كيف لعبت الصورة الفوتوغرافية دوراً جوهرياً في تغيير الرأي العام العالمي تجاه القضية الفلسطينية؟

صدى وادي التيم-متفرقات/

نجحت حرب غزة في إرساء مفهوم جديد للصورة على المستوى التقني والفني كما كان لها تأثير نفسي مباشر في المجتمعات الغربية بعدما كشفت لها الحقائق خصوصاً من خلال مواقع التواصل الاجتماعي ومع تحول سكان غزة إلى مراسلين ينقلون عبر هواتفهم الوقائع مباشرة وينشرون صور قتل الأطفال والعائلات التي عاشت وماتت معاً.

الصورة بطل رئيس

المصور جان كلود بجاني، يعتبر أنه بين مفهوم الصورة الصحافية ومفهوم الصورة بشكل عام لم يعد التصوير حكراً على الصحافيين في غزة. يضيف، “الكل ضحية والكل صحافي والكل يصور لنقل الحقيقة من هاتفه بمواجهة جلاد يستفيد من الصورة والفيديوهات لمصلحته من خلال استخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لكي يكسب الرأي العام.

يضيف، في السابق كانت الأخبار تصل إلى الناس عبر محطات تلفزيونية معينة ومع أنها كانت كاذبة إلا أنه لم يكن يوجد دليل يؤكد ذلك، أما اليوم فإن الصورة التي تأتي من غزة هي الدليل الذي يؤكد هذه الحقيقة التي كانت مفقودة.

يضرب مثالاً، بمحطة CNN التي أجبرت على استبدال عنوان “الحرب على إسرائيل” الذي اعتمدته أول أيام الحرب بشعار آخر هو “الحرب بين إسرائيل وحماس” وذلك لأن الصورة الحقيقية وصلت إلى الناس من هواتف سكان غزة وتمكنت السوشيال ميديا من إسقاط أهم الصروح الإعلامية العالمية التي كانت تنحاز وتدعم طرفاً معيناً.

بجاني يرى أن الصورة تشكل اليوم الحكم في حرب غزة، لكن لكي تحقق هذا الهدف فيجب أن نتأكد أولاً أنها حقيقية وليست مزيفة. مثلاً، بهدف قصف المستشفيات حاول الإعلام الإسرائيلي الترويج بأن حركة “حماس” تختبئ بها وعمد إلى نشر فيديوهات كاذبة تبرر جريمته، بينها فيديو المرأة المحجبة التي ادعت أنها ممرضة تابعة لـ”حماس” ولكنه فضح نفسه عندما تبين أن الفيديو مزيف وهذا يعني أنهم يرتكبون الجريمة ثم يبحثون عن مبرر لها.

ولأن المتلقي تشتبه عليه الأمور ولا يجيد التمييز بين الصورة والفيديوهات المزيفة وبين تلك الحقيقية، يشير بجاني إلى أن التفريق بينها ليس في متناول المتلقي العادي ويوضح، مثلاً بالنسبة إلى فيديو المرأة التي ادعت أنها ممرضة بإمكان المتلقي العادي أن يعرف أنه مفبرك من خلال التدقيق في ملامحها غير العربية، وطريقة ارتدائها للحجاب التي لا تشبه نظيرتها في ارتداء الحجاب الشرعي فضلاً عن أنها ظهرت في مكان مضيء مع أن الكهرباء كانت مقطوعة في مستشفى الشفاء عند تسجيل الفيديو لكن المتلقي لا يمكنه أن يقوم بتحليل ترددات الصوت كما فعل أحد المواقع الإلكترونية التي تبين معها أن ترددات صوت المرأة كان ثابتاً عند حدوث انفجار وبعده، وهذا يعني أن الخوف الذي ظهر عليها كان مجرد تمثيل.

يتابع، صورة السوشيال ميديا هي البطل في حرب غزة كما أنها الصحافي والمراسل، خصوصاً أنه تم قتل عدد من الصحافيين بشكل متعمد لحجب الحقيقة أمام الرأي العام فضلاً عن أنها كشفت حقيقة الغرب حين فضحت صورة موت الأبرياء في غزة زيف من يدعون الإنسانية بسبب رفضهم وقف إطلاق النار. بسبب صورة غزة لم يعد الرأي العام مؤيد لجهة واحدة بل انقسم إلى قسمين الأول مع فلسطين والثاني مع إسرائيل.

اقرأ المزيد

عشرات الصحافيين جفت أقلامهم في تغطية حرب غزة

لم تعد الخوذ الزرقاء كفيلة بحماية الصحافيين من “السيوف الحديدية” بغزة

في الحروب الصورة بـ 1000 رصاصة
الفكرة الأساسية والأهم في صورة غزة أنها تنقل حقيقة معينة لا علاقة لها بعرض أزياء أو بصور جمالية، كما يقول بجاني ويضيف، تكمن جماليتها في حقيقتها حتى لو كانت مهزوزة، وهنا لا تقيم الصورة تقنياً بل إنسانياً وتكمن قيمتها في نقلها للواقع كما هو. مفهوم الصورة تغير منذ أن أصبح لكل شخص كاميرته الخاصة في هاتفه وغياب الصورة عن أي خبر فيه تشكيك بمصداقيته. وإسرائيل عدا عن أنها فقدت تأييد الرأي العالمي فإنها سقطت من الناحية الاحترافية.

