صديق لدود وعدو ودود.. العالم يغلي بعد ٧ أكتوبر في ميدان الهشاشة والثراء

صدى وادي التيم-متفرقات/

منذ اليوم الأول من عملية “طوفان الأقصى”، والأطراف منشغلة أولا وقبل أي شيء بـ”عنصر المفاجأة”. ليس لأن هذا الأخير أسمى أو أولى من حجم الضربات ورد الاعتبار للاسرائيليين وداعميهم على سبيل المثال، أو من القضية على ما يبدو بالنسبة لمحور المقاومة، بل لأن المفاجأة هي أساس الضربة لا بل سرها. ‏هي المفاجأة بالمكان والزمان والعديد والعتاد… إلا أن هذا العنصر، يبدو أنه لم يغير، ظاهريًا على الأقل، في الاستراتيجيات الخاصة لكل طرف.

تصارع حيث اللقاء

ما أكدته هذه العملية، دون أي شك، أنه مهما تبدلت المفاهيم وموازين القوى لا يقوم العالم سوى على “المواجهات”. وربما هي مواجهات في الظاهر وتسويات في الداخل، ليس عملا بمنطق المؤامرة، بل لأن العالم عبارة عن صراع نحو احتلال مصالح ومواقع ومراكز.

وما بدا شبه واضح، من خلال المراقبة الحثيثة لآليات عمل الدعاية السياسية هو أن ثمة قطبين متصارعين يلتقيان حيث يتصارعان. فهما يتصارعان مع بعضهما لغاية واحدة معلنة: الإرهاب والاحتلال.

القطب “الغربي”، إذا صحت تسميته، يطارد ما يسميه “الإرهاب” في دول كل ما يشغلها الآن التخلص من “الاحتلال” على أراضيها. وربما سيظل هذا الصراع قائمًا إلى ما لا نهاية لكي يبقى لـ “مطاردي الإرهاب” أسباب أو ذرائع للبقاء في الشرق الاوسط ولدول الشرق الاوسط دلائل كافية لضمان تبرير واقعها.

ديناميكية عكسية بين المحورين

ليست الحرب في غزة إلا دليلا أكثر من وافٍ على هذه الديناميكية المسيِّرة للصراع التاريخي: ديناميكية عكسية ترسم في أذهان الشعوب المشاهِدة الوقائع والحقائق.

وهي من شأنها أن تفهم الرأي العام أنه ثمة فرق شاسع بين الأطراف المتصارعة. فمن جهة، يرى الجمهور المقاومة التي تهاجم بالصواريخ والمسيرات وتتبنى بكل صراحة الاستهدافات. وفي المقلب الآخر، تعرض الديناميكية عينها فهما لدى الشعوب مفاده أن للولايات المتحدة الأميركية وحلفائها قدرات فائقة، جاهزة ومجهزة حسب ما هو معلن لكنها لا تسعى في الوقت عينه الى تأجيج الصراع.

ولو كانت هذه المعادلة لتقول شيئًا فهي من شأنها أن توضح أنه في التعارض قدرةٌ على إعادة توازن الصورة.  فلمَ لأميركا أن تستهدف الحوثيين في صنعاء بأكثر من أربعين غارة وتؤكد في نهاية المطاف أنها لا تريد تأجيج الصراع؟ ولمَ في المقابل لمحور المقاومة ألا يتلفظ بكلمة واحدة بعد الهجوم على التنف سواءً للتبني أو للنفي مع أنه عادة ما لا يتردد في الإعلان أو التوضيح على الأقل في ما يتعلق بعملياته؟

في الزمان والميدان

عمليًا، يكفل التناقض جعل الرأي العام العالمي لا يرسو على برٍ آمن وهو جزء من البروباغندا السياسية أو على الأقل من الدبلوماسية الدولية: تنميط ومفاجأة في آن معًا.

في الواقع، الدبلوماسية لا تعرف قضايا كما يشاع بل مصالح، وهي لا تعرف شعوب وقيم سامية وهذا ما يجعلنا نعيد النظر بمنطلقات كل ما يحدث اليوم من تطورات في المنطقة، من دون أن نشمل عملية طوفان الأقصى حتى الآن.

فالدبلوماسية الأميركية، على سبيل المثال، لم تعد تعرف ربما مبدأ “محاربة الإرهاب” أو إنها استطاعت ومن خلال البناء الأيديولوجي التدريجي أن تقنع أو تقحم فكرة “الرد المناسب” مهما كان نوعه.

وإذا كان المحللون يعتبرون أن لا تسويات إلا بعد صراعات مؤججة، فربما أن الامور هي أكثر من تسويات وصراعات. التطورات في الميدان تؤشر إلى أن العالم يدور في فلك الخصومات الودية والصداقات اللدودة وأن لا قدرة واقعيًا لتحديد أي طرف لا من حيث الردود أو القدرات أو الدبلوماسية أو حتى المبادئ. وحدهما الميدان والزمان اللذان يقرران، وفي الحين المناسب، ما سيكون عليه العالم وأطرافه المتصارعة.

المصدر: نور الحاج

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى