إسرائيل تفضّل المناورة البرّية: لا عودة إلى ما قبل 2005
صدى وادي التيم-لبنانيات/
يخطئ مَن يظنّ أن إسرائيل معنيّة باجتياح برّي لقطاع غزة من شأنه إعادة سيناريو ما قبل انسحاب عام 2005، أو أنها تريده. أيضاً، قد يكون مخطئاً مَن يظنّ أن العدو لن يلجأ إلى «المناورة البرّية» داخل القطاع. وفي حين أن الخيار الأول مستبعَد، يُرجَّح اللجوء إلى الخيار الثاني، علماً أن المفهومَين يتمايزان، وإنْ كان ثمّة مَن يخلط بينهما، وهو ما يؤدّي إلى فساد تقدير الآتي في غزة. ويُقصد بـ«المناورة البرّية»، تفعيل خيارات تشمل السيطرة على أراضٍ، وتوغّلات، وإغارات، وعمليات خاصة، يراد منها تحقيق هدف إستراتيجي ما. وما إن يتحقّق هذا الهدف، حتى يُصار إلى العمل على إعادة انتشار القوات، إلى ما كانت عليه، أو إلى انتشار آخر، يضمن استمرار تحقّق الهدف. أمّا الاجتياح، فهو يعني تدخّلات برّية تكون نتيجتها السيطرة المادّية الكاملة على أرض العدو، بهدف الاستقرار فيها، والعمل على إدامة احتلالها.
وهكذا، فإن المناورة والاجتياح متباينان؛ فالأولى وسيلة لتحقيق هدف آخر، فيما الهدف من الثاني هو الاحتلال نفسه، بما يشمل الصدم الممتدّ زمنياً، أو النهائي. وبدا جليّاً، منذ اليوم الأول للحرب، أن إرادة إسرائيل اتّجهت نحو طلب هدف إستراتيجي كبير جداً، وهو «سحق» حركة «حماس»، وتالياً تحقيق جملة إنجازات، لا تقلّ في أهميتها عن الإنجاز المادّي المباشر. ومن اليوم الأول أيضاً، أدركت تل أبيب أن المناورة الجوية والقتال عن بعد، لا يحقّقان النتيجة المطلوبة، بل والإلزامية، لاستعادة مكانتها، لدى نفسها ولدى الآخرين. ومع ذلك، بدا أن إسرائيل، وعلى رغم التهويل الهائل والمبالغات التي صدرت عن مسؤوليها وإعلامها، تريد النتيجة (إزالة حكم «حماس» والحركة نفسها)، مع أقلّ «مناورة برّية» ممكنة. ولذا، وُجّهت المناورة الجوية، بشكل رئيس، في اتجاه تدفيع الفلسطينيين، وليس «حماس» فحسب، الثمن، من أجل معادلة ما أمكن من الخسائر الظاهرة والمباشرة، المادية والبشرية على السواء، على أن يُصار لاحقاً إلى العمل على «سحق حماس»، بتركيز مضاعف.
ويَطرح الحديث عن قرب «المناورة البرّية» المرجّحة، والتي ربّما تأخّرت، أسئلة عن الأسباب التي حالت دون تنفيذها إلى الآن: هل هو خلاف على القدرة على الإنجاز الميداني؟ أم على الأثمان التي يُقدَّر أن تكون مرتفعة؟ أم حول المخرج السياسي للحرب، بين إسرائيل والراعي الأميركي؟ وإذا كانت الأسئلة مفتوحة في هذا الإطار، إلّا أنه مع مرور الأيام، وعدم مبادرة إسرائيل إلى «المناورة البرّية»، التي تأمل من ورائها تحقيق الهدف الإستراتيجي، كما سلف، تَصعب المهمّة ويرتفع ثمنها، كما يتراجع تأييدها دوليّاً؛ والأخير جزء لا يتجزّأ من مكوّناتها، ولا سيما لجهة دعم الولايات المتحدة التي باتت هي صاحبة القرار والآمر الناهي في هذا الصراع.
هل ثمّة تباين حول المخرج السياسي للحرب بين إسرائيل والراعي الأميركي؟
وعلى هذه الخلفية، يأتي حديث الرئيس الأميركي، جو بايدن، عن أن الاجتياح البرّي خطأ – وهو حديث علني وليس في الغرف المغلقة -، ليشير الى أوجه خلاف على الهدف أو الأهداف السياسية للحرب، بين الجانبَين. فإذا كانت «الشهيّة» الإسرائيلية مرتفعة جدّاً بدافع الصدمة التي ثبت أنها تتحكّم برؤية دولة الاحتلال في أكثر من مستوى واتّجاه، إلّا أن الأمور، من ناحية الولايات المتحدة، تبدو أكثر «عقلانية» نسبياً، وأكثر ارتباطاً بسلّة مصالح لها علاقة بالإقليم، حيث لا تريد واشنطن الإضرار بإستراتيجيتها المرسومة للمنطقة، عبر التماشي مع القرارات الإسرائيلية، على حساب الشركاء الآخرين، وعلى حساب المصالح الأميركية نفسها، والتي لا تُقارن شموليتها بالنظرة الإسرائيلية إليها.
لهذا، يبدو أن الخيار البرّي، كما كانت تعمل عليه إسرائيل – وهو خليط من الاجتياح ومن «المناورة» – بات أمراً مستبعداً، بعدما فرض الراعي الأميركي قراره عليها. إلّا أن ذلك الفرض لا يلغي «المناورة البرّية»، وإنْ كان يلغي الاجتياح بمعانيه الآنفة الذكر. فسلّة الأهداف التي يُسمح لإسرائيل بالعمل عليها، تحتاج أيضاً إلى رافعة ضغط برّية. وفي الحالتَين، أي النيّات الإسرائيلية والخطط الموضوعة برّياً لإنجازها، والمحدّدات الأميركية وضوابطها التي تَفرض على تل أبيب الحدّ الأدنى من الفعل البرّي، تبقى النتائج مرهونة بردّ فعل الطرف الآخر في المعادلة، والذي ينتظر، كما يؤكّد، إقدام إسرائيل على تفعيل خياراتها البرّية، أيّاً كانت هذه الخيارات، حتى يفاجئها بما لديه.
المصدر: يحيى دبوق – الأخبار