سوق “البالة” تنتعش … الثياب المستعمَلة موضة جديدة !!

صدى وادي التيم – لبنانيات/

بسرعةٍ وخِفّة، تمرّ مريم (40 سنة) على الملابس المستعمَلة المعلَّقة، في «بازار بيروت» الموجود بالقرب من كنيسة مار مخايل في الضاحية الجنوبية لبيروت، يرافقها زوجها حاملاً سلة صغيرة تَجْمَعُ فيها قِطَعاً مختارة.

جاءت مريم من كفرشيما قاصدةً المكان بعدما سمعتْ عنه كثيراً، وتقول : «الثياب صارت كتير غالية»، لم يعد بمقدورنا أن نشتري من المحلات العادية والمولات الكبيرة، هنا نشتري قِطَعاً كثيرة بالكاد يبلغ ثمنها 500 ألف ليرة.

وتضيف: «كل شيء أصبح باهظ الثمن في لبنان، وحتى لو كان لديّ مال فلن أنفقه على الثياب، في حين أن بإمكاني أن أجد هنا سلعة بسعر زهيد ومن ماركات عالمية. في النهاية أنا وزوجي لدينا أولويات، مثل دفْع فواتير البيت والطبابة وتكلفة البنزين وغيرها».

وتختم: «اخترتُ كنزة للشتاء ولم يتجاوز ثمنها 65 ألف ليرة بينما في المول سعرها لا يقلّ عن 500 ألف».

ومثل مريم نساء كثيرات، ورجال وشبان وشابات، باتوا يقصدون محال البالة التي توجد فيها ملابس مستعمَلة وأوروبية وما يُعرف بالـOutlet حيث الملابس الجديدة من أجل شراء ثياي بأسعار مقبولة، كلٌّ بحسب قدرته وحاجته والنوعية التي تناسبه. وتنتشر ظاهرة محال «البالة» في الفترة الأخيرة، وخصوصاً في العاصمة بيروت، وكثير من قرى البقاع والجنوب والشمال، وباتت تلقى إقبالاً كبيراً من فئات إجتماعية مختلفة، ولا سيّما الفقراء الذين زادت نسبتهم كثيراً، بفعل الأزمة الاقتصادية في البلاد.

وتضمّ البالة بضائع مختلفة، مثل الملابس الرياضية والرسمية وحتى التي نرتديها في السهرات والمناسبات، وفيها الأحذية والمناشف والبياضات المنزلية وحتى الأغطية الشتوية والألعاب وغيرها.

وفي نظرةٍ سريعة على الأحياء الشعبية في بيروت، نجد إنتشاراً واسعاً لمحال البالة، وهو أمر ليس مستغرَباً، كما هو الحال في شارع الحمرا مثلاً والذي طغى مشهدُ البالة فيه على المكان ككلّ.

وتقول رشا صالح، وهي صاحبة متجر «Outlet Fashion» في شارع الحمرا: «موضة الثياب المستعمَلة ليست محلية بل عالمية، وهي ثقافة قديمة في لبنان، لكن ليس بالنسبة إلى كل الناس، فهناك أشخاص كانوا يشعرون بالخجل من شراء ألبسة البالة، بينما راهناً، تبدّلتْ هذه النظرة عند عدد كبير من اللبنانيين واللبنانيات».

وتضيف: «كانت هناك فكرة خاطئة تجاه الـOutlet عند البعض، إذ كانوا يعتقدون أن جميعها مستعمَل وقديم، ولكن في الحقيقة، هناك نوعان من الألبسة، قديم وجديد أي ستوك».

بدأت صالح مشروعها منذ ما يقارب عام، وأرادتْ أن يؤمن لها مردوداً مادياً في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها لبنان. وتروي كيف يلقى المحل إقبالاً واسعاً من مختلف فئات المجتمع، بينهم مَن يسعى لشراء الملابس بأسعار زهيدة، وبينهم مَن يبحث عن ماركات عالمية بأسعار مقبولة مقارنةً مع مداخيلهم، وخصوصاً أن أسعار الملابس لديها منخفضة مقارنةً بأسعار البضاعة الأوروبية في السوق كونها تسعى لربح أقلّ وبيع أكثر.

وتقول: «أسعارنا تتبدّل حسب تبدُّل سعر صرف الدولار مقارنة بالليرة، لأننا نشتري البضاعة بالدولار، وعلى تعرفة الدولار الجمركي الجديد نتوقع أن نستلم من التجار بأسعار مرتفعة أكثر كل بحسب هواه، بسبب فوضى السوق».

ويتوقع اللبنانيون أن ترتفع أسعار السلع أكثر بسبب إقرار تعرفة الدولار الجمركي الجديد (على سعر 15 الف ليرة لكل دولار عوض 1500 ليرة)، وما زال غالبية الناس ينتظرون من المسؤولين إعلان لوائح بأسعار السلع التي يشملها هذا التعديل.

علماً أن الجمارك على بضاعة البالة أقلّ بكثير منها على الثياب الجديدة المستوردة، كون الرسوم تُدفع على الكيلو وليس على القِطعة. ويعيش اللبنانيون منذ العام 2019 أزمة إقتصادية ومعيشية هي الأسوأ في تاريخهم الحديث بسبب انهيار العملة الوطنية وإرتفاع أسعار السلع والخدمات وإنخفاض قدرتهم الشرائية، حتى أن بعضهم لمس تبدُّل أسعار البالة هذا العام.

وتقول أم صافي: «قبل الأزمة كانت تلفتني»لقطات«البالة لجهة نوعيتها وسعرها المنخفض، وكان معروف أنها مقصد الذين يعانون أوضاعاً معيشية صعبة».

وتضيف: «منذ ثلاث سنوات بدأنا نلحظ تَزايُد محال الألبسة الأوروبية في الجنوب، بنوعيةٍ جيدة وأسعار مقبولة إلى حد ما. ولكن مع بداية فصل الشتاء هذه السنة، تفاجأتُ بإرتفاع الأسعار وبنوعياتٍ مختلفة للثياب وكأنها صارت «مضروبة».

أيّ فيها ملابس غير أوروبية.

وتلفت أم صافي إلى أن بعض المحال بدأت التسعير بالدولار وليس بالليرة اللبنانية وأخرى تبيع الثياب بالكيلو أيضاً. وفيما كان التبضع من البالة يسبب إحراجاً لكثيرين في الماضي، باتوا يتفاخرون اليوم بالماركات التي يشترونها وفق ما ترى كريمة فتاح. وتروي فتاح كيف أخبرتْها إحدى أقاربها أنها «ترتدي ملابس من عند»صديقنا«سام زوج لبيبة، الذي يشحن بضاعة من أميركا»، وتضيف «هكذا، ومن دون أي تردد».

وتقول «بات محل سام الّذي يبيع البضاعة الأوروبية مقصداً للناس من مختلف الطبقات كونه يضم نوعين من الملابس، جديدة ومستعملة وبأسعار تناسب الجميع».

من جهتها تقول مي فواز (31 سنة): «اكتشفتُ جودة البضاعة بالـOutlet بعد الأزمة الإقتصادية، وأسعارها مقبولة جداً أيضاً. مثلاً حذاء Adidas يبلغ راهناً على موقعهم على الإنترنت ما يقارب 6 ملايين ليرة بينما يبلغ في محلات الـoutlet نحو مليونين».

وتوجد في طرابلس كما في الجنوب والبقاع، عشرات المحال وبَسْطات الألبسة والأحذية المستعملة. ويقول الشاب بشير مصطفى: «هذه الظاهرة حاضرة تاريخياً في طرابلس وليست جديدة، ولكن راهناً تَزايَدَ الإقبال عليها رغم تبدُّل الأسعار وإرتفاعها، لأنها الملجأ الوحيد والأخير للناس لأن غالبيتهم ليست لديهم القدرة على شراء الألبسة الجديدة».

ويضيف: «لا بد من الأخذ في الإعتبار إقبال أشخاص من مناطق أخرى ممن يقصدون طرابلس لشراء الملابس المستعملة، ولا سيّما من بعض المناطق التي كانت تصنِّف نفسها»كلاس«، إذ باتوا يلجأون إلى هذا الخيار تحت مسمى Outlet أو عروض الكيلو وإستخدام التيكتوك وإنستغرام وعرض أهم الماركات».

ويلفت الباحث في «الدولية للمعلومات» وهي مؤسسة دراسات وأبحاث وإحصاءات علمية مستقلة (تأسّست في بيروت في العام 1995) محمد شمس الدين الى أن «أسعار البالة والـOutlet باتت راهناً خارج مقدور كثيرين بسبب إرتفاع أسعار السلع لديهم وإزدياد واقع الناس سوءاً، فبات جزء منهم يبحث عن جمعيات تقدّم الثياب المستعمَلة مجاناً، بعد غسلها وتنظيفها وترتيبها ومن ثم منحها للمحتاجين».

وتعود ظاهرة انتشار البالات في لبنان، ولكن بوتيرة أقل، إلى ما قبل الحرب الأهلية (1975-1990).

وتتدرج نوعية البضاعة فيها من «السوبر كريم» إلى «الكريم»، أي باب أول وباب ثاني.

وتنتقل البالات من مراكز بيع السلع المستعملة، لا سيما في الدول الأوروبية، إلى المستهلك، عبر المستوردين والتجار.

ولا يقتصر التسوق على المحلات، إذ إن العديد من الصفحات على إنستغرام وفيسبوك تقوم بتسويق الألبسة المستعملة، فيما تُبتكر يومياً أفكار جديدة في هذا المجال، مثل فكرة «خود وأعطي» التي ابتكرها «سوق عكاظ» وتقوم على فكرة الحصول على ثياب مقابل منْح أخرى.

المصدر : الراي الكويتية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى