صناعة الجدران العازلة الإسرائيلية تُمنى بفشل ذريع!

صدى وادي التيم-متفرقات/

من تداعيات “طوفان الأقصى”:
مدار للدراسات الاسرائيلية : تقدير موقف
في نهاية العام 2021، انتهى الجيش الإسرائيلي من بناء جدار عازل بطول 65 كيلومترا حول قطاع غزة. وضخّت إسرائيل مليارات الشواكل في عملية البناء هذه التي استمرت حوالي ثلاثة أعوام ونصف العام.
وقد دشنت إسرائيل الجدار في مطلع شهر كانون الأول من ذلك العام، من خلال احتفال رسمي حضره وزير الدفاع السابق بيني غانتس، ونائبه، ورئيس هيئة الأركان العامة للجيش في ذلك الوقت أفيف كوخافي، بالإضافة إلى رؤساء المجالس المحلية للبلدات الإسرائيلية المحيطة بغزة. في حفل التدشين، قال غانتس بأن الجدار هو مشروع تكنولوجي من شأنه أن يحرم حركة “حماس” من إحدى القدرات التي كانت تحاول تطويرها وهي الأنفاق الهجومية. وأضاف أن الجدار يهدف إلى وضع حاجز حديدي وخرساني وأجهزة استشعار بين “حماس” وسكان الجنوب. وختم غانتس خطابه بالقول إن “هذا الجدار سيساعد هذه المنطقة الجميلة على الاستمرار في النمو والازدهار”.
في 7 تشرين الأول عام 2023، أي بعد حوالي عامين على تدشين “جدار غزة” هذا، أحدثت حركة “حماس” أكثر من 10 فتحات عبر الجدار، واقتحمته، وهاجمت مستوطنات غلاف غزة. ويمكن القول إن هذا الهجوم لا يعني فقط فشل الجدار في حماية “أمن” الإسرائيليين في مستوطنات الغلاف والذين تمت دعوتهم إلى حضور حفل التدشين، وانما أيضاً قد يتسبب بإلحاق أضرار واسعة بسمعة التكنولوجيا الإسرائيلية المتعلقة تحديداً بصناعة الجدران.

ما هو جدار غزة التكنولوجي الإسمنتي؟
بدأت فكرة الجدار حول غزة في العام 2014 في أعقاب المعركة التي أطلق عليها الجيش الإسرائيلي اسم “عملية الجرف الصامد”. وحسب تقرير نهاية العام الذي أصدره الجيش الإسرائيلي لتلخيص أعماله خلال 2021، فقد بدأ العمل في الجدار العام 2017 واستمر نحو ثلاثة أعوام ونصف العام. ويصل ارتفاع الجدار إلى حوالي 6 أمتار فوق سطح الأرض ويمتد إلى عشرات الأمتار تحت سطحها. ويهدف الجدار إلى حماية الإسرائيليين من خطر الأنفاق الهجوميّة التي وقف الجيش عاجزا عن محاربتها، أو التكهن بمكانها خلال معركة 2014. وقد أقام الجيش الإسرائيلي حوالي 6 مصانع باطون على طول قطاع غزة لتوفير مواد خام لبناء الجدار. بالإضافة إلى ذلك، استخدم الجيش حوالي 140 ألف طن من الحديد والفولاذ. والجدار هو الجزء الأساس من بنية تحتية تكنولوجية أوسع يطلق عليها الجيش اسم “الجدار الإسمنتي الدلالي” كون البنية تشمل عشرات أبراج المراقبة، ومئات الكاميرات بالإضافة إلى وسائل إنذار مسبق ومجسات حساسة. في الحرب الإسرائيلية السابقة على قطاع غزة، والتي اندلعت في أيار 2021، ادعى الجيش الإسرائيلي بأن الجدار الذي كان في المراحل الأخيرة من بنائه كان قد حقق نجاحاً مطلقاً في إفشال الأنفاق التي حفرتها المقاومة الفلسطينية للتسلل إلى العمق الإسرائيلي. وقد بلغت تكلفة بناء القسم تحت- الأرضي من الجدار حوالي 3 مليارات شواكل.

إسرائيل: من رائدة عالمياً في مجال صناعة الجدران الى “نموذج فاشل”
تعتبر إسرائيل رائدة على مستوى العالم في تطوير وبناء العوازل والجدران الضخمة. فإسرائيل تعتبر “دولة الجدران” إذ أنها اقامت جدار الضفة العام 2002، ثم أقامت جدارا مع سيناء في العام 2012، ثم جدارا مع لبنان في العام 2018، وأخيرا أقامت جدارا مع غزة تم استكماله في العام 2021. ولكن صناعة الجدران بالنسبة لإسرائيل لا تتوقف على صب الإسمنت ووضع الحواجز، بل إنها صناعة ضخمة تقوم على علوم إدارة السكان، والضبط والمراقبة، واستخدام التكنولوجيا المتطورة والتقنيات العالية في حماية الحدود ومعرفة كل ما يحصل ما وراء الحدود. ولهذا السبب تعتبر إسرائيل بمثابة “وادي السيلكوم” في صناعة الجدران إذ إن هناك عشرات الشركات الإسرائيلية التي تعمل في مجال البحث والتطوير في كل ما يتعلق بصناعة الجدران والحواجز والعوازل والبوابات الإلكترونية وأنظمة الرقابة المتعلقة بإدارة السكان، وكل هذه الصناعات تدخل في بناء الجدران العازلة.
أهم الشركات في إسرائيل هي: شركة أكرشتيان التي لديها مصانع في مستوطنات داخل الضفة وتعمل في مجال إدارة السكان وتطوير نظم رقابة وجدران عازلة، وشركة أفكون القابضة، ومجموعة أشترون القابضة، وشركة الأخوة باردارين الحبيبة على الجيش الإسرائيلي، وشركة كول غيدير وغيرها. لكن إسرائيل تحولت أيضا إلى مستقطبة لعشرات الشركات العالمية والتي تقيم معامل وورشات تجارب وتصنيع في أنحاء إسرائيل والضفة الغربية باعتبار أن المنطقة أرضية خصبة لتطوير صناعات الجدران العازلة وتسويقها على مستوى العالم. مثلا، قامت دولة المغرب بالاستعانة بالتكنولوجيا والخبرات الإسرائيلية لبناء جدار فاصل ما بين المغرب والصحراء الغربية. كما أن الهند استدعت إسرائيل لتخطيط الجدار مع باكستان. وتعتبر شركة ميغال الإسرائيلية إحدى أهم الشركات الأمنية الخاصة والتي تطورت من خبراتها في إسرائيل وتعمل على تصدير صناعة الجدران إلى العالم. فهذه الشركة التي ساهمت في بناء جدار إسرائيلي مع سيناء حصلت على عقود لبناء جدران مماثلة في كينيا والصومال. وقد نشرت صحيفة”جروزاليم بوست تقريرا في العام 2016 يعكس مدى حضور القطاع الخاص الإسرائيلي العامل في صناعات الجدران على الصعيد العالمي. وبعد فوز ترامب في انتخابات العام 2016، ارتفعت أسهمها في بورصة الناسداك الأميركية بشكل ملموس لأن ترامب كان أعلن عن نيته الاستفادة من الخبرات الإسرائيلية في تطوير جدار عازل بين الولايات المتحدة وكندا.
من المؤكد أن جدار غزة، والتكنولوجيا المستثمرة في بنائه، ستكون في مركز التحقيقات التي ستجريها إسرائيل لمساءلة فشلها في صد هجوم “حماس” المفاجئ. وبحسب التحليلات الأوليّة، فإن فشل إسرائيل كامن في ثلاثة مستويات: أولا، إسرائيل ركزت على دور الجدار في منع حركة “حماس” من استخدام الأنفاق تحت الأرض، وهذا كان الغرض الأساس من الجدار، ولم تضع التكهنات الاستخباراتية إمكانية اقتحام الجدار برا من خلال تخريبه. ثانيا، الجدار هو جدار تكنولوجي دلالي، بمعنى أنه يحتوي على مئات من المجسات الاستشعارية والتكنولوجيات التحذيرية، والتي لم تعمل، أو على الأقل تم الالتفاف حولها، عند اقتحام الجدار من قبل حركة “حماس”. ثالثا، المكانة التي بنتها إسرائيل في الأسواق العالمية فيما يتعلق بصناعة وتسويق وبيع تكنولوجيا الجدران، أخذت بالتداعي ومن المتوقع أن يعود الأمر على إسرائيل ليس فقط بخسائر مادية، وإنما أيضاً بخسائر تتعلق بمكانتها “المرموقة” في هذه الصناعات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!