قانون جديد للإعلام الجديد: القديم على قِدمه
صدى وادي التيم-لبنانيات/
بعد سنوات من الإهمال، تستعجل لجنة الإدارة والعدل مناقشة وإقرار مواد قانون جديد للإعلام، إذا ما سلك طريقه بكلّ ما فيه من ثغرات وتشوّهات، إلى الهيئة العامة للمجلس ومنها إلى التطبيق، سيكرّس ترهيب الصحافيين، ويضمن استمرار احتكار المؤسسات الإعلامية بيد أصحاب المال والنفوذ، فضلاً عن القصور في محاكاة أشكال الإعلام الجديد
ثلاثة عشر عاماً مرّت على تقديم النائب السابق غسان مخيبر اقتراح قانون للإعلام إلى المجلس النيابي، تعرّض فيها لتشوّهات نسفت ما كان يمكن أن يحقّقه من إصلاح على جزئيته. أول التعديلات، كان في لجنة الإعلام والاتصالات التي انتهت من دراسته عام 2016، وأحالته إلى لجنة الإدارة والعدل بعدما جمعت في مسوّدتها النهائية، بين اقتراحات أخرى تقدّم بها النائب السابق روبير غانم، المجلس الوطني للمرئي والمسموع، نقابتا الصحافة والمحرّرين، جهاز الرقابة في الأمن العام ووزارة العدل.في السنوات السبع الماضية، أهملت لجنة الإدارة والعدل مناقشة اقتراح القانون، رغم أن لجنة فرعية كانت قد شكلتها «الإدارة والعدل» أنجزت دراسة الإقتراح ورفعت تقريرها. إلا أنّ ما أثار الريبة أخيراً هو إقرار «الإدارة والعدل»، في جلسة واحدة، 32 مادة من أصل نحو 100 يتألّف منها اقتراح القانون. وتؤكد معلومات «الأخبار» أن أياً من المواد المقرّة «لم تلحظ التعديلات الأخيرة المقترحة من وزير الإعلام زياد مكاري والخبراء اللبنانيين والدوليين المتعلّقة بطرق محاكمة الصحافيين والعقوبات التي تُفرض عليهم وتنظيم المهنة ككل»، إضافة إلى تأكيد عدد من النواب الأعضاء في اللجنة أن «التصويت على المواد يحصل بسرعةٍ فائقة، من دون أن يكون لدى النواب إلمام كافٍ بمعنى المواد التي يتلوها عدوان على مسامعهم». كما أنّ عدوان لم يدعُ مكاري أو أي جهة مختصة في العمل الإعلامي إلى الجلسة، ما وصفه مخيبر بـ«الأمر المخالف للأصول البرلمانية، ولا يمت إلى التشريع السليم بِصِلة». بعدها استجاب عدوان لطلب مكاري حضوه وأصحاب الشأن جلسات المناقشة، وكانت أولى تلك الجلسات يوم الثلاثاء الفائت. حيث اقتراح مكاري مجموعة ملاحظات وتعديلات بأن يشمل القانون مواد تتعلّق بالإعلام الوطني الرسمي، وبالإعلام الجديد من إلكتروني ومُدمَج، طالباً من رئيس اللجنة النائب جورج عدوان أخذها في الحسبان. وبعد المناقشات قررت «الإدارة والعدل» من جديد تشكيل لجنة فرعية جديدة لدرس الصيغة الحالية لاقتراح القانون على أن تنهي عملها وترفع تقريرها الى لجنة الإدارة والعدل خلال شهرين.
أبرز ما تضمّنته النسخة الأساسية لاقتراح القانون، تحرير وسائل الإعلام من الترخيص المُسبق، واعتماد نظام العلم والخبر لإنشاء المؤسسات الإعلامية، بدءاً بالمطبوعات مروراً بالإذاعات والتلفزيونات، نظراً إلى ارتباط الحريات الإعلامية بحق دستوري يخضع فقط للرقابة اللاحقة، و«هو ما عارضته بشدة نقابتا الصحافة والمحررين، حرصاً على أصحاب التراخيص الذين سيخسرون الامتيازات وقيمتها الدفترية» وفقاً لمخيبر. بعدها طرحت الجمعيات الحقوقية إضافة المواقع الإلكترونية إلى لائحة المؤسسات المعفاة من الترخيص. إلا أنّ التعديلات أدت إلى عودة منطق إلزامية الترخيص إلى النص الحالي، ما من شأنه، برأي المحامي فاروق مغربي، «إبقاء ملكية الإعلام بيد قلّة من أصحاب الأموال والسلطة والنفوذ»، منتقداً خلوّ النص من ذكر المواقع الإلكترونية وتعريف العاملين فيها.
رفض إلغاء امتيازات المؤسسات الإعلامية وعقوبة الحبس للصحافيين
واحد من الاقتراحات الإصلاحية التي نُسِفَت في النسخة قيد النقاش، إلغاء الرقابة المُسبقة للأمن العام على المناشير والبيانات والبلاغات السياسية والمطلبية. فيما أُضيفت مادة لإنشاء هيئة ناظمة للإعلام، تتألف من 10 أعضاء يعيّنهم مجلس النواب بعد اقتراحات تقدمها نقابات الصحافة والمحررين والمهندسين والمحامين، مع الحرص على مراعاة التوزيع الطائفي. ويؤكد مغربي ومطّلعون على النص، أنّ الهيئة تتمتع بـ«صلاحيات واسعة تبدأ بتوجيه الإنذار وصولاً إلى حقها بتحويل المخالف إلى محكمة المطبوعات، مروراً بجعلها الجهة التي تمنح التراخيص للمؤسسات الإعلامية». كما أنه «ليست هناك ضمانات كافية بعدم تعسّف الأعضاء في ممارسة صلاحياتهم باستنسابية» يجزم مخيبر.
كذلك نص الاقتراح الأساسي على إلغاء محكمة المطبوعات، بصفتها محكمة استثنائية يتم تعيين القضاة فيها حصراً للنظر في قضايا الرأي، على أن يحاكم الصحافيون أمام المحاكم المدنية العادية، مع إلغاء عقوبة الحبس في كل قضايا التعبير، بأي وسيلة كانت، والإبقاء على الغرامات المالية، إلى جانب تعديل صياغة الأحكام الجزائية بما يُنهي التوقيف الاحتياطي في المخافر وفي مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية للصحافيين غير المنتسبين إلى نقابة المحررين، شأنهم شأن المنتسبين، سيّما أنّ النقابة تحوّلت لسنوات طويلة إلى نادٍ مُقفل.
وتكمن أهمية هذه النقطة في تفادي الضغوط التي تحصل أثناء عملية التوقيف الاحتياطي، وتوقيع التعهدات، وصولاً إلى اقتراح ضبط عمل مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية، و«وضعه في إطاره الصحيح كمكتب فني مساعد للضابطة العدلية، وليس من صلاحياته مصادرة الأجهزة والتعسّف بالملاحقة كما يفعل» وفقاً لمخيبر. إلا أنّ كل ما تقدّم، من إصلاحات، حُذِفَ من النسخة قيد المناقشة في «الإدارة والعدل»، في محاولة «طبيعية» للسلطة لإبقاء الخناق على رقاب الصحافيين، بهدف ترهيبهم.
كذلك اعتمد الاقتراح في صيغته الأولى، صياغة دقيقة للنصوص التي تُجيز الملاحقة في قضايا تعكير السلام العام، وذلك بإلغاء العبارات المطّاطة، واعتبار التحريض على خلفية الجنس أو العرق أو الدين جرماً يُلاحق عليه بناءً على شكوى المتضرر. وهو ما لم يمر، كما لم تمر مسألة توسيع مفهوم الموظف العام لتشمل رئيس الجمهورية وأي شخص يتعاطى الشأن العام ولو كان رجل دين
المصدر: ندى أيوب