خطة أمريكية لليوم التالي لحرب غزة.. والسلطة الفلسطينية: جاهزون ولكن!
صدى وادي التيم-متفرقات/
مع اقتراب المذبحة المستمرة في غزة من شهرها الثالث، يبدو أن هناك خيوطاً أمريكية متعددة تتجمع معاً لجر إسرائيل إلى المرحلة التالية في غزة، بعدما بدأ القادة الإسرائيليون، يعكفون على دراستها بحسب وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، وسط ضغوط متزايدة من الولايات المتحدة للابتعاد عن حرب واسعة النطاق وعالية الكثافة من حيث الهجمات الجوية والعشوائية والخسائر البشرية.
وتبعا لذلك، قال وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن خلال مؤتمر صحفي كان عقده في 20 الجاري بمناسبة نهاية العام : “من الواضح أن الصراع سيتحرك ويحتاج للانتقال إلى مرحلة أقل حدة”. وأضاف: “نتوقع ونريد أن نرى تحولًا إلى عمليات أكثر استهدافًا، مع عدد أقل من القوات التي تركز حقًا على التعامل مع قيادة حماس وشبكة الأنفاق وبعض الأشياء المهمة الأخرى”.
وما هي الخطة الأمريكية لليوم التالي بغزة؟
في خطتها لليوم التالي للحملة الإسرائيلية الدموية على غزة، تأمل الولايات المتحدة أن تمهد الطريق أمام السلطة الفلسطينية المحاصرة لتتولى زمام الأمور، عبر تشجيع تشكيل حكومة جديدة، يليها إطلاق تدريب لقواتها الأمنية.
ولهذه الغاية، كان المسؤولون الأمريكيون في الأسابيع الأخيرة يتنقلون داخل وخارج المقاطعة ــ المجمع المسور للرئيس الفلسطيني محمود عباس البالغ من العمر 88 عاماً والذي يقبع في رام الله بالضفة الغربية المحتلة ــــ غير أن ما سمعه الأمريكيون كان مفاجئا. إذ إن الفلسطينيين طالبوا بتغييرات وبوجوه جديدة في مناصب رئيسية لتحسين الوضع السيئ للسلطة التي لا تحظى بشعبية لدى الشعب الفلسطيني، مع تطلعهم إلى دور موسع في قطاع غزة بعد الحرب. والكلام هنا على (ذمة مسؤولين فلسطينيين وأمريكيين).
المثير في الأمر، أنه في البداية، رفض المسؤولون الفلسطينيون فكرة العودة إلى السلطة في غزة، التي تسيطر عليها حماس منذ عام 2007، في أعقاب هذه الحرب الوحشية. لكنهم أصبحوا تدريجيًّا أكثر تقبلاً لاغتنام فرصة نادرة لإقامة الوحدة بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
ووفقًا لمسؤول في البيت الأبيض تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته نظرا لحساسية المسألة “تتحدث إدارة بايدن مع الفلسطينيين وأعضاء المجتمع الدولي حول “حكومة جديدة وبعض الدماء الجديدة التي تنضم إلى صفوف حكومة [السلطة الفلسطينية] إلى جانب عباس وتحت قيادته”.
علاوة على ذلك، كشف مسؤولون أمريكيون أن الولايات المتحدة تأمل، بالتنسيق مع حلفائها، في تدريب قوات السلطة الفلسطينية على المسؤوليات الأمنية في غزة في أسرع وقت ممكن. لكن لم يتم التوصل إلى اتفاق بعد. فحتى الآن، تتعثر واشنطن في إحدى العقبات الأولى – وهي إقناع إسرائيل بالإفراج عن الرواتب اللازمة لمنع السلطة من الانهيار. كما أن تعثر الجهود الأمريكية للإفراج عن 140 مليون دولار من أموال الضرائب الفلسطينية المخصصة لغزة، والتي منعتها إسرائيل منذ هجوم عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر الماضي، لم يؤدِّ إلى تعزيز الثقة بالأمريكيين.
بالمقابل، وفي محاولة، للمساعدة منعا لانهيار السلطة (التي مازلت تُعتبر حاجة غربية واسرائيلية) أعلنت المفوضية الأوروبية في 22 كانون الأول الحالي أنها ستتدخل بحزمة مساعدات بقيمة 130 مليون دولار للمساعدة في سد الفجوة المالية الناجمة عن الحصار الاسرائيلي.
وماذا عن رد المسؤولين الفلسطينيين على الخطة الامريكية؟
في الواقع، قياسا إلى التجارب غير المشجعة بين واشنطن والسلطة الفلسطينية ـــ بحيث كانت أمريكا دائمة الانحياز لتل أبيب وتمنحها الضوء الأخضر للتملص من الالتزامات والاتفاقات الدولية وتشجعها على قضم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ــــ يشكك مسؤولو السلطة بقدرة الولايات المتحدة على تحقيق أي شيء أثناء وجود حكومة اليمين المتطرف الحالية في إسرائيل في السلطة. إلا أن ذلك لا يعني أنهم قادرون على رفض الأملاءات الامريكية ، زد على ذلك، أن المسؤولين الفلسطينيين قالوا إنهم يريدون ربط أي جهود من هذا القبيل “بأفق سياسي” واضح للدولة الفلسطينية. من هنا، قال نائب رئيس وزراء السلطة الفلسطينية نبيل أبو ردينة: “الأميركيون يتحدثون عن اليوم التالي. لكن حتى لو اتفقنا، كيف يمكننا تنفيذه؟ سياسة إسرائيل هي إضعاف السلطة وليس تعزيزها”.
وإذ أكد أبو ردينة: “لا نستطيع حتى دفع رواتب جنودنا وموظفينا”، أوضح أنه عندما وصل مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان في وقت سابق من هذا الشهر للقاء عباس، بدا متفائلا بشأن الخطوة الأولى لتأمين الرواتب.
وفي السياق ذاته، أشار صبري صيدم، مستشار عباس وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح، (التي تقود السلطة الفلسطينية) إن خطط حصول الفلسطينيين على عائدات الضرائب الخاصة بهم “انهارت”. ولفت صيدم ـــ الذي فقد أكثر من 44 من أفراد عائلته الكبيرة في الهجوم الإسرائيلي على غزة ــ إن نقطة البداية يجب أن تكون وقف إطلاق النار. وقال إن “إضاعة الوقت يمنح إسرائيل مساحة أكبر لتدمير المنطقة”.
ما تجدر معرفته، أنه لم يتم دفع أجور أفراد الحرس الرئاسي الذين يرتدون القبعات الحمراء عند مداخل مجمع الرئاسي في رام الله. كذلك القوات الفلسطينية الأخرى ـــ التي تأمل الولايات المتحدة أن تشكل العمود الفقري لقوة أمنية مستقبلية في غزةـ أو موظفي السلطة في القطاع المحاصر.
والانكى ان الولايات المتحدة، تعتزم السماح لإسرائيل بإعادة فحص الأفراد للتأكد من عدم وجود صلات لهم بحماس أو بعملية طوفان الاقضى. ومع ذلك، تعهد وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش، بعدم تحويل “شاقل واحد” من رواتب السلطة الفلسطينية إلى غزة.
وبالرغم من أن مسؤولي البيت الأبيض، أكدوا أن الولايات المتحدة لم تكن “موجهة” في دعواتها للتغيير، إلا إن الطلبات الأميركية أثارت غضب رام الله، عبر لسان صيدم الذي علق على ذلك قائلا (في كلام استهلاكي اعلامي فقط) “إنها دائمًا هذه العقلية الاستعمارية، حيث: “نحن نقرر قيادتك، ونحن من نصمم استراتيجيتك لليوم التالي، ونخبرك كيف تعيش، ونخبرك كيف تتنفس، ونخبرك كيف تدير حياتك على الأرض”.
وما هو الوضع الحالي للسلطة؟
قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، انتشرت العديد من الأخبار والشائعات والتكهنات، حول من قد يخلف عباس الذي لا يحظى بشعبية كبيرة بالفعل بين الفلسطينيين (بحسب دبلوماسيين غربيين). وما زاد الطين بِلة أنه منذ هجمات حماس، فقد انخفضت شعبية عباس أكثر فأكثر، وفقاً لاستطلاع رأي أجراه مؤخراً المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، وأشار الاستطلاع إلى أن نحو 88 % من الفلسطينيين، يريدون استقالة عباس، بزيادة عشر نقاط عما كان عليه قبل ثلاثة أشهر. وفي الوقت نفسه، ارتفعت شعبية حماس في الضفة الغربية من 12% إلى 44%، كما ارتفعت أيضًا بشكل طفيف في غزة.
على المقلب الآخر، يرى خصوم عباس في هذه اللحظة فرصة للتغيير. لذلك، قال ناصر القدوة، ابن شقيق الزعيم الفلسطيني السابق ياسر عرفات (يوصف بأنه خليفة محتمل لعباس، وهو يعيش الآن في منفى اختياري بعد انتقاده علانية لعباس) “نحن بحاجة إلى إيجاد حل يتضمن تنحيه”..
وتابع في إشارة إلى محمود عباس “أعتقد أن اللاعبين الدوليين يدركون أن هؤلاء الأشخاص لا يستطيعون القيام بهذه المهمة، بكل بساطة”.
وعلى المنوال ذاته شدد أحد الدبلوماسيين الغربيين على ” إن تغييرات القيادة يجب أن تأتي مع خريطة طريق واضحة لحل الدولتين للصراع. وقال الدبلوماسي الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشة هذه المسألة الحساسة: “قبل ذلك، لم يكن الأمر منطقياً”.
وتابع الدبلوماسي “الوضع هش في الضفة الغربية، ونحن نلعب بالنار.. من خلال الضغط على عباس، الضعيف للغاية والمتعب والكبير في السن، فإننا نخاطر بانهيار كل شيء”.
وليس بعيدا عن ذلك، أشار سيف عقل أحد قادة الشباب في فتح للصحفيين الأمريكيين : الناس ينظرون إلى السلطة الفلسطينية على أنها وصية للمحتلين.. ومع ذلك، قال، إن أي زعيم يُفرض من الخارج أمر غير مقبول ، وأضاف “عقل إنه ما لم تتوقف الحرب قريبا، فلن يكون هناك أي شيء يمكن لأي جهة إدارية إدارته. “إنهم يدمرون كل شيء”.
في المحصلة، ومع تزايد شعبية حماس، أصبح هناك اهتمام دولي ضئيل بالانتخابات، حتى لو كان من الممكن إجراؤها وسط الحرب، خصوصا وأن تعاون السلطة الأمني مع قوة الاحتلال جعلها شريكة بنظر الفلسطينيين بفرض إرادة الاحتلال بالضفة الغربية وتحديدا جنين . لذلك، لم يعد يرى الشباب المحبطون، إلا المقاومة المسلحة التي ترفضها السلطة، كخيار وحيد للتخلص من ظلم وجور وجرائم العدو الصهيوني.
المصدر: د. علي دربج – الأفضل نيوز