يتابع، من المعروف أن اليهود هم الذين اخترعوا السوشيال ميديا ولكنهم سرقوا بعض خصائص “فيسبوك” و”إنستغرام” كـ”الستوري” والـ “ريل” من تطبيق “سناب شات” الذي رفض أصحابه بيعه لهم. ومع أنهم يسيطرون على السوشيال ميديا وأغلقوا بعض الحسابات المتضامنة مع غزة ولكن الصورة بقيت صامدة وأسقطت نظريات لطالما استخدمها الإسرائيليون وروجوا لها للدفاع عن أنفسهم حتى ضمن المجتمع اليهودي”.

على الخط الواضح

يفرق المصور علي علوش بدوره بين وسيلتين لانتشار الصورة الأولى عبر السوشيال ميديا من خلال الهاتف والثانية من خلال الجهد الكبيرة الذي يبذله المصورون في غزة باستخدام تقنيات جديدة وحديثة، ويقول “اليوم الكاميرات اختلفت وكذلك طريقة إرسال الصورة والعنف كبير جداً ولكن المصور تمكن من خلال صورته من لعب دور كبير في وضع المعركة على خط واضح وصحيح مقارنة عما كان عليه الوضع قبل سنوات. لا يمكن إلا أن نقر بأهمية الصورة وتأثيرها في الرأي العام خصوصاً صور الأطفال والعائلات التي أبيد كل أفرادها في غزة في القصف والتي قلبت الموازين وأحدثت تغييراً في الرأي العام العالمي”. لكن انتشار الصورة اليوم أكبر بكثير مما كان عليه في السنوات الماضية ولكن كان مفعولها وتأثيرها كبيرين جداً، ففي حرب لبنان عام 1996 وضعت صور مجازر الأطفال على مكاتب الأمم المتحدة ومجلس الأمن، والحملة على الصحافيين والمصورين واضحة جداً حتى من يعملون لمصلحة وكالات أجنبية واتهموا بأنهم كانوا على علم بهجوم “حماس” ولكنهم لم يكشفوا عنه وسبب الاتهام هو وجودهم على الأرض منذ اللحظات الأولى. الصورة اليوم واحدة من أقوى الأسلحة في الحروب ولا يمكن إلا الاعتراف بهذه الحقيقة.

كما يشير علوش إلى أن مفهوم الصورة لم تتغير على المستوى التقني وطرق التصوير المعتمدة لا تزال هي نفسها ولكن صور غزة العنيفة كانت مهمة جداً على المستوى الإنساني بسبب فظاعتها.

ويضيف أن هناك صوراً أكثر فظاعة من تلك التي نشرت ولكنها لم تنشر من شدة فظاعتها ولا شك أن كاميرات الهواتف لعبت دوراً كبيراً في انتشارها على نطاق واسع والناس تغلبوا على المصورين الصحافيين من ناحية الخبر ولكن ليس من الناحيتين الفنية والتوثيقية.

يشير علوش إلى أن التقنيات والذكاء الاصطناعي التي تستخدم في الصور لا يلبث أن ينكشف زيفها “تم طرح صور قديمة ومخالفة على أساس أنها آنية ثم تبيّن العكس ولا يمكن الرهان على الناس لاعتماد معايير الدقة. وهناك استسهال في إرسال الصور بشكل كبير لاستغلال الحدث وهذا الخطأ يمكن أن يقع به ليس الناس العاديون فقط بل يمكن أن يشمل أيضاً بعض المواقع الإلكترونية ومحطات التلفزيون لذا فإن التأكد من مصدر الصورة أمر مهم وضروري جداً”.

اكتئاب ما بعد الصدمة

أستاذ الطب النفسي الدكتور جمال حافظ أكد أهمية صور غزة القاسية وتأثيرها في الرأي العام قائلاً، “ما يحصل في غزة غير مألوف بالنسبة للرأي العام الذي يتابع التلفزيون أما سكان غزة فهم الأكثر عرضة للصدمة مع أنهم مروا بحروب مماثلة ولكن تأثير تكرار الصدمة يكون أكثر صعوبة مما كان عليه أول مرة، وهذه الحالة تعرف في علم النفس باكتئاب ما بعد الصدمة. الرأي العام العالمي يتأثر بشكل مباشر، إذا كانت حالته النفسية جيدة، خصوصاً أن الصورة تنقل له الإجرام والقتل المتعمد والمجازر وانعدام الماء والطعام، لأن ما يراه يتعارض مع القيم التي نشأ عليها والحالة المدنية التي يعيشها على مستوى التعامل الأدائي اليومي.

يتابع أن هذا الأمر أدى إلى حصول تغيير عنده وإصرار لمعرفة الحقيقة لكي يبني موقفه، وكانت حرب غزة الشعرة التي قصمت ظهر البعير حين تأكد أن ما يحدث لا علاقة له بالإرهاب بل نتيجة تراكمات تعود إلى ما قبل 75عاماً من القتل والمجازر والعذاب. وكان من الطبيعي أن ينقلب على الطرف الذي كان يؤيده وقاس ما يحصل في غزة على نفسه. البعض في فرنسا يعانون الأرق بسبب هول المشاهد، ولذلك صدر قرار بمنع الرأي العام الإسرائيلي والأوروبي مشاهدة ما تبثه القنوات العربية بذريعة الحؤول دون مشاهدة الأطفال للصور المؤذية، ولكن هذا القرار لم يؤد إلى نتيجة بسبب وجود السوشيال ميديا المتاحة لدى كل الناس، والنزول إلى الشارع دليل تأثر الناس سلباً وللتعبير عن غضبهم وإحباطهم من قرارات حكوماتهم المعاكسة للطبيعة”.

المصدر: هيام بنوت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى