أمر أمني دقيق كشفته حادثة البازورية
صدى وادي التيم-امن وقضاء/
دلالاتٌ خطيرة جداً كشفتها عملية إغتيال إسرائيل لقياديين بـ”حزب الله” في البازورية – قضاء صور، أمس السبت. ميدانياً، القصف الذي حصل في عمق الجنوب، يؤكد أنَّ إسرائيل باتت فعلاً تُوسع نطاق الإستهدافات في أكثر من منطقة، وبالتالي ستكون قادرة على “إصطياد” أي هدفٍ تريده أينما كان.
ماذا يعني ذلك؟ وماذا كشفت عمليّة الأمس؟
جغرافياً، يعتبر إستهداف البازورية، وهي بلدة الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، الأول من نوعه منذ حرب تموز عام 2006. الرسالة هنا تكمنُ في إتجاهين: الأول وهي أنَّ إسرائيل خرجت عن إطار المنطقة الحدودية فعلياً، وباتت تستهدف قادة “حزب الله” أينما وُجدوا، وليس فقط في ميدان الجبهة أو ضمن المنطقة الحدودية. الأمر هذا حصل مع القياديّ في “حماس” صالح العاروري مطلع العام الجاري، حينما اغتالته إسرائيل في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت. حينها، تم اعتبار أن تل أبيب باتت تتمادى بقصفها عُمق العاصمة، وتحديداً المنطقة التي تعتبر “بيئة حاضنة” لـ”حزب الله”.
في الواقع، لا يختلف وضع البازورية عن الضاحية، فالمنطقتان تمثلان بيئة حاضنة للحزب أولاً وثانياً لفصائل فلسطينية أساسيّة مثل “حماس”. وعليه، فإنّ القصف الذي حصل يشيرُ إلى أن إسرائيل قد تتمادى في توسيع بنك المناطق الجغرافية التي ستبادر إلى التأسيس لقصفها، فبالأمس قُصفت الضاحية من أجل عملية إغتيال، والآن قُصفت البازورية، ويوم غد قد تُقصف مناطق أخرى فيها مسؤولون لـ”حماس” أو لـ”القسام” أو حتى قيادات فلسطينية أخرى.
أمرٌ أمني خطير
ما يظهر بشكلٍ أو بآخر هو أنّ إسرائيل تسعى من خلال عمليات الإغتيال للتأكيد مُجدداً على عمق الخروقات الإستخباراتية. من الضاحية إلى البازورية وصولاً إلى مكان آخر، يبدو الأمرُ غير عاديّ بتاتاً، وما يتبين هو أن هناك شبكة من الجواسيس باتت ترصدُ التحركات، وهنا المنعطف الأكثر خطورة.
الأساس الذي يتبين هنا هو أنّ هناك عملاء يقدمون إحداثيات غير سهلة، ومن الممكن أن تكون لحظة الإستهداف قد تقرّرت في لحظتها وليس في أوقاتٍ سابقة. أحد التقارير الإسرائيلية سلط الضوء على هذه النقطة وتحديداً عبر موقع “calcalist” الذي تحدّث عن أن تحرك الطائرات الحربية أو التجسسية المخولة بتأدية عملية قصف، قد يكون مستنداً لمعلومة طارئة عن هدفٍ متنقل يجري تحديده آنيا. وعليه، من الممكن أن يكون الخرق الذي طال راكبي سيارة البازورية قد حصل في الآن نفسه. بمعنى آخر، يمكن أن يكون تحديد الهدف قد حصل في ذات لحظة إنطلاق السيارة من مكانها الأساسي، ومن الممكن أن يكون التسريب تمّ منذ لحظة سيرها، أي من دون عملية مُخططة مسبقاً.
وبذلك، فإن تحرك طائرة الإستطلاع فوق صور قبل القصف قد لا يكون بغرض الإستهداف، لكن معلومة طارئة تصل إلى غرفة التحكم قد تدفع تلك المسيرة لتنفيذ العملية المطلوبة.
السيناريو هذا قائم بشدة في حال قمنا بتفكيك مضمون التقرير العسكريّ الإسرائيلي بشأن أمر “تحركات الطائرات”، ما يعني أنّ أي عملية إغتيال قد تكون مفاجئة، وهذا الأمر يُشكل تحدياً كبيراً لأمن “حزب الله” من جهة ولأمن “حماس” من جهةٍ أخرى لتفكيك رموز أو إحباط أي عملية إغتيال عبر عملٍ أمنيّ إستباقيّ.
صحيحٌ أن ما حصل في البازورية تزامن مع عملية قصفٍ إستهدفت حي المزة في دمشق وطالت قادة إيرانيين. في الواقع، الحادثان لا يمكن فصلهما فالرسائل منهما متلازمة. الرسالة الأولى هنا هي أن إسرائيل باتت تكثّف حملتها ضد قادة إيرانيين ومعنيين بفصائل المقاومة، أما الرسالة الثانية فتتصل بوجود قدرات إستخباراتية مكنت تل أبيب من خرق أماكن هؤلاء الأشخاص أينما كانوا. أما الرسالة الثالثة فتقولُ إنّ إسرائيل باتت تسيطر جوياً على كل المجالات التي يتواجد فيها قادة إيرانيون أو مسؤولون تابعون لـ”حزب الله” أو “حماس” أو “الجهاد الإسلامي”. وبذلك، فإنّ حجم الإستهدافات عبر الطائرات المسيرة سيعتبرُ خطيراً ويمثل منعطفاً حاسماً في الصراع القائم.
أمام كل ذلك، يمكن أن يكون الكلام الإسرائيليّ عن توسيع آفاق وسقوف المعركة ضد لبنان مُقترناً بـ”تصعيد الحرب الإستخباراتية” وليس بالضرورة تفعيل العمل العسكري الميدانيّ. وهذا النوع من الحرب، أي الحرب الإستخباراتية، هو الأخطر.. ففي المعارك المفتوحة، ستكون الإجراءات أكثر تشدداً بالنسبة للقادة الميدانيين ومن الممكن ألا تحقق إسرائيل أهدافها من الإغتيالات الإجرامية. أما الآن، فالميدان في العمق اللبناني هادئ، وهذا الأمر قد يكون مفتاحاً يساعد إسرائيل على التمادي أكثر.. السر هنا خطير ويمكن التوقف عنده، والسؤال الأساس: ماذا سيفعل “حزب الله” لتدارك تلك الحرب؟ ما هي خطواته المستقبلية؟ ما هي العدة التي سيعتمدُها للمواجهة؟