إسرائيل تعيد إحياء دليل الحرب الدفاعية لسنة 1956!

صدى وادي التيم-متفرقات/

أعاد الجيش الإسرائيلي طباعة دليل قديم لتكتيكات الدفاع المنسية من عام 1956، ليستطيع التعامل مع المعارك مع حزب الله، وهو يحتوي على تكتيكات، منها كيفية حفر الفصائل العسكرية لجحور تشبه جحور الثعالب، وذلك مع تحول الصراع بين إسرائيل وحزب الله إلى ما بات يوصف بأنه “حرب غير رسمية”، أو حرب بكل أركانها ما عدا اسمها.

وبينما يغطّي الرذاذ المتجمد الغابة. وتدحرج الضباب الكثيف بين التلال. انطلق صفير قذائف المدفعية الإسرائيلية عيار 155 ملم من مسافةٍ قريبة، وذلك رداً على دوي دفعة قذائف الهاون التي أطلقها حزب الله.

وقال المقدم دوتان رازيلي من الجيش الإسرائيلي، أثناء احتمائه من المطر في كيبوتس حنيتا الريفي على بعد 300 ياردة من الحدود اللبنانية: “الوضع أهدأ من المعتاد. وهذا يثير شكوكي”.
إذ تختمر حرب غير معلنة بطول الريف الجبلي الذي يفصل بين إسرائيل ولبنان.

وينخرط في تلك الحرب العدد نفسه من الجنود المشاركين في الحرب داخل قطاع غزة.

لكن تلك الحرب تقتصر حتى الآن على معركة استنزاف بالصواريخ، والمدفعية، وغارات القصف، والتسلل سراً، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Wall Street Journal الأميركية.

ولم يطلق حزب الله العنان لقدراته النيرانية بعيدة المدى بعد. كما لم تأمر إسرائيل دباباتها بالتقدم حتى الآن. لكن حدة القتال زادت في الشهر الجاري. ولا يعلم أحد إلى متى قد تستمر المعركة الحدودية قبل أن ينفجر الوضع.

ووصف رازيلي هذا الصراع الحدودي قائلاً: “لم نطلق عليه اسماً بعد”. لكن الناس بدأوا يطلقون على ذلك الصراع اسم الحرب في مختلف أنحاء شمال إسرائيل وجنوب لبنان.

ويحاول الدبلوماسيون الأميركيون -بلا جدوى حتى الآن- أن يتوسّطوا في اتفاق وقف إطلاق نار يشهد سحب حزب الله لقواته بعيداً عن حدود إسرائيل. بينما يتعهّد حزب الله بمواصلة إطلاق الصواريخ على إسرائيل طالما استمر قتال القوات الإسرائيلية ضد حماس في قطاع غزة.

وقد حثّت الولايات المتحدة إسرائيل على عدم شنّ هجوم بري على الجنوب اللبناني. لأن خطوةً كهذه ستؤدي إلى تصعيد حاد لحرب الشرق الأوسط التي بدأت بهجوم حماس يوم السابع من تشرين الأول، وأثارت بالفعل تبادل القذائف والصواريخ وعمليات القتل المستهدفة من الشام إلى البحر الأحمر والخليج العربي.

ويتطلّع حزب الله، الذي فوجئ بالأحداث الجارية منذ السابع من تشرين الأول، إلى تفادي الحرب الشاملة عن طريق قصر هجماته على البلدات والقواعد العسكرية الإسرائيلية الموجودة في شريط بطول شمال إسرائيل. لكن تل أبيب تزعم أنها لن تجد خياراً آخر باستثناء دفع حزب الله بعيداً عن حدودها، إلا إذا حدثت انفراجة دبلوماسية غير متوقعة.

ويقول الإسرائيليون، بدايةً بمزارعي التفاح ووصولاً إلى قادة الجيش الإسرائيلي، إن الوضع في الشمال لا يُحتمل. حيث يخشى الجيش الإسرائيلي خسارة جزءٍ من مساحة دولته الصالحة للعيش التي كسبتها بشق الأنفس. كما حذّر وزير الدفاع ورئيس أركان إسرائيل في الأيام الأخيرة من أن الوقت بدأ ينفد.

أجْلَت إسرائيل غالبية المدنيين من المنطقة الحدودية. حيث نزح حتى الآن نحو 120 ألف شخص بحسب جيورا زالتس، رئيس المجلس الإقليمي لمنطقة الجليل الأعلى. وصرّح زالتس قائلاً: “لقد تجمّد الاقتصاد الإقليمي”.

وتحوّل حنيتا وغيره من الكيبوتس الشمالية إلى مدن أشباح. حيث يقول السكان إنهم لن يعودوا إلى منازلهم طالما أن مقاتلي حزب الله لا يزالون متمركزين بالقرب من السياج الحدودي. ويشمل هؤلاء المقاتلين كوماندوز فرقة الرضوان المهيبة، التي حاولت اجتياز الحدود مراراً في مجموعات صغيرة منذ تشرين الأول.

وقد حطّمت صدمة السابع من تشرين الأول إحساس الإسرائيليين بالأمان، وجعلتهم خائفين من تقليد حزب الله لذلك الهجوم. يُذكر أنه يعتقد أن قوات حزب الله تُعَدُّ أفضل تسليحاً وتدريباً من حماس بمراحل.

ويتمركز عشرات الآلاف من الجنود الإسرائيليين في مواقعهم الدفاعية داخل الأحراش الشمالية. بينما يُطلق مقاتلو حزب الله الصواريخ وقذائف الهاون عليهم من داخل مخابئهم في غابة الصنوبر.

ويُطلق مسلحون الحزب بشكلٍ شبه يومي صواريخ كورنيت الموجهة بالليزر روسية الصنع، التي يصل مداها إلى 9.6 كلم، وهي مصممة لاختراق أكثر الدروع سمكاً. لكن تلك الصواريخ تُستخدم ضد الأهداف المدنية والعسكرية على حد سواء هنا، من المركبات وحتى البيوت.

ويرد الإسرائيليون بالمدفعية والضربات الجوية. حيث تنتظر دبابات الميركافا تحت الأشجار. لكن الدفاع الصبور ليس بالأمر الهيّن على إسرائيل.

إذ قال رازيلي: “نحن قوة هجومية في المعتاد، ونأخذ بزمام المبادرة. لهذا فإن اتخاذ موقف الدفاع لمدة 100 يوم هو أمر صعب للغاية”.

وقد نفض الجيش الإسرائيلي الغبار عن دليل قديم لتكتيكات الدفاع المنسية من عام 1956 وأعاد طباعته، وهو يحتوي على تكتيكات منها كيفية حفر الفصائل العسكرية لجحور الثعالب. كما تخطط الفرق الموجودة في الشمال لهجومٍ بالمدرعات على لبنان ويتدربون على الأمر. وقال رازيلي: “نحن مستعدون لذلك”.

وأردف رازيلي أن القتال في الجبال تحت أمطار الشتاء هو أمر مربك للعديد من الجنود. ثم أوضح: “يحتاج الخبراء أنفسهم لإعادة تدريب آذانهم حتى يفهموا مدى قرب أو بعد الأصوات عنهم”.

ولا شك أن غزواً برياً إسرائيلياً آخر للبنان قد يتسبب في دمار هائل لكلا البلدين. إذ بنى حزب الله في السنوات الأخيرة ترسانةً تضم نحو 150 ألف صاروخ بمساعدة إيران وسوريا.

وتتميز تلك الصواريخ بمختلف نطاقات الوصول ودرجات الدقة، وتستطيع بلوغ أي مدينة في إسرائيل وصولاً إلى إيلات على البحر الأحمر. وربما تمتلك إسرائيل واحدةً من أفضل شبكات الدفاع الصاروخي في العالم، لكن الحجم المهول لمخزون صواريخ حزب الله يستطيع غمر تلك الشبكة.

وأوضح إيال هولاتا، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي: “إذا أطلقوا كل شيء لديهم؛ فسيسقط الكثير من الضحايا بغض النظر عن مدى جودة أنظمتنا الدفاعية”.

كما أصبح العديد من جنود حزب الله البالغ عددهم 30 ألف مقاتل متمرسين في المعارك الآن، بعد أن شاركوا في معارك الحرب السورية طوال عقدٍ كامل. وقال رازيلي: “إنهم أكثر احترافيةً من حماس بمراحل”.

بينما يتصاعد الخوف في جميع أرجاء لبنان من أن إسرائيل ستوسع نطاق ضرباتها الجوية. حيث ضربت القنابل والمدفعية الإسرائيلية بلدات وقرى في الجنوب بالفعل، ما تسبب في نزوح نحو 100 ألف مدني لبناني حتى الآن.

تُعد منيرة عيد واحدةً من القلائل المتبقين في قرية علما الشعب اللبنانية التي تبعد عن كيبوتس حنيتا أقل من ميل واحد. وقد رفضت المرأة البالغة من العمر 67 عاماً مغادرة منزلها، الذي تعيش فيه على الطعام المزروع داخل حديقتها.

وفي يوم السبت، 20 كانون الثاني، دمّر القصف الإسرائيلي كنيسة القرية ذات الأغلبية المسيحية. وقال السكان المحليون إن مقاتلي حزب الله معروفين بعملهم في الحقول القريبة، لكنهم لا يدخلون القرية نفسها.

وأوضحت منيرة: “نحن نعيش الحرب يوماً بعد يوم، لكن كل الأمور تبدو صغيرةً مقارنةً بما ينتظرنا لاحقاً. كان بإمكان حزب الله أن يتفادى هذا الوضع، لكن الإسرائيليين يفقدون عقولهم. القصف أسوأ مما كان عليه عام 2006”.

ويرفع حزب الله مستوى جاهزيته العسكرية لغزوٍ إسرائيليٍ يراه مرجحاً بدرجةٍ متزايدة، وفقاً لمصادر مطلعةٍ على فكر الجماعة.

فيما كانت إسرائيل على وشك شن هجومٍ ضد حزب الله خلال الأيام التي أعقبت السابع من تشرين الأول. لكن الرئيس الأميركي جو بايدن حثّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على عدم فعل ذلك.

ومع ذلك، يرى العديد من صناع السياسة والمواطنين الإسرائيليين في حزب الله تهديداً كبيراً ومتنامياً ويجب التعامل معه.

وحتى إذا أسفرت الدبلوماسية عن وقفٍ لإطلاق النار، فلا يعتقد الكثير من سكان شمال إسرائيل أن هذا سيجعل المنطقة آمنةً من جديد. حيث غيّر هجوم السابع من تشرين الأول انطباعات الإسرائيليين.

إذ قالت زيف هالبيرن، وهي أم لثلاثة أطفال من كيبوتس برعام على الحدود الشمالية: “لقد كانوا يقصفوننا طوال السنوات الماضية، لكنهم لم يجتازوا السياج مطلقاً. وعندما فعلتها حماس، شعرنا بالخوف من أن يفعلها حزب الله بدرجةٍ أسوأ”.

وقد قرر سكان برعام البالغ عددهم 300 نسمة إخلاء الكيبوتس بعد يومٍ من هجوم حماس على الجنوب. وتعيش زيف والبقية الآن داخل فنادق على ضفاف بحيرة طبرية، وتدفع الحكومة تكاليف إقامتهم.

زيف تخشى أن ينهار الكيبوتس الذي كانت تعيش فيه. حيث يفترق السكان مع تفاقم الحرب الحدودية، ويبحثون عن منازل ومدارس في أماكن أخرى داخل إسرائيل. وأردفت: “من الصعب لم شمل الكيبوتس مرةً أخرى”.

ثم أضافت زيف: “يجب أن تبذل الحكومة قصارى جهدها لجعلنا نشعر بالأمان، ولإبعاد حزب الله عن السياج، حتى لا يتكرر ما حدث في غزة هنا مطلقاً”.

فيما وقف شادي خلول على قمة تل عاصف عند بلدة الجش الحدودية الإسرائيلية، وأشار إلى موقعٍ شهد تسلل مجموعة صغيرة من عناصر الرضوان في الليلة السابقة. حيث ضربتهم الطائرات الإسرائيلية التي برقت قنابلها وسط الأمطار بحسب خلول، المسيحي الماروني والرائد في قوات الاحتياط الإسرائيلية.

وقال خلول: “الناس غاضبون من الحكومة لأنها لا تفعل شيئاً. ولا نعتقد أن أي حل دبلوماسي سينجح هنا. لا حل سوى الحرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!