رعاة الماشية جنوباً يهبطون من المرتفعات إلى الساحل خوفاً من قساوة الشتاء
لرعاة الماشية طقوسهم وعاداتهم وعالمهم الخاص وبرامجهم الموسمية، المرتبطة بشكل رئيسي بأحوال الطقس، لا سيما موسم الامطار والصقيع، يتوقعون شدة الامطار وقساوة البرد، وكأنهم يملكون ارصادا جوية، وغالبا تصيب توقعاتهم.
يقرأ رعاة المواشي وأصحابها، حالة الطقس المرتقبة، إبتداء من ليلة السابع والعشرين من شهر أيلول من كل عام، والذي يصادف عيد الصليب الكبير، الذي يسبقه عيد الصليب الصغير، في الثالث عشر من أيلول، يتوقعون دائما سقوط بشارات المطر، حتى لو كانت بحسب مصطلحهم (بخات) اي قليل من المطر، إيذانا بالاستعداد للشتاء، على قاعدة المثل القائل ( أيلول طرفه مبلول ) فيبدأ على ضوئها أصحاب المواشي، ولا سيما الماعز بالانتقال من المرتفعات الجنوبية، وخصوصا في شبعا وكفرشوبا والبقاع الغربي، التي ترتفع ما يزيد على ال١٢٥٠ مترا إلى الأماكن المنخفضة بحثا عن الدفء.
عندها يقصدون حظائر أقيمت منذ عشرات السنين، بحجارة صخرية واسقف من الاسمنت، في عدد من بلدات وقرى منطقة صور، وعلى وجه الخصوص الناقورة، طيرحرفا وشمع وزبقين، حيث يستقر الرعاة مع ماشيتهم حتى اواخر شهر آذار في تلك المناطق، بعدما يطمئنون إلى عودة الدفء إلى مناطقهم العالية والمرتفعة.
تنبأ إسماعيل ناصر، الذي يملك قطيعا من الماعز ، في بلدته كفرشوبا، على مثلث الحدود اللبنانية الفلسطينية السورية، والتي ترتفع اكثر من الف ومئتي متر عن سطح البحر، بأن طقس هذا العام سيكون زاخرا بالمطر والبرد .
وقال ل “جنوبية”، “إعتدنا منذ زمن والدي واجدادنا، أن نرصد ونتوقع موسم الشتاء ، من خلال نسمات الهواء ليلة السابع والعشرين من أيلول، فإذا كان الهواء قبلي (جنوبي)، معنى ذلك أن موسم الشتاء سيكون ماطرا جدا وايضا باردا”.
وأضاف، “ليلة البارحة ، راقبت الطقس ، فكانت النسمات الباردة من ناحية الجنوب، ومع بدء شهري تشرين ، نبدأ بالاستعداد للانتقال إلى المناطق الاقل ارتفاعا في مرجعيون، ولا تزيد عن الخمسماية متر، وبذلك نضمن المراعي من جهة وعدم نفق مواشينا من شدة البرد ، في الأعالي التي تغطيها الثلوج، وتتسبب باختفاء مراعي العشب.
وأشار ناصر في هذا السياق، إلى تراجع اراضي الرعي في المنطقة، بسبب الوضع على جانبي الحدود وإستصلاح الأراضي المستمر، ما يؤدي إلى إنخفاض تربية المواشي ، نتيجة الاكلاف العالية”.
يحافظ إبراهيم عون ، على تربية المواشي ، منذ اكثر من ٥٥ عاما، وهو الذي ورث هذه المهنة عن والده ، الذي كان يملك قطيعا من الماعز في بلدته صلحا، إحدى القرى الجنوبية السبع ، التي سلخها اتفاق سايكس بيكو عن لبنان ١٩١٦ ، وهجرت أهلها اسرائيل العام ١٩٤٨ عند إحتلال فلسطين.
وأكد عون المقيم في بلدة كفردونين لـ”جنوبية”، أن “تربية المواشي في الجنوب ، أصبحت صعبة للغاية، لكثير من الأسباب، منها ندرة المراعي وكلفة العناية البيطرية واجور الرعاة وغيرها”.
وقال “هناك معاناة كبيرة لتأمين رعاة للماشية وخاصة من اللبنانيين”، مؤكدا بأن “غالبية الرعاة من السوريين، الذين يتقاضون ما بين ١٥٠ إلى مئتي دولار شهريا ، إلى جانب تأمين مسكن على نفقة صاحب القطيع وايضا دفع بدل الكهرباء واشتراك الكهرباء والمياه”.
ولفت الى انه “كان سائدا في السابق التعاقد مع الرعاة موسميا، من الصليب وحتى الصليب في السنة المقبلة ، بحيث يتكفل صاحب قطيع الماعز او الغنم ، تأمين بدلة الرعي والشمسية ولباس النايلون لحمايته من الأمطار”.
أبو هيثم
لفت حسن زيات (ابو هيثم ) احد أصحاب قطعان الماعز في المنطقة الساحلية( طيردبا )، لـ”جنوبية” إلى “تفاقم مشكلة إفتقاد المراعي في المنطقة ، بعد التمدد العمراني الكبير ، وتحويل الأراضي إلى بساتين حمضيات وموز وكذلك غرس جوانب الطرقات والمناطق المشاعية بالاشجار من جانب البلديات، مشيرا في الوقت عينه إلى “ارتفاع تكاليف تربية الماشية ، التي تحتاج إلى أعلاف مرتفعة الثمن ، خصوصا في فصل الشتاء”.