة في التربح الشخصي نوع من خيانة الأمانة، وهو لا يجوز شرعا . ويعتبر التربح من الوظيفة سحتا وغلولا ، ويمثل اعتداء على المال العام.
وايضاً روي ان عمر بن عبد العزيز جاءه أحد الولاة وأخذ يحدثه عن أمور المسلمين وكان الوقت ليلاً وكانوا يستضيئون بشمعة بينهما ، فلما انتهى الوالي من الحديث عن أمور المسلمين وبدأ يسأل عمر عن أحواله قال له عمر : انتظر فأطفأ الشمعة وقال له : الآن اسأل ما بدا لك ، فتعجب الوالي وقال : يا أمير المؤمنين لما أطفأت الشمعة ؟ فقال عمر : كنت تسألني عن أحوال المسلمين وكنت أستضيء بنورهم ، وأما الآن فتسألني عن حالي فكيف أخبرك عنه على ضوء من مال المسلمين .

كذلك وفي اطار الاستغلال الوظيفي لمنافع شخصية، روي أن عبد الله بن عمر اشترى إبلا وأرسلها ترعى في الحمى, فلما سمنت قدم بها إلى السوق, فرآها أبوه خليفة المسلمين وقد سمنت, فقال لمن هذه, فقيل لعبد الله بن عمر, فجعل يقول: يا عبد الله بن عمر بخ بخ ابن أمير المؤمنين, فجاءه ابنه يسعى فقال: ما لك يا أمير المؤمنين ؟, قال: ما هذه الإبل ؟, فقلت: إبل اشتريتها وبعثت بها إلى الحمى أبتغي ما يبتغي المسلمون, فقال: لا بد وأن الناس قالوا: ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين, اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين, يا عبد الله أغد على رأس مالك واجعل باقيه في بيت مال المسلمين»…
وهذه النماذج غيض من فيض تمتلئ به كتب السير والتاريخ عن نهج السلف في تورعهم عن استغلال الوظيفة العامة في مصالحهم الخاصة.

المصدر:أسامة القادري – مناشيري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